https://www.facebook.com/MoroccoTravelAgencySARL

في ضـرورة ” قـتـل” الأم !

كنال تطوان / بقلم : خالد سليكي

لا بد من التنويه، في البداية، إلى أن ما نقصده ليس ”الأمومة“ وإنما ”الأم“ كثقافة لها امتداداتها داخل الفرد وما تعكسه هذه ”التمثلات“ من سلطة وقوة لها دور خطير في إنتاج عدد من الممارسات والسلوكات التي تكون حاسمة في علاقاتنا، ذكورا وإناثا، رجالا ونساء، أفرادا ومجتمعات.

لا يمكن فهم الشخصية العامة في مجتمعاتنا إلا من خلال ”الأم“ حيث امتدت علاقة الأم/الطفل النفسية إلى الوحدة النفسية الاجتماعية، أوبالأحرى هذه العلاقة ”تراكمت في الحبل السري“، كما تقول هلي دويتش.

ففي مجتمعاتنا العربية، نلاحظ أن للرجل له علاقة خاصة بأمه، فهو يفوض لها أمر أن تختار له زوجة مستقبله، ونجده يعبر عن حنينه إليها. كما أنه دائم الطلب لرضاها، بدء من تقبيل يدها وانتهاء بالخضوع لرغباتها في فرض رؤيتها وتصوراتها الخاصة في تربية أطفاله أو تسمية أبنائه بل وقد يصل هذا إلي حد التدخل في الأمور الحميمية بين الزوجين، بل وقد تتدخل في تطليق الزوجة بسبب عدم رضا ”الأم“! ويزداد الأمر تعقيدا لدى الفرد المهاجر، فهو لا يتوقف عن التعبير عن ”الحنين“ إلى ”خبز أمه، وقهوتها“ و“مرقها“ ورائحة ”طجينها“، كما أنها تمثل ملجأه الدائم في الغربة، إذ لا الزوجة ولا الأولاد يمكنهم أن يسدوا الفراغ الوجودي الذي تملأه ”الأم“.

والواقع أن المسألة أعمق بكثير مما يمكن أن يتصوره البعض، ذلك أن المسألة تتداخل فيها مكونات التربية/التنشئة ومكونات نفسية لاواعية تظل تتحكم في شخصية الرجل، وتجعله دائم المعاناة من عدم الفطام الذي يتحقق بصورة كافية.

إن مظاهر القهر الذي تعيشه المرأة داخل مجتمعاتنا، سواء القهر الجنسي أو التربوي أو الاقتصادي، يجعلها في موقع تبحث عن تحقيق للذات ولو اقتضى منها ذلك أن تحققه وهما. وهكذا تلجأ إلي بعض الأساليب التي تعلي من قيم أنوثتها والسيطرة على الرجل بصورة خفية. وهذا ما يتحقق عبر وسيلتين -حسب حجازي- هما التضخم النرجيسي والسيطرة غير المباشرة.

تتجاذب المرأة صفتان لا رابط بينهما، فهي في نظر المجتمع العورة القاصر، فهي تمثل رمزا للضعف ورمزا للخصاء، لكنها من جانب آخر ”أم“ تتمركز حولها كل المثل العليا لدى الفرد/الطفل، وهي رمز الحنان والتضحية والمحبة والخير والعطاء. وقد استطاعت المرأة أن تطور توازنا استثنائيا بين تعارضين متنافرين هما النزعة النرجسية وعاطفة الأمومة، وذلك بفعل عملية ”التحويل“ من ”الأنا“ في اتجاه الطفل/ولدها. لكن هذا التحويل لا يمحو العناصر النرجسية للمرأة، بل تظل قائمة، إذ تربط الأم حبها لطفلها بحدث هام وهو أنها تعتبر نفسها ”ضرورة“ وليس يمكن للطفل حياة إلا بوجوها، وهذا ما يترسخ في باطن ولاوعي الفرد وينمو معه. وهكذا، ففي مجتمعات تربط قيمة الأم بهذه الوظيفة (الأمومة) وبالخصوبة التي تنتج استمراية لسلالة الأب تعمل ”الأم“ على التمركز حول ذاتها فتنال كل دلالات السمو التي تؤدي بها إلى مركز القداسة، ومن ثم فإن تضخم قيمة الطفل يأتي من تضخم قيمة الأم، وهذا يؤدي بدوره إلى نشوء علاقة تملكية تمارسها الأم على الطفل، مما يجعل استقلال الطفل عن أمه أمرا غير وارد تقريبا في المجتمعات العربية.

