https://www.facebook.com/MoroccoTravelAgencySARL

أحمد درداري: النسخ الأوروبية للإرهاب !

* أستاذ العلوم السياسية بجامعة عبد المالك السعدي

ورئيس المركز الدولي لرصد الازمات واستشراف السياسات

تغليب لتخوفات هنتنجتون أم لتطمينات جون رولز (صراع الحضارات أم تعايش الثقافات)

الكل يعلم أن الجريمة ظاهرة كونية، وأن المصالح الدولية تعتمد على مختلف التآمرات والوسائل لحمايتها، كما أن بعض التحولات التاريخية للمجتمعات تمت بالحروب ولغة الدم، وتاريخ اوربا الحديث عرف حروبا غير منطقية أودت بآلاف الأبرياء قضوا نحبهم على يد الارهابيين، بل وطلبوا من دول غير اوربية المشاركة في الحروب ضد بعضهم البعض، ولموضوع الارهاب مصادر متعددة ودلالات موصوفة وخبايا غير معلنة ومؤشرات يعرفها صانعي السياسات العالمية، ويقحم فيها من لا يعرف قواعد اللعبة الخفية ويصبغ بطابع الرفض لإقناع العوام بمخاطر الموضوع وتسويق التهديدات بشكل عنصري وكأن الامر يتعلق بمخطط غزو مجتمع لا يعرف ما يوجد خارج البحار…الخ.

إن موضوع الارهاب أصبح من المواضيع المستهلكة وأن مسلك الدول الناضجة ليس لها خلل في بنيتها الثقافية ومكوناتها المجتمعية وتتوفر على مقومات دقيقة وتعرف كيف ولماذا تصنع الجرائم الارهابية، وتتعايش داخلها الثقافات والأجناس على اختلاف ألسنتهم وألوانهم في ظل الاحتكام للقانون والتروي واعتماد مقاربات الاجتثاث بدل صب الزيت على النار وبجانبها الاشياء القابلة للاشتعال.

واوربا اليوم كقارة منافسة لثلاث قارات عليها أن تستعمل قوتها العقلية والعلمية بدلا من سوء استعمال قوتها العسكرية والسياسية أو الغوص في براثن العنصرية التي بنيت الجامعات من أجل مناهضتها حتى خارج حدودها، ذلك أنه من أشهر النصائح و الحكم الديبلوماسية هو تجنب غسل الدم بالدم، وفي نفس الوقت فلا يمكن للشخص الحر عبر العالم أن يؤيد قتل الانسان سواء كان فرنسيا او غيره ما دامت ظاهرة الارهاب إحدى أساليب العنف السياسي أو الديني، وهي ضاربة في التاريخ حسب ما سرده المؤرخون حول هذه الجريمة، ذلك ان لغة الدم صاحبت الانسان في كل الأزمنة ولكن الارهاب كعمل منظم يعود للقرن الأول قبل الميلاد حيث قام اليهود بمناهضة الحكم الروماني من خلال حركة دينية متطرفة أطلق عليها اسم سكاري ما بين سنة 66 و73 قبل الميلاد، وكان أعضاؤها من المتطرفين اليهود، فاعتمدوا أساليب غير تقليدية في مهاجمة الرومان، وتمكنوا من اغتيال مجموعة من القادة وهدموا القصور وأحرقوا المكاتب العامة وسرقوا الوثائق وهاجموا مصادر المياه في القدس.

وبالنسبة للشريعة الاسلامية فقد نهت عن اتيان جريمتي الارهاب كالبغي أي الثورة المسلحة والتمرد والخروج عن السلطة السياسية، ونهىت عن الحرابة أي الخروج لأخذ مال أو قتل الانسان باعتماد القوة أو الشوكة أو العنف وقد قال الرسول محمد (ص) والذي لم يتعصب ضد أحد ولا داعي لأن يتعصب احد من أجله ” من خرج على الطاعة وفارق الجماعة ومات، فميتته جاهلية ومن قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبة، أو يدعوا إلى عصبة أو ينصر عصبة فقتل، فقتلته جاهلية، ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها، ولا يتحاش من مؤمنها ولا يفي بعهد ذي عهدها فليس مني ولست منه”. ومن يرهب الناس باسم الاسلام فليس من أتباع الرسول الكريم والإسلام بريء منه.

وبالنسبة للتاريخ المعاصر تعود ظاهرة الإرهاب الى عهد الثورة الفرنسية لما أعلن أحد قادتها المسمى روبسبيير عقب سقوط الملك لويس السادس عشر حيث دعى الى ممارسة الارهاب المشروع من وجهة نظره وذلك خلال الفترة الممتدة من مارس 1793 الى يونيو 1794 وقاد حملة إعدام راح ضحيتها 336 مواطنا فرنسيا في باريس وحدها.

وما يلف الأعمال الارهابية هو التشدد باسم الدين أو السياسة أو الفكر، وأصبح الارهاب اليوم معضلة بشرية لا تحمل علما ولا وطننا ولا دينا حقيقيا، انها تحاكي كل الدول ولا أحد في منأى عن التهديد الارهابي والاعمال التخريبية، والضحية هو الانسان الواثق من الاستقرار والأمن ولا يعرف أنه مستهدف ولا الطريقة التي سيمزق بها بغتة لبعث رسالة احتجاج معينة، وصاحبها خفي، و يختلف الجميع في قراءة نتائجها.

والاحداث الارهابية الأخيرة التي ضربت فرنسا و راح ضحيتها أبرياء انضافوا الى اخوانهم من بني البشر في مختلف انحاء العالم، يؤشر على تأخر فرنسا في التعاون الأمني مع الدول كالمغرب الذي يعتبر من الدول التي تتعايش فيها الثقافات وذكي التعاطي الأمني ، وهذا يفرض على اوربا توسيع اتفاقيات التعاون مع البلدان العريقة في المجال الأمني ولاسيما الدول المصدرة للهجرة، كما لا يمكن الاستمرار في إبقاء بعض الملفات عالقة كملف سوريا وفلسطين وبورما …الخ، فلو أنفقت الملايير المخصصة للحروب لنشر ثقافة حقوق الانسان والتعايش بين الثقافات لكان العالم موطن لسعادة البشر ومنه كل الدول ، لكن الغدد السرطانية البشرية تتطلب يقضة كونية حقيقية كاشفة وملتزمة مؤطرة بمقاربة تعاونية دولية مادامت العولمة قد انطلقت دون ضمانات أمنية.

 

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.