https://www.facebook.com/MoroccoTravelAgencySARL

حكومة بنكيران و القفـز على المـراحــل..

روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله “فإن المُنْبَتّ لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى”، ورد هذا القول ضمن حديث طويل حول التريث واليسر في شؤون الدين و الدنيا.. و المُنْبَتُّ: هو الذي يواصل السير مواصلة مستمرة، ثم يكون من آثار مواصلته أنه يريد قطع مسافة خمسة عشر يوما في خمسة أيام فقط، ما أراح نفسه ولا أراح راحلته، ثم يبرك به جمله ويهزل وينقطع به، فينقطع في صحراء حيث لا ماء ولا ظل، فلا هو الذي رفق ببعيره حتى يوصله ولو بعد عشرين يومًا، ولا هو الذي قطع الأرض كلها بسلام، بل برك به بعيره في برية؛ وذلك لأنه كلف نفسه، وكلف بعيره أكثر مما يحتمل ،فسار عليه حتى أهزله.

كان من المفترض على الحزب الحاكم في المغرب وعلى رئيس حكومتة ،أن يستفيد من دروس تسلم الإخوان في مصر وتونس وليبيا للحكم وعدم الوقوع في ما وقعوا فيه، أخذا بالعبرة و المثال فيما مضى وتحسبا لما قد يأتي..أقول يستفيد وألا يحاول حرق المراحل والاستفراد بالسلطة و القرار، وخاصة أن المفترض به،أنه هو ومن معه في الحزب أو الجماعة ،يعرفون أكثر من غيرهم مغزى الحديث النبوي” إن المُـنـبتَّ لا ظهرا أبقى ولا أرضا قطع” .

لقد نسي السيد رئيس الحكومة الموقرة ما كان قد وزعـه وبسخاء حاتمي من وعود ،وربما نسي أو أنساه بريق الكرسي ما كان قد رفعه من شعارات محاربة الفقر و الفساد ، وإعادة الحقوق المهضومة إلى أصحابها، وما كان قد وعد به من عدالة اجتماعية ورخاء اقتصادي ،وإعادة الاعتبار لكرامة المواطن العادي و الفقير و و و.. .

وعود وبرامج تبين أنها لم تكن سوى فقاعات إعلامية انتخابوية ،هي في جوهرها أوهام وأحلام اقتضاها سياق الحملة الانتخابية وما تستدعيه من تمثيل وإخراج وحبكة وتشويق . ربما قد نجد لإخفاقات السيد بنكيران أكثر من عذر،لعل أبرزها ما قد بحّ في الصريح به في كل ناد،من عفاريت وتماسيح لا يعلم حجمها ولا مواطن عيشها سوى العارفين بخبايا الأمور في هذه البلاد السعيدة !

ولكن مع الأسف، كان على رئيس الحكومة توقع كل ذلك وأكثر،لأن حجم الفساد أكثر من آليات الإصلاح التي تبناها السيد رئيس الحكومة ،وأقوى من الأدوات التي توسل بها لكبح جماح العفاريت ومن يدور في فلكها.. كان عليه التدرج في التعاطي مع الملفات الحساسة والتعامل بشيء من الدهاء والعقلانية مع حصون الفساد وقلاع اللصوصية ، وتفتيت بروجها واحدا تلوى الآخر، دون بهرجة ولا ضجيج إعلامي.

