https://www.facebook.com/MoroccoTravelAgencySARL

العطلة تقترب.. يا إلهي !

كنال تطوان / بقلم : عبد الله الدامون 

نحن شعب نعتقد أننا نتعرض للخديعة باستمرار. يأتي رمضان كما يأتي عادة، فنتظاهر بالمفاجأة وكأن هذا الشهر الكريم نزل علينا فجأة من الفضاء مثل صحن فضائي.
يداهمنا الصيف فنبدو وكأننا استيقظنا من النوم في عز الشتاء فوجدنا الصيف يقف فوق رؤوسنا مثل شبح.

يأتي عيد الأضحى فنصاب بالغم ويظهر لنا الخروف في الكوابيس على شكل ديناصور يرغب في افتراسنا.

رمضان يسير الآن إلى نهايته المحتومة. هو شهر مسكين ينقضي سريعا لأنه يعرف أن الكثير من المؤمنين الورعين يستعجلون رحيله، لذلك يرحل بأسرع من المتوقع.
لكن رمضان سيرحل بعد أيام والصيف على الأبواب، وهذا الصيف حكاية أخرى، لأن المغاربة الذين لا يعرفون كيف يستمتعون بأسماك بحارهم الشاسعة لا يعرفون أيضا كيف يستمتعون ببحارهم التي تمتد على آلاف الكيلومترات.

يأتي الصيف فلا يعرف الناس هل يفرحون بفصل العطلة والبحر والاستجمام، أم يبكون ندما على أيام البرد والأمطار والصقيع، فالصيف صار فصل كل الموبقات، الازدحام والروائح والأزبال والعرق والأكل الفاسد وفائض في اللحوم البيضاء والسيارات المتراكمة على الطرقات والأعراس وأبواق المغنين حتى الصباح، وأشياء كثيرة أخرى.

لماذا لم نعد شعبا يفرح بمناسباته وفصوله؟ كثيرون يقولون إننا صرنا كثيري العدد ونزدحم في أي مكان. لكن المشكلة أننا مجرد 33 مليون نسمة، ولو قلنا هذا لصيني لسألنا في أي مقهى نجلس، لذلك فإن المشكلة ليست في أعدادنا، بل في طرق تفكيرنا. نحن شعب نحب الازدحام.

الطرقات في الصيف تتحول إلى تجسيد حقيقي لـ«السفر قطعة من الجحيم»، حتى يبدو ذلك البدوي العتيق الذي يسافر فوق جمل في الصحراء أفضل بكثير من المسجون داخل سيارته في قلب مدينة مزدحمة.

القطارات صيفا لا يسافر عبرها إلا ذوو بأس شديد. فبالإضافة إلى الازدحام فإنها تتحول إلى آلة متعددة المهام. هي وسيلة سفر و«صاوْنا» وآلة لتذكير الناس بيوم الحشر. من حسن الحظ أن ساركوزي سيعود قريبا إلى رئاسة فرنسا وسيعجل بحصولنا على القطار فائق السرعة «التي جي في». يجب أن يفعل ذلك لأنه هو من باعنا القرد.

مثلما يظهر سماسرة رمضان ويغرقون الأسواق بمئات الأطنان من الأغذية الفاسدة، فكذلك للصيف سماسرته الذين يحولونه إلى جحيم حقيقي. الناس الذين يريدون كراء منزل قرب البحر لا بد لهم من سمسار، والذين يبحثون عن مكان لسياراتهم في المستودع لا بد لهم من سمسار، والذين يريدون غرفة جيدة في فندق لا بد لهم من وسيط، والذين يريدون حجز مكان جيد على الشاطئ لا بد لهم من سمسار. أي أنك، منذ الصباح حتى تأوي إلى فراشك لا بد أن تبحث عن وسطاء يسهلون لك مرور يوم آمن.

الكل يتجبرون في فصل الصيف، بدءا بحارس السيارات الذي لا يقبل بأقل من خمسة دراهم، وانتهاء بالمتسول الذي لا يقبل بعبارة «الله يسهّلْ». الصيف موجود لكي ينهب الناس بعضهم في حرب أهلية بدون أسلحة ظاهرة.

في الصيف تظهر كل المكبوتات الاجتماعية وتقفز إلى الواجهة كل حالات الغش والفساد. ليس باعة الكفتة فقط من يخلطونها بكثير من اللحم المشبوه ويبيعونها للجوعى على الشواطئ، بل حتى تجار الكوكايين يخلطونها بكثير من الدقيق والسكر ويبيعونه للمدمنين. الغش حالة متكاملة لا تجزيء فيها.

في الصيف تصبح الكثير من الأشياء العادية شبه مستحيلة. من يستطيع صيفا أن يقف على ناصية الطريق ويعثر على سيارة أجرة بسهولة؟ ومن يستطيع أن يوقف سيارته من دون أن يضع قربه هراوة من النوع الجيد التي لا تنكسر لمجرد ضربة على ظهر الخصم؟ ومن يستطيع أن يصبر طويلا بسيارته أمام أضواء الإشارة الحمراء؟ ومن يكلف نفسه جمع قمامته على الشاطئ ووضعها في كيس ورميها في برميل القمامة؟

في الصيف يرحل الذين يسرقونا نحو الشواطئ الحالمة في أمكنة لم نسمع بها من قبل، بينما نظل نحن نتزاحم على قطع صغيرة في شواطئ مزدحمة ونقف في الطوابير من أجل قطعة مثلجات أو قطعة خبز محشوة بأي شيء.

في الصيف لا يجد سكان المدن البعيدة عن البحر سوى السباحة في الأنهر أو في النافورات القليلة. المسابح غير موجودة لأنها ترف بلا معنى. الأغنياء فقط من يحق لهم الحصول على المسابح، أما الفقراء فيمكنهم أن يسبحوا في الأودية النتنة أو يغطسوا في «بانْيو» في السطح.

في الصيف يركب الذين ينهبوننا اليخوت ويسبحون في شواطئ محروسة، ونحن ندخل عالما عجائبيا يختلط فيه كل شيء، الشمس والماء والوساخة واحتراق الأعصاب والأزبال ولحوم البشر والحمير.

الصيف فصل يأكل فيه الجميع الجميع.

 

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.