https://www.facebook.com/MoroccoTravelAgencySARL

طفرة الزجل التطاوني من طفرة المرأة التطاونية

كنال تطوان / بقلم : الزهرة حمودان

قراءة في التجربة الزجلية الأنثوية بمدينة تطوان

   تقديم:  

في البداية ، لا بد من الإشارة إلى كون  الحقل الزجلي ببلادنا رغم ريادته التاريخية في الإبداع القولي ، و عمقه االتعبيري الضارب في الأصالة . و رغم النقلة النوعية التي عرفها في الأزمنة الحديثة ، في حاجة الى فك العزلة عن عقليات  ـ ممارسة كانت أو متلقية ـ ما زالت تجهل المكانة الفنية و الجمالية لقصيدة الزجل ، التي لا تقل عن الشعر صورا و تخييلا و بلاغة شعرية.

   و عن الكتابة النسائية  بصفة عامة ، يقول الشاعر و الناقد المغربي بنعيسى بوحمالة: ” إن ما تكتبه المرأة يدخل في صميم الكينونة الأنثوية و ماهية النوع ، و أن تسونامي الشعر النسائي مكسب للشعرية “. و إننا إذ نسوق هذه الشهادة ، نكاد نجزم أن تجربة الابداع النسائي في فن الزجل ، تدخل أيضا ضمن هذا السياق.

* * * * * * *

    من خلال دراستنا لثلاث تجارب إبداعية نسوية ، في مجال الزجل بمدينة تطوان ، و جدنا أنها راكمت رصيدا فنيا، يمكن أن يوفر مادة لدراسة نقدية ، في مشهد  حركة إبداعية صاعدة ، رجت بركة الزجل الذكورية ،و أفرزت طفرة ، غيرت موازين القصيدة الزجلية بمدينة تطوان بصفة خاصة ، وفي خريطة الزجل المغربي بعامة.

  و يعتبرالمتن الزجلي ، الذي راكمته كل من الشاعرات : نبيلة المصباحي و جميلة العلوي المريبطو و كريمة العاقل، بلورة حقيقية ،  للتجربة الزجلية ببلادنا ،  بفعل أنثوي ، ينحت لنفسه موقعا داخل صيرورة الزجل المغربي، بحكم أن الزجل ببلادنا فن يتطور، و أن دائرة الابداع فيه اتسعت، باستقطابها أكاديميين و مثقفين. .

   و بهذا تكون المرأة قد أسهمت في الابداع ضمن فن الزجل ، و أثرت حضوره الباذخ ببلادنا ، حين ابتكرت مكونات فنية جديدة لقصيدة الزجل ، أغنت جماليته ، باستلهامها أشكالا تعبيرية بصيغة الأنثى ، و اختراقها لمضامين ، ثاوية في تلافيف الذات الأنثوية ، لم تطرق من قبل. إنهن ببساطة شاعرات  نزلن أرض فن من فنون  القول ، يغزلن زجلا ، قصائده عرائس لذات الأنثى ، يضمخن  حروفه بعطر لغة الجذور ، المستقطرة من عناقيد الياسمين ، و زهر النارنج الحاني فوق أسيجة فناني الغرام.

*  *  *  *  *  *  *

      لا أحد ينكر أن الساحة الثقافية اليوم، أصبحت هي حلبة الصراع الحضاري، كما أن القوى الناعمة هي المراهن عليها الآن في أي تغيير، بالاضافة الى الجهد الفلسفي ، الذي أشرع للشعر بوابته الخاصة ، حين أعلن : ” أن هناك قوى تتبدى في الأشعار لا تمر عبر دوائر المعرفة المغلقة ” .

   هذه الإمكانات ،  نجدها حاضرة بقوة عند الزجالات الثلاث.

   التجربة الأولـى :

   تنفرد الشاعرة نبيلة المصباحي بالملمح الثالث. ففي كل قصيدة من قصائدها. تفاجئك إشراقة من عمق ذات أنثى ، واعية بفرديتها و حريتها و بجذورها التاريخية التطاونية و المغربية. تومض لك بوهج يوقد من قوة معرفية لا تعرفها ” دوائر المعرفة المغلقة ” كما أسلفت الإشارة.   فقصائدها ـ حسب قراءتنا ـ  تعكس وعيا بالوجود الإنساني ، منبثق من القلب و الروح ، من خلال تعابير و انزياحات لغوية من إبداعها الخاص . و إن كانت تستدعي اللغة المحكية وصيغها، و التراث و حمولته، كي تكسب قصائدها، هويتها الأصيلة. لغتها ملتهبة بلظى ذات لاهثة ، تبحث عن وجود قيمي راق ، يحتمي بسياقات مفاهيمية إنسانية/اجتماعية  أصيلة، و يمتح من حقول الحكمة و التجربة الانسانية العامة ، و أحيانا تقترب من شفوف التصوف. فكل ما تحتاجه الصورة هو ومضة من الروح ، كما يقولون .

