https://www.facebook.com/MoroccoTravelAgencySARL

الإسلام القادم من الشمال.. !

كنال تطوان / المساء – سليمان الريسوني

تتوالى الأخبار عن تفكيك خلايا إرهابية في شمال المغرب، وأخرى عن التحاق شباب من مدن الشمال بسوريا والعراق، ولا أحد من الباحثين أو الأمنيين قدم جوابا أو سؤالا، حتى، من قبيل: لماذا ينحدر أغلب «الجهاديين» من الشمال؟

فحسب تقرير سري وجهته المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني «ديستي» إلى نظيرتها الإسبانية، نشرته جريدة «إلموندو» الإسبانية في دجنبر من السنة الفارطة، فإن 30 في المائة من مجموع المغاربة الذين سافروا للقتال في سوريا والعراق، هم من مدينتي طنجة وتطوان. كما أن التقرير الذي قدمه ياسين المنصوري، مدير «لادجيد»، في شتنبر الماضي، أمام الأمم المتحدة، أكد أن حوالي ثلث المغاربة الذين وصلوا  إلى سوريا والعراق، انطلاقا من التراب المغربي، كانوا من مدينتي طنجة وتطوان.

إلى جانب الإسلام السلفي الجهادي، يتمركز أغلب شيعة المغرب، بتوجهيهما: المعتدل «الخط الرسالي»، والأرثوذكسي «هيئة الإمام الشرازي»، في شمال المغرب، وفي غياب أرقام دقيقة وخريطة واضحة لتوزيع الشيعة داخل التراب المغربي، تبقى مدينة طنجة هي متصدرة المدن المغربية في وسائل الإعلام التي تنقل أخبار الشيعة المغاربة وأنشطتهم.

كما أنه، وإلى جانب الإسلام السلفي الجهادي والإسلام الشيعي، يشهد شمال المغرب، ومنذ سبعينيات القرن الماضي، وجودا مطردا لجماعة الدعوة والتبليغ، هندية المنشإ؛ ويكفي دليلا على ذلك أن مدينة القصر الكبير، التي تـُعرف وسط الإسلاميين بمدينة الدعوة والتبليغ، هي مركز إقامة المرشد العام للجماعة، الشيخ البشير اليونسي.

لماذا، يا ترى، يأتي الإسلام غير الرسمي، بكل أنواعه، من شمال المغرب؟ في غياب معطيات دقيقة ودراسات علمية، سيكون من المفيد أن نطرح مجموعة من الفرضيات، يمكن أن تشكل منطلقا وتـُكأة للباحثين في الإسلام السياسي وعلم الاجتماع السياسي والأنثروبولوجيا السياسية… للوصول  إلى أجوبة مفصّلة:

1 – بالنسبة إلى السلفية الجهادية، فقد كان لنشوب حرب الخليج في 1991، وانضمام السعودية إلى قوات التحالف، وإصدار مفتي المملكة، الشيخ عبد العزيز ابن باز، فتاوى إجازة «الاستعانة بالكافر على الغاشم»، أي النظام العراقي، الأثر الكبير في قطع السلفيين المغاربة مع المنبع السعودي، وتحول مركز التمويل والقرار من الرياض  إلى أوربا. هذا المنعطف عضّده الانقلاب على الديمقراطية في الجزائر، في 1992، وحمل «الجيش الإسلامي للإنقاذ» السلاح لمواجهة النظام الجزائري، ودعمه من طرف عدد من رموز السلفية الجهادية بالمغرب، وفي مقدمتهم الشيخ محمد الفيزازي (الأب)؛ 

2 – بالنسبة إلى الشيعة، فأمام عدم إيلاء الدولة أي اهتمام لمسألة التأطير الديني للمهاجرين المغاربة في أوربا، وجد هؤلاء أنفسهم، نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات، أمام خيارين: المراكز السعودية، والمد الشيعي الذي أعقب الثورة الإيرانية في 1979، فكان أن اختاروا التشيع سياسيا وليس عقديا. هذا الأمر سوف يتكرر بقوة أكبر، مع بداية الألفية الثالثة، حين ظهر حزب الله اللبناني كقوة سياسية مقاومة للاحتلال الإسرائيلي؛ ولاعتبارات تحتاج  إلى الكثير من البحث والتدقيق، كان أغلب المتشيعين المغاربة من مهاجري بلجيكا، الذين يتحدر أغلبهم من مدينة طنجة ونواحيها. وبعد التشيع السياسي، سوف يأتي التشيع العقدي، حيث سينهل المتشيعون المغاربة من كل المرجعيات التي يعج بها الإسلام الشيعي، ومنها خط المتطرف الكويتي، الشيخ ياسر الحبيب، الذي تتبناه «هيئة شيعة طنجة» والذي يعتبر أن سبَّ أبا بكر وعمر وعائشة يدخل في باب التعبد الذي يقرب الشيعي  إلى ربه؛

3 – أما بالنسبة إلى جماعة الدعوة والتبليغ، التي ترفع شعار «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وترك ما لا يعنيك (أي ترك السياسة)»، فقد تبين أن عددا مهما ممن انتموا إليها لم يعودوا مقتنعين بحيادها السياسي، واتجهوا نحو تيارات السلفية الجهادية. ووحدها تقارير أجهزة الاستخبارات، التي يمكن أن يفرج عنها في القادم من السنوات، يمكن أن تبين لنا كيف تم إبعاد هذه الجماعة الكبيرة إلى مدينة صغيرة كالقصر الكبير، وما إذا كان في الأمر نوع من تجريب هذا «الإسلام» الذي تم استقدامه من الشرق في سياق تطويق ومحاصرة المد اليساري العلماني أواسط السبعينيات، بعيدا عن المركز؛

4 – هناك معطيان آخران يجب أن يؤخذا بعين الاعتبار: الأول يتعلق بالاحتقان التاريخي بين سكان الشمال ونظام الحكم بالمغرب، والذي توطن عبر محطتين أساسيتين: القمع الشرس لانتفاضة 1958 – 1959، ووصف الحسن الثاني لسكان الشمال بالأوباش في الخطاب الذي أعقب انتفاضة 1984، الشيء الذي يجعل الشمالي معارضا بـ»الفطرة» للاختيارات الرسمية؛ أما المعطى الثاني فيتعلق بالتغيير الكبير في النخب الشمالية التي تحولت من نخب مثقفة إلى نخب أفرزها التهريب بصفة عامة، وتهريب المخدرات خاصة، مع ما أكده عددٌ من التقارير عن العلاقة بين «الجهاديين» وتجار المخدرات، وما أبانت عنه دراسات سابقة عن العلاقة بين الاختيارات الدينية المتطرفة واستهلاك المخدرات.

سليمان الريسوني

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.