https://www.facebook.com/MoroccoTravelAgencySARL

التشكيلي التطواني عبد الله الفخار يستنشق رائحة الحياة وأصوات الحضارات

كنال تطوان / هسبريس – عبد الجواد الخنيفي 

هو من الأسماء التشكيلية العريقة والأساتذة المبدعين الذين بصموا تاريخ التشكيل التطواني بخطوات كبرى مثقلة بالمعاني والدلالات، فاتحاً العمل الفني على ميادينه الرحبة وعلى أصالة التجربة وتألق التعبير، وجاعلا من إخلاصه وتضحياته كمرب وفنان زاداً للكل، لازال بجسره سارياً إلى اليوم، متطلعاً إلى تلك الحدود العذبة والبليغة.

في هذه الجولة سننصت للذاكرة التشكيلية للفنان الراحل عبد الله الفخار ( 1935 / 1991 )، على لسان تلميذه الفنان بوزيد بوعبيد.

استحضر التشكيلي ومدير متحف الفن الحديث بتطوان الفنان بوزيد بوعبيد أهمية وبعض تفاصيل المسيرة الإبداعية للفنان الراحل عبد الله الفخار، وصرّح بأنه كان يمنح للموضوع بعداً إنسانياً وفنياً، ويمتلك دراية إبداعية عميقة، ساهمت فيها دراسته بالمدرسة الإعدادية للفنون الجميلة سنة 1955، ثم المدرسة العليا للفنون الجميلة بإشبيلية “سانطا إسابيل دي هونكريا”، التي تخرج منها سنة 1959 ..كما أحرز جائزة في المناظر الطبيعية، مكنته من إقامة الفنانين في جامعة “إسبانو أمريكانا دي لا رابيدا”؛ لينتقل بعدها إلى المدرسة العليا للفنون الجميلة “سان فرناندو” بمدريد، التي حصل منها على شهادة الأستاذية في الرسم سنة 1960، وليعود إلى المغرب كأستاذ بالمدرسة الوطنية للفنون الجميلة بتطوان.

وزاد بوزيد بوعبيد أن الفخار، كما يعرفه كل من جايله وكذا طلبته، شخصية متعددة الاختصاصات والمنجزات، حافظ على قدرته الإبداعية وعلى الارتقاء بالحركة التشكيلية، إذ كان أستاذاً ومربياً متمكناً من مواد الرسم القديم والتشريح الفني والنحت الحديث، وكان مشرقاَ في تعليمه، وفق أسلوب متفرد في التبليغ يحفّـز على الكشف، وبالتالي امتاز في تواصله مع طلبته بقدرة على التبليغ وقلب شديد الانتباه، وبالخصوص في مادة الرسم القديم التي كانت تستهويه، والتي منحها كل جوارحه، مؤكداً باستمرار على ضرورة إتقانها واستيعابها كوسيلة تعبيرية أساسية لمسيرة كل مبدع تشكيلي، ما جعل من خريجي المدرسة الوطنية للفنون الجميلة بتطوان فنانين متكاملين من ناحية التكوين التقني.

وأضاف بوزيد بوعبيد: “لقد كانت للفخار شخصيته الخاصة البعيدة عن التملق والتصنّع، فهو كفنان ومبدع لم يكن يتساهل في الدفاع عن رأيه وفلسفته الخاصة وتسجيله للمواقف والملاحظات، إذ كثيراً ما كان يستنكر بعض المنزلقات التي كانت تنحدر فيها جمالية مدينة تطوان بفعل المتسلطين والوصوليين، وبغيرة الابن البار، أنجز أعمالا نحتية بعدة ساحات بالمدينة، كنصب ساحة الجلاء المكلومة التي تعاني حاليا من كل أسباب الإهمال والتمزق، مع ضياع مدفعها النحاسي الجميل..وكذلك نصب ساحة العدالة التي تعاني من التهميش والنسيان…”.

وواصل بوعبيد أنه في أواخر السبعينيات، تم تعيين عبد الله الفخار مديراً لمدرسة الصنائع والفنون الوطنية، حيث اشتغل بنفس الجهد وبنفس المثابرة المعهودة فيه، نظراً لغيرته على أصالة التراث التطواني العريق.

ورغم تعدد انشغالاته كأستاذ وفنان وفاعل مدني، يؤكد المتحدث ذاته، فقد استطاع التشكيلي عبد الله الفخار أن يترك أعمالا رائدة في مجال التصوير الزيتي والنحت الحديث، وفق تقنية خاصة واعتماداً على أسلوب تعبيري شخصي، مع تناغم عميق في جانب التأسيس للوحته، جاعلا من الذّات جسراً لاستحضار المعاناة النفسية والفكرية للإنسان المعاصر، ومستلهماً الألوان والأشكال المُنغمسة في التشتت بلمسات معبرة عن ضياع الوجوه وسط أعاصير الاستهلاك المادي، التي حولتها إلى مجرد أرقام في إحصائيات الاقتصاد والسياسة ومستنقع القلق والإحباط.

واحتفاءً بهذا الفنان ومنجزاته، يختتم بوزيد، نظم له أصدقاؤه وتلامذته معرضاً تكريمياً سنة 1991، شارك فيه أهم فناني مدرسة تطوان التشكيلية.. كما قام وزير الثقافة آنذاك في المناسبة نفسها بتدشين رواق للمعارض التشكيلية ببهو المعهد الوطني للفنون الجميلة بتطوان حمل اسم عبد الله الفخار، عرفاناً لما قدمه من أثر فني متطلع ومن تجربة حياتية وإنسانية متألقة في التعبير.

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.