لقد أراد السيد رئيس الحكومة القيام بكل ما وعد به دفعة واحدة ،دون امتلاك الوسائل اللازمة لذلك،بل ودون قراءة و تفكيك شبكة العلاقات المعقدة التي نسجتها العناكب الكبيرة بمؤسسة الفساد، التي تعتبر أقوى مؤسسة في البلاد فعلا.. ففتح العديد من الملفات في ذات الوقت ،كما اخرط في العديد من المشاريع والأوراش الكبرى في ذات الوقت أيضا، مما شتت اهتمام الحكومة مثلما شتّـتّتِ الأوراش جُهدهـا . فنجده يعلن عن منازلة الفساد هنا ،ومحاربة الفقر هناك، وفتح مشاريع إصلاح كل القطاعات الحيوية للبلاد وعلى رأسها الصحة و التعليم العدل و النقل دفعة واحدة،والدفع في اتجاه إصدار قوانين جديدة منظمة للكثير من الممارسات المجتمعية و الاقتصادية كالإضراب والدعم والمقاصة و التقاعد والمعاشات و المقالع وكل ما يدخل في دائرة الرّيع ، وفي كثير من الأحيان دون الرجوع إلى مكونات الائتلاف الحكومي الأخرى، ما يعطي الانطباع لديهم بتفرده في الحكم و استئثاره بالقرار، الشيء الذي أثار حفيظة شركائه الحكوميين ،وفي مقدمتهم حزب الاستقلال..

وفي نهاية المطاف، وبعد هذا الجهد الجهيد،أتت النتائج كارثية تماما عكس ما كان مأمولا،فلا هو حارب الفساد أو على الأقل حدّ من انتشاره، ولا هو عزّز من قدرة الفقير الشرائية ،بل ساهم في إضعافها بزيادات غير مدروسة وغير مضمونة في المواد البترولية، ما انعكس على أسعار باقي المواد الاستهلاكية للمواطن المغربي ، ولا هو رفع من نسبة النمو ولا قلص من نسبة البطالة ولا وسع من حرية التعبير والإعلام والرأي،بل أضحى كل من سوّلت له نفسه التظاهر في الشارع عرضة لهراوات وسياط رجال الأمن ..وهاهي مكانة المغرب في سلم حقوق الإنسان والحريات تفقد النقط تلوى النقط ، وتتدحرج من سيء إلى أسوء.. وها هي الجريمة تزداد معدلاتها -عددا ونوعا – يوما بعد يوم.. وها نحن نترقب زيادات أسوء في قادم الأيام ،فقد بدأت الحكومة تلوح من بعيد بالزيادة في تعريفة الماء و الكهرباء، والزيادة في نسبة اقتطاعات المعاشات،ورفع الدعم عن الكثير من المواد الحيوية لدى المغاربة كالغاز و الدقيق و الزيوت والسكر و الشاي وغيرها ، هذا عدا عن الزيادات التي طالت الأدوية والمواد الغذائية والمواصلات وعلف المواشي والرسوم الضريبية والمكوس و معاملات التسجيل والتنبر وغيرها، والبقية تأتي..

فكان حال السيد رئيس الحكومة الموقرة كحال “المُنْبَتّ” الذي أراد قطع المسافة في أقل مدة ،فلا هو أدرك النهاية، ولا هو حافظ على راحلته،حارقا المراحل التي ينبغي احترامها ،والأولويات التي يجب ترتيبها حسب فاعليتها و راهنيتها.. فأحرق نتيجة لذلك كل أوراقه دفعة واحدة، فلا هو أوفى بوعوده أمام ناخِبيـه ، ولا هو حافظ على رصيده الشعبي الذي دفع به إلى دفة الحكـم..والأيام المقبلة تنبأ بمرحلة دقيقة ستعيشها الحكومة ،سواء على المستوى الموضوعي،وما يحمله العام الجديد من تحديات اقتصادية و اجتماعية، نتيجة التذمر الشعبي العام، أو سواء على المستوى الذاتي المرتبط بمكوناتها التي بدأت بوادر انفراط حبلها تطفو على الساحة ، ما سيعجل بنهايتها ؛ وحينها لا الخطابات ستشفع لها، ولا التودّدّ للقصر سيمدّدّ من عمرهـا. . ولنا في تجربة الإتحاد الاشتراكي مع الحكم العبرة و الدروس .

المهدي محمد – أرفود – المغرب

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.