    تغوص الشاعرة نبيلة المصباحي ، بفنية و مقدرة في بحور المعاني ، عبر الأبعاد المشتركة ما بين المحلي التطاوني و المرجع العام للدارجة المغربية من تراث و حكم و أمثال… لتتوج قصائدها قلائد للقيم الإنسانية،  كقيمة الصداقة مثلا في قصيدتها: ” الصديق “

كما توظف رؤيتها للعالم  و تفاعلها الاجتماعي ، من خلال رصدها لاختلالات المجتمع ، و لبعض النماذج البشرية ، التي تكرس تلك الاختلالات ، فتصوغ بذلك قصائد لاذعة ، تضع أصبعها داخل الجرح ، لا تحابي و لا تداري ، و ذلك كما هو الشأن في قصيدتي : ” سباك المقال” و ” حسادك يا ليام”

    التجربة الثانية :

     بالنسبة للتجربة النسوية الثانية ، التي أشعت بحضورها ، ساحة شعر الزجل التطاوني و المغربي فهي “سيدة البيت التطاوني ” ،  ذلك الحيز الذي وصفه القديس و الكاتب الإيطالي دون بوسكو بكونه ” يمتد من الأرض إلى السماء “. إنها الشاعرة جميلة العلوي المريبطو . تمجد هذه الشاعرة الأنثى من خلال قصيدتها ” فرحانة بحالي مرا ” ، كما تكرس ابتهاجا أنثويا محضا بالأمومة في قصيدتها ” يسيمنة”  و بقصيدة ” الزوجة الأنثى” ، ترفع الحجب عن أسرار أنثوية ، لأول مرة ، بمقاربة أنثى ، أعتبرها الأنثى الجديدة ، التي امتلكت حقها الكامل في التعبير.

    و هي تغترف من خبايا و أسرار البيت التطاوني ، بحس الشاعرة ،و بعين الملم بفن العيش لدى ساكنة تطوان ، بكل مكوناته الحضارية و التاريخية. تنفرد الشاعرة بقدرتها على التقاط التفاصيل الصغيرة في الحياة العادية لأهالي مدينتها، ـ إلى جانب تمجيدها ذات الأنثى ـ انطلاقا من استحضار الذاكرة الطفولية في قصيدتي ” لعبة بيسو” و ” غدا العيد ” ،  إلى طقوس الأفراح و المواسم و المناسبات الاجتماعية. في قصائد مثل ” الختان ” ـ ” الحضور ” ـ ” الخرجة دالعروسة ” ـ ” الصف دالهنا ” ، و غيرها .  ساعدها على ذلك ملكتها على إدراك الصور و أبعادها البصرية بصفتها فنانة تشكيلية ، كما أن إلمامها بالتراث الحضاري لمدينتها ، و توظيفها له جماليا في قصائدها ، جعلها تؤصل لنسق شعري/زجلي أنثوي يتفاعل بين الذات و الآخر موروثا كان أو حبيبا ، يبصمه حيز مكاني له خصوصيته. فالمكان يكثف الزمان، و البيت الكوني الفسيح ، يصبح إمكانية لكل الأحلام ،و يقود الشاعرة إلى مناطق من الوجود غير محددة ، تمارس فيها بوحها الأنثوي ، المتمرد على كل الأسيجة . تتملكها الدهشة من الوجود فيتدفق إبداعها، قصائد زجلية حرة طليقة، ناطقة بكل الصيغ الممكنة و المحتملة. حيث جسد المكان في قصائد الشاعرة، دعائم استقرار الكائن الإنساني ـ الكامن فيها ـ المتمرس بفعل الوجود الصاخب.

     قصائد ” مهيرز”  و” القويرية ”  و” المرأة المفتونة”   رحلة في ذاكرة  المحكي الشعبي التطاوني ،  مبنية بتعابير مغرقة في المحلية التي لا تلغي  جسور التواصل مع الآخر، في آن واحد . بينما في قصيدة ” عترة ” تتجلى القدرة على البوح الأنثوي ، الذي يصر على أحقيته في حرية التعبير.

   أوقدت الشاعرة جميلة العلوي المريبطو، شموع حدوسها الفنية والاجتماعية ، و تغلغلت في التراث المحلي ، فنسجت بفنية مائزة ، قصائد زجلية لغتها من قاموس العامية المحلية بمدينة تطوان ، الصرفة. و بهذا تصبح قصائد جميلة العلوي المريبطو مرجعا هاما للباحثين حول طبيعة المجتمع التطاوني و خصوصيته الثقافية و الفنية ، وتتحول إلى شهادات لا تحملها الوثائق .

التجربة الثالثة :

   يقال إن الشعر هو ظاهراتية الروح أكثر من كونه ظاهراتية العقل. و التجربة الأنثوية الثالثة في رحلة استقرائنا هذه ، تنطبق عليها هذه المقولة .  ويتعلق الأمر بفراشة الزجل المغربي ، الإنسانة التي تتنفس شعرا ، الزجالة كريمة العاقل.

