في أقبح الأحوال، فإن المفترض أن لا يتعدى الاختلاف داخل أية دولة حالة الخصومة السياسية أو الفكرية أو، لربما، العقدية، بين فصائل وتيارات أبناء الوطن الواحد، أما بالنسبة للحكام فالمفترض فيهم أنهم الساهرون على أمن وسلامة ورفاهية وازدهار أولئك المواطنين جميعا(بجميع فصائلهم وتياراتهم وفئاتهم)، الذين(المواطنين) المفترض فيهم -للمرة الثالثة- أنهم هم من أوصلوهم(الحكام) إلى سدة الحكم لقيادة البلاد.. بل إنه ما من سبب ولا مبرر لوجودهم أصلا(المسؤولين) إلا وجودهم(المواطنين).. وعليه، فالثابت إذن أن مفهوم العداء داخل الوطن الواحد لا ينبغي أن يكون له وجود حتى بين المختلفين أو المتخاصمين، فما بالك بين شعب وقيادته الحاكمة، الجامعة، الموحدة، المسؤولة!!
فالعدو يمكن أن يتواجد بالفعل، لكنه يجب أن يكون -حال وجوده- حتما من الخارج، أما الحاكم المسؤول، فهو الأب الذي عليه رعاية شؤون جميع أفراد أسرته، والسهر على راحتهم وطمأنينتهم ورفاهيتهم، ولا يستساغ أن يكون عدوا داخليا لشعبه!!
والحال أننا عندما نلاحظ سلوك بعض الحكام في ضيعة العرب، نجد أنهم يشكلون عدوا داخليا لشعوبهم مكتمل الأركان والصفات، يفوق في عداوته وطغيانه وجبروته نظير ذلك عند العدو الخارجي المفترض!!!
فعلى سبيل المثال فقط، ومن الشواهد الطرية، فقد قتل الصهاينة ما يناهز 2150 شهيدا فلسطينيا في حوالي الشهرين من الزمن في الحرب الأخيرة على غزة.. وهذا ظلم كبير وتحد سافر لكل القوانين والأعراف والمواثيق والمنظمات الدولية، وذلك نتيجة لعربدة العدو الصهيوني واستقوائه بزعيم عصابة العالم: أمريكا اللئيمة، واستغلاله لغطاء ونفاق، بل وحماية “المجتمع الدولي”.. وهو ما يشكل استهتار مقرف ومثير للاشمئزاز!!!
لكن الأكثر ألما وإيلاما وتعديا واعتداء على النفس البشرية، وإشعارا بالضيم والمرارة، هو أن يقتل نظام 2600 شخص في يوم واحد من المواطنين الذين المفترض أنه المسؤول عن سلامتهم الجسدية، بل ورفاهيتهم الحضارية!!!
والحالة هذه، كيف يمكننا أن نمتعض من قتل عدونا لنا، و”أهلنا” يقتلون منا أضعاف ما يقتل،، في أوجز مما يفعل؟؟!!
أليس -بالمقارنة- العدو أرحم؟؟!!!
وإذن نفهم لمَ جعل الله سبحانه وتعالى المنافقين(العدو الخفي المتخفي) في الدرك الأسفل!!!
المقارنة حصرت هنا من حيث الزمن والمستوى في الأحداث الكبرى الأخيرة المتعلقة بالقتل المباشر، أما إذا توسعنا في بعديْ المقارنة، فإنه يقينا سنجد أن غالبية الأنظمة قتلت من شعبها وخطفت وسجنت ونكلت وعذبت وحرمت وأفقرت… أكثر بكثير مما فعل الصهاينة على مدى تاريخ وجودهم الأسود،، مع الفارق الرئيس بين صراع وجودي للدولة هناك، ونزاع استئصالي حاكم/معارضة من جانب واحد هنا!!
بل إن هامش المعارضة الراديكالية لطبيعة الدولة حتى داخل قبة “الكنيست” المتاح “للعرب”، لا يوازيه، بل لا يقاربه أي هامش لـ”المواطنين” المنسجمين في الدين واللغة والولاء لكل هذه “الكانطونات” مجتمعة،، وعلى المشكك أن يراجع مداخلات عزمي بشارة -في حينه-، أو أحمد الطيبي، أو حنين الزعبي… في ردهات الكنيست، ويقارنها بـ”تصريحات” لشخصيات وطنية، تخص الحكام فقط دون الدولة، في أي “دولة” من كيانات هؤلاء العرب أودت بصاحبها في الغياهب، أو أورثته المتاعب!!!
دائما في إطار هذه المقارنة:
– يرخص العدو في الخارج لحركة إسلامية تعارضه وجوديا(تماما كما يرخص لحركات يهودية تعارضه منهجيا)، ويحارب عدو الداخل نفس الحركة التي تمارس عملها السياسي السلمي من داخل المؤسسات أو من خارجها(لا تقبل بقواعد “”اللعبة””)، بصفتها مبنية على أساس ديني!!!
– نائب في الكنيست يصرح -في جلسة رسمية- بمساندته للمقاومة الفلسطينية التي تخوض حرب استئصال مع “دولته” التي أعطته الوجود والشرعية التي يتحدث من خلالها، ومع ذلك لا يُتهم بالخيانة، ولا يقدم للمحاكمات “المسلوقة” المخزّنة في المجمّد منذ أمد.. ففي الداخل من انتقد النظام القائم أو شخص الحاكم المبجل يكون قد مس أمن الدولة!!!؛
– في الخارج ترى جنود الاحتلال مدججين بالسلاح، ينسحبون من أمام المتظاهرين الفلسطينيين المهاجمين بالحجارة وبكل ما طالته أيديهم،، في الداخل ترى خير أجناد الأرض(إسوة بغيرهم في باقي البقاع) يطاردون المتظاهرين العزل الهاربين في متاهات الأزقة والشوارع، أو أمام البرلمانات دون أدنى مقاومة، حتى إذا ظفروا بأحدهم تنوع الاستعراض بين كسر العصا على الجسد أمام البرلمان، وإفراغ ذخيرة آلية النار في الجيزة!!!؛
هذا في مجال المقارنة بين “رحمتي” وقسوتي الداخل والخارج على “المواطنين” العرب.. أما في ما يخص علاقة كل طرف بمواطنيه أو “رعاياه”، فيكفي التذكير أنه في الخارج يرتكب العدو المجازر في حق من يناهضونه وجوديا، وذلك دفاعا عن “مواطنيه”، بانيا لهم(مواطنيه) المجد والرفاهية في “دولة” القانون والمؤسسات والمسؤولية والمساءلة،، حتى إذا غادر سدة الحكم(هذا إذا لم يحدث الأمر إبان فترة الحكم)، خضع لحساب عسير..، أما في الداخل، فيَختطف “الحاكم الملهم” سدة الحكم إبان فترة المراهقة، يتخذ البلد ضيعة، يهلك الحرث والنسل، يستثمر ما نهب من الداخل في الخارج ليقوي اقتصاده(الخارج).. ولا يغادر “السدة” إلا فارا أو محمولا.. ومع هذا تقام له التماثيل، وتسمى باسمه الشوارع والساحات والميادين!!!
فأعداء الخارج يبنون بلدانهم، ويقتلون الأغيار من أجل مواطنيهم، ومع هذا يحاكمون، وأعداء الداخل يخربون بلدانهم، ويقتلون مواطنيهم من أجل الأغيار ومع هذا يقدسون!!!