والأم بلعبها دور الوسيط بين الأب المهيمن والأبناء الذين لا يوجد لديهم دور أو مكان في عالم الأب، تخلق توازنا وتخفف من الهوة الساحقة بينهما. فهي تتقن هذا الدور وتنجح في الكثير من الأحيان بأن تدفع الأب إلي الاستسلام، وهي بذلك تخلق بعدا للتندر بينها وبين الأولاد، وهذا ما لايخلو -في العديد من الأحيان- من إيحاءات أو تلمحيات جنسية. كما يبقى من الواضح أن الأم تبدي تفهما يتجاوز الأخلاق والقيم السائدة، بحيث لا تتحرج من تشجيع اللقاءات الخاصة (أي خارج إطار الشرعية، سواء تعلق الأمر بالبنت أو الولد!) بإخلاء المكان/البيت، أو تدافع عن ممارسات تكون خارج الأعراف والتقاليد المعمول بها. أو ليست في النهاية هي المسؤولة -إلى حد كبير، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر- عن اختيار زوجة الإبن؟!

إن هناك ”عبادة“ للأم داخل مجتمعاتنا، وهذا نتيجة الشحنات العاطفية التي تبسطها (الأم) على الأولاد، ما يتخذ صورة الاستحواذ المرضي أحيانا. فهي (أي الأم) ترى في الطفل عالمها، إنه حاضرها الذي تحقق من خلاله وجودها داخل المجتمع الذي لايتوقف عن اضطهادها (ولنا أن نستحضر مظاهر القهر والعنف الرمزي الذي يمارسه المجتمع والزوج على الزوجة إن كانت عاقرا، أو كانت لا تلد غير البنات، أو إن كان ولدها البكر أنثى!!!)، كما يشكل الطفل مستقبلها، وهو ضمانة أساسية لمواجهة المستقبل المجهول الذي قد يحمل إليها تخلي الزوج عنها، أو إصابتها بمرض أو شيخوخة وما يترتب عنهما من عجز لمواجهة الحياة.

هكذا فهي تكتسب مكانا اعتباريا وشرطا حينما تصبح ”حماة“، سيما إن كان لها ذكورا. بحيث يمكها أن تمارس تحكما في زوجات الأبناء وتدخلا تمارس فيه سلطوية قد تلعب دورا حاسما في مستقبل العلاقة بين الزوجين. ولعل حياتنا اليومية تعرف غنى كبيرا في هذا الباب!

إن المجتمع الأبوي المحكوم بالسلطة الباطرياركية محكوم عليه أن يصبح ”أميا“ (من الأم!) حيث تقبع الهامشية في قلب حياة الفرد الخاصة والعامة لتنعكس فيما بعد على الزوجة. إذ بمجرد ما يتزوج الرجل يتحول إما إلى طفل عاطفي تابع وخاضع، أو يصبح طاغية مفرط الحساسية لا يتوقف تفكيره عن مكانته كذكر. ولذلك كان الرجل أميل إلي الثانية لتلعب الزوجة دور الأم، في حين يبقى عدم استقرار الزواج تعبيرا عن عجز الرجل عن التخلص الكلي من ”الأم“ وفشله في تصور المرأة كشريك، ذلك أن السعي الدائم للرجل وراء المرأة/المثال التي تختزل صورة أمه يؤدي إلى قلق دائم في داخله يحول دون تحقيق التوازن الضامن لنجاحه في الاستمرار مع الزوجة كشريك. إذ يرى يونغ أن الشهوة تتركز على الصورة الذهنية للأم في اللاوعي، وسعي الرجل نحو تحقيق الزواج الناجح يحمل في عمقه بحثا عن بديل للأم!

فإذا كانت البنت حين تتزوج تنتقل من سلطة الأب إلي سلطة الزوج، فإنها رغم الحضور السلطوي للرجل تملك حرية أكبر داخل بيت زوجها بسبب ما تضفيه عليها ”الأمومة“ والإثارة/الجسد، غير أن الرجل يظل يعيش امتدادا لعلاقته بأمه، بحيث تحل الزوجة محل الأم.

هكذا فإن مهاجمة ”الأم“ -في البعد الرمزي للمسألة- تحمل في عمقها نضجا سيكولوجيا في الفرد، لأنه على الرجل أن يقتل الصورة المزيفة التي تشكلت في ذهنه، لأن الحضور الوهمي للأم يمنع الرجل من التفكير في مستقبله وعلاقاته بحرية ونضج واستقلالية. فالأم بحاجة إلى أن تُرى في حقيقتها، لأننا ”نعاني من الشهوة في شكل الانطباع الذهني للأم“ -يونغ-.

ثمة فارق بين الاحترام الواجب للأم والتقديس المزيف المرضي لصلة الرحم، الذي ينبغي مساءلته ونفض غبار ”التأليه“ الذي يغطيه. فالاحترام يستوجب المساعدة في توفير الأمن ومواجهة الذل لكن في المقابل ينبغي التخلص من ”بقايا الرغبة في الأم“!

أولسنا بحاجة إلى المرأة كي تتخلص من ”الأم“ فيها!

أوليس الرجل أول ضحايا عقله البطريراكي بسبب القهر الذي يدفع المرأة إلي إعادة إنتاج نفس الوعي، لكنه يكون مدمرا يشتغل في لاوعينا الجمعي لينتج ممارسات واختلالات تعطل الإرادات الفردية وتقتل النجاحات داخل المجتمع؟

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.