إذا كان الثابت في تعريف الأحزاب هو أنها منظمات تضم أفرادا تجمعهم مبادئ فكرية مشتركة، وإذا كان القانون المنظم للمجال يلزم المؤسسين بتجميع عدد معين من المنخرطين، فإن جل “الأحزاب” المغربية لا يشملها الناظم النظري، كما لا تخضع للضابط القانوني،، إلا تدليسا.. فهي لا تضم إلا زعيما مفردا عن الجماعة تماما كما هو مفرد عن الفكر والإيديولوجيا..
فعدد الأحزاب في المغرب يفوق 33 حزبا سياسيا معترفا به، ناهيك عن التيارات غير المعترف بها، أو غير السياسية. وهو ما يشكل فائضا مهولا، وتخمة عبثية مقيتة، تكرس عسر الهضم المزمن في هذا البلد..
وأغلب غالبية هذه الأحزاب هو نتيجة عمليات انشقاق ناتجة عن تناسل فطري لم تضبطه قواعد تحديد النسل ولا تنظيمه، تدخّل في كل عمليات إخصاب منها فحولة المخزن التي تغري دائما استعداد وقابلية بائعات الهوى في فترة الخصوبة، من أجل كسب زعامة زائفة، تخول لهن الورود إلى حوض الامتيازات والعطايا، بعهر سياسي تُعرض فيه كل عورات هذه المخلوقات المسخ الشنيعة، كما تخول للفحل كسب شرعية زائفة، وتكثير الأتباع من أبناء السفاح، وتوسيع قاعدة التأييد الفاسد..
دكاكين العطارة السياسية الموسمية ، ووسطاء الرذيلة، والتي تفتقد إلى أبسط مقومات الحزب كما هو منصوص عليها في القوانين الدستورية، يضيق الفكر، كما يضيق التصنيف بها، هذه الأكشاك تصنف زورا -من ناحية الخلفية الفكرية- إلى أحزاب يسارية وأخرى ليبرالية وثالثة إسلامية.. ويصنفها بعضهم إلى أحزاب إيديولوجية وأخرى إدارية..
وعلى أية حال، فالانتماء إلى هذه الكائنات من طرف أفراد الشعب المغربي عموما، ومن طرف مناضليه ومثقفيه وطلبته وتلامذته… وغيرهم ممن يمكن أن تُسحب عليهم صفة الانتماء الفكري الإيديولوجي السياسي الخالص، العاري عن المصلحية والوصولية والانتهازية والتملق والتسلق… هذا الانتماء بهذا التوصيف يكاد يُحصر -بالقوة وبالفعل- في التيارين اليساري، والإسلامي، وبعض ممن يدّعي اكتساب مشروعيته من مكافحة الاستعمار..
وأنا هنا لا يهمني كل أولئك الذين سبقوا.. فهم تجار موسميون مرتزقة،، دعهم في خوضهم يلعبون، وللحطام يجمعون،، وإنما أثارتني بعض النقاشات الجارية على صفحات المحيط التواصلي الأزرق بين بعض فرقاء تيار فكري واحد، عصفت بمكوناته مقاربات الموقف وتدخل المخزن، فصار أشتاتا،، هذا مع التنصيص المنصف أني لا أنتمي واقعيا إلى أي منهما -مع أن هذا لا يصنع فرقا، وإنما فقط من باب التدقيق-..
فقد حضرت سجالا “فيس بوكيا” بين فريقين من مكونين مختلفين لنفس التيار، حيث كال فيه أحدهما لأخيه سيلا من التهم الجزافية والمتناقضة أحيانا، منها أن المتهَم لا يفوت فرصة تظاهرة ليستعرض عضلاته، وأنه في انحسار مطرد، وأنه الأولى له أن يوحد الصف، وأنه يعطل قاطرة الإصلاح… والحال أن جل ما ذُكر لم يحالفه الصواب، بل أحيانا كان فيه نصيب وافر من التجني..
فمسألة استعراض العضلات، من جهة فقد استُنفذت وأنهكت واستهلكت حد الابتذال.. تشهيرا وتأصيلا.. ذلك أن معارضة/نفي استعراض القوة من حيث المبدأ يستوجب إلغاء مبدأ التظاهر، أمَا وأن شرعية التظاهر هي الضغط، ولا ضغط بدون قوة(فيزيائيا ومعنويا).. فلا يصح استخدام هذه اليافطة فقط حينما نريد،، ومع من نريد.. هذا مع التنويه أن قوة العضلات القاعدية والتنظيمية فعلا موجودة بدليل اعتراف الاتهام، وهذا ليس مدعاة للعار، وإنما للعزة والفخر..
أما مسألة الانحباس، فهو من جانب يناقض تماما الاتهام السابق، ومن جانب آخر فإنه يفسر في اتجاهين: فإذا كان المقصود هو الانحسار، فهذا وهم، لسبب بسيط هو أن المنحسر لا يُقلق أحدا، لا من الدولة ولا من التيارات،، أما إذا كان المقصود منه التضييق، وهذا هو الصواب، فهذا واقع فعلا، وبقوة،، غير أن “الإخوة” لهم نصيب وافر فيه، ووالله الذي رفع السماء بلا عمد سيسألون عنه..
بالنسبة لمسألة توحيد الصف.. الكل يعرف أن المتهَمين هم أول -وآخر- من طرح دعوة صريحة إلى كلمة سواء، وهي على كل حال لا زالت مطروحة فعلا على أرض الواقع، وبصدق، وإنما أخّر -أو فلنقل منع- نضجها تحالف الذين استحبوا الظلم والطغيان على العدل والإحسان.. وإذن لا يصح أن نخذِل وبعد ذلك نتهِم!!! ثم إن هذه المسألة مقدور على حلها: على من يهمه الأمر أن يحرج “المستعصين” وذلك بالنزول إلى المائدة بما يلبي طموح الشعب المغربي في أن يتملّك قراره الفعلي في يده..
بل إن البحث عن الفضلاء من أجل التحالف المنشود، هو بالضبط ما يقوم به خيرون من هذا القطر في كل الضواحي الجغرافية والزوايا الفكرية، والأمر معروف لا يعرّف.. ومع هذا فإن هناك إصرارا غير مهضوم من قوى مجتمعية شتى و”نخب” عدة على التحالف مع المخزن بما يمثله من فساد واستبداد وشمولية… عوض البحث والنقاش في صيغة من أجل الاصطفاف قصد اقتلاع الجاثمين على الصدور!!!
مسألة وضع العصى في العجلة من أجل تعطيل مسيرة الإصلاح، والإعراض عن المساهمة فيه، والتساؤل حول وجه وقدر المساهمة فيه… فيها نظر.. حيث أنه في كل الأعراف السياسية، من يقف في صف المعارضة الراديكالية لا يوجه له الاتهام بعدم الإصلاح.. فلسان حاله يقول: أنا أعارض هذه العملية/اللعبة أصلا،، وهذه شروطي للانخراط.. فكيف تحاسب من لا يدبر؟! بل إنه بإمكانه اتهامك بأنك أنت من ميّعت العمل السياسي، ورضيت بـ””نصف حل””، وخذلت النضال في الأمتار الأخيرة!!!
في هذا السجال، كان طرف وحيد يتهم، والآخر في موقف التبرير والدفاع عن النفس فقط، لذا جاء هذا التوضيح لموقف طرف واحد،، ربما يكون هناك موقع آخر أو مناسبة أخرى تتبادل فيه الأدوار..