    كلما توغلت في قصائد هذه الشاعرة ، ـ رغم حداثة سنها ـ ترسخت لديك ـ بما لا يقبل الشك ـ أن شعر الزجل أصبح اليوم  يمثل اختيارا لشكل تعبيري يلبي حاجة ذاتية لدى الشاعر،  ليظل ما تراكمه التجارب  ، هو من يحكي عن نفسه، و يحفر مواقع تميزه ، و يؤسس لمنتوج إبداعي يستحق الاحتفاء به.

    في تجربتي جميلة العلوي المريبطو و كريمة العاقل ، يعلن المكان سلطته ، و تبصم  المدينة باسمها أعمالهما ، فعند الأولى نجد قصيدة ” المرأة التطاونية ” . و عند الثانية نجد قصيدة ” بنت السلطان”، لتنطلق بعد ذلك ، كل واحدة منهما ، في عوالمها الشعرية الخاصة. لكن دائما داخل البيت التطاوني الممتد بين السماء و الأرض.

    هكذا تتكئ الشاعرة كريمة  ـ هي الأخرى ـ على الحكاية الشعبية ، و تضفي عليها رداء حلمها الوردي،  حينما توظف ، خرافة ” حكوزة ” ، و تربطها بمتخيل عن حلم  بشريك الحياة المنتظر ، و مواصفاته . بينما تعانق قصيدة : ” تجربتك يا قلبي”  تلك العلاقة الجدلية و الأزلية بين الرجل و المرأة ، لكن بجرأة الأنثى التي امتلكت صك نصيبها من القدرة على البوح الصريح ، دون أن تضطر للتخفي وراء أستار الوجل ،أ و التحايل على  غضب سدنة  الطابوهات.

    و في قصيدتي : ” مولات الحايك ” و ” رمية المغزل ” ، يتبدى مرة أخرى البعد الأنثوي ،  من خلال دلالات المعاني في زجل كريمة العاقل. فبالإضافة إلى عنواني القصيدتين ، يتركب البناء الشعري  للقصيدتين  عبرصور بلاغية مكثفة الإيحاءات اللصيقة بالأنثى ، مقدودة من لغة انزياحية ، من ترويض الشاعرة الخاص.

لتمتد حقول اشتغال الشاعرة ، على مدى تحليق متخيلها الابداعي  ، و من رياحينها تقتطف للصداقة قصيدة ، و للعائلة قصيدة ، و للعشق قصائد..إنه حراك إبداع زجلي أنثوي دافق و رقيق و مرهف.

 و استنادا لما سبق ، نجمل خصائص الصحوة الابداعية بالذات الأنثوية  ، لدى الزجالات الثلاث  في النقط التالية :

1 ـ  التصالح مع الذات و الآخر ، مما جعل من مجموع قصائدهن ، إبداعا غير مأزوم ، بقدر ما هو إبداع واع و متبصر .

2 ـ جرأة التعبير عن انفعالات ذات الأنثى ، مع جرأة توظيف معجم العشق  بكل مرادفاته .

3 ـ البوح بالمشاعر إلى الحبيب المتخيل ، و حرية اختيار البؤر التعبيرية الأكثر استجابة للتجربة العشقية، موضوع القصيدة.

4 ـ تصوير عوالم  نسوية  ، خاصة بالأنثى ، و تقديمها للقارئ في قالب فني ، بتعبيرات أنثوية من صميم الذات الأنثوية

5 ـ الاعتماد على التجريب في قصيدة الزجل لغة و بناء ،

6 ـ استثمارمستواهن التعليمي العالي ، سواء في مجال اللغة أو المواضيع المتناولة ، و حتى في بناء صورهن التخييلية.

* * * * * * *

  إن التراث ليس هو كل العملية الإبداعية ، بقدر ما هو جزء منها ، لذا نجد الشاعرات الثلاث  قد تجاوزن ذلك ،  إلى قراءة خاصة بكل واحدة منهن ،  لواقعهن الذاتي ، مستثمرات إشارات التراث ، حين فككن رموزه ،  مدركات  للخلفية المرجعية المرتبطة بالناس و الأرض و الوجدان .

  فجرت فارسات الزجل التطاوني الثلاث ،  المستويات الابداعية للغة العامية لدى المغاربة ،  كل حسب تميزه الابداعي .  تغلغلت جميلة في جنان الطبيعة التطاونية ، و القاموس الاجتماعي للمدينة بكل تلويناته المناسباتية و الطقوسية. و غاصت نبيلة في الأبعاد المشتركة ما بين المحلي التطاوني و المرجع العام للدارجة المغربية من تراث و حكم و أمثال…بينما سافرت الشاعرة الرقيقة نحو همس لغوي ينصت للذات المبدعة ، و يترجم أحاسيسها بلغة تستفيد ، إلى حد كبير من المعجم الرومانسي .

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.