كنال تطوان / ميديا 24 – ترجمة : رشيد أكرم
باتت مدينة طنجة في الآونة الأخيرة، محضن أعداد كبيرة من العائلات السورية اللاجئة من ضرواة القتال الدائر في بلدها، حيث تتخذ شققا ومحلات توجد في هوامش المدينة أو في ضواحيها، كمساكن لها.
مئات من المواطنين السوريين حلوا بمدينة البوغاز خلال الأشهر الماضية، بعد ان اجبرتهم ظروف الحرب الأهلية على الرحيل عن بلدهم، يرون قصصا مؤثرة عن تفاصيل هروبهم من بلد مشتعل، عائلات في حالة اجتماعية مزرية، هدفها واضح: العبور نحو الضفة الشمالية لمضيق جبل طارق.
ببهو في شقة صغيرة تكتريها أسرة سورية بضاحية طنجة، الإبن “مروان” عيناه شاخصتان صوب جهاز التلفزيون، والأب “شوكت” أنهى للتور مكالمة هاتفية. جهاز التلفاز موجه إلى قناة “الشرق”، وهي قناة سورية محسوبة على الجيش السوري الحر. عبر الهاتف يحاول الأب “شوكت” الاتصال بأفراد من عائلته عالقين بالقرب من الحدود السورية” إنهم يحاولون مغادرة البلد أيضا، ويتوقعون حدوث قصف من طرف قوات النظام في أية لحظة”، يقول شوكت وهو يضع هاتفه المحمول بجانبه.
منذ بداية الحرب الأهلية السورية، غادر مليوني مواطن سوري بلدهم نحو الخارج بينما نزح قرابة 5 ملايين آخرين بالداخل. وتقدر المنظمات الدولية للاجئين تزايد أعداد اللاجئين السوريين عبر العالم بما مجموعه 5 إلى 6 ملايين لاجئ ، وهي أعداد لم يسبق تسجيلها منذ ستينات القرن الماضي في أي من النزاعات المسلحة عبر العالم.
“شوكت” وزوجته “دعاء” وابنهما “مروان”، إلى جانب ابن الأخ نظير، هم عينة من مئات اللاجئين الذين علقوا بمدينة طنجة، منذ أوائل الصيف الأخير.
تنحدر هذه الأسرة من مدينة حمص بالشمال الغربي لسوريا، غادروا منزلهم في البداية نحو لبنان أواخر شهر مارس الماضي. يتحدث “شوكت” عن انتشار مروع للقتل والتدمير، أسابيع قبل مغادرته الأراضي السورية، تم خلالها تدمير مقاولته الصغيرة المتخصصة في تقويم الأسنان بسبب القصف والمعارك الضارية.
ويروي “شكوت” ان أسرته لم تكن تشعر بالامان خلال تواجدها في لبنان، “ليست هناك حرب بلبنان، لكن أجواء الاحتقان كانت سائدة بقوة.. فلبنان يعيش مشاكل سياسية وانقسامات طائفية وعقائدية، وهو البلد الذي كان محتلا من طرف القوات السورية إلى غاية سنة 2005 عشية اغتيال رفيق الحريري”.
منذ بداية الصراع السوري في 15 مارس 2011، اكثر من 700.000 سوري لجأوا إلى لبنان، وقرابة النصف مليون لجأوا إلى الأردن فيما نزح حوالي 400.000 نحو تركيا و زهاء الـ 100.000 توجهوا نحو العراق، وأخيرا بمصر، يقدر عدد اللاجئين السوريين ببلاد الأهرامات بحوالي 300.000 منذ بداية الحرب الأهلية السورية. بضواحي القاهرة يوجد حي يسمى بدمشق الصغيرة.
أسابيع قاسية قضاها “شوكت” وأسرته في بيروت، قرر بعدها التوجه نحو القاهرة، الوجهة إذن هي العاصمة المصرية، لكن سرعان ما ستتحول هذه الاخيرة بمثابة كماشات فخ سينغلق عليهم رفقة أعداد من أفراد الجالية السورية، بعدما تم عزل الرئيس الإخواني محمد مرسي من رئاسة الجمهورية… “بالقاهرة وبين عشية وضحاها، بدأ مناهضوا الرئيس المعزول يبدون عداء اتجاه السوريين، معتبرين إياهم مقربين من الجماعات الإسلامية المناهضة للنظام الجديد في مصر”، يحكي شوكت عن فترة وجوده في القاهرة ثم يضيف: “كثير من السوريين تعرضوا لاعتداءات، أصبحنا فجأة أكباش فداء للأزمة السياسية في مصر، بعضهم طالبنا بالعودة إلى بلادنا، لقد كانت صدمة قوية لنا”.
بالقاهرة التقى شوكت باحد أبنائه الذي نجح في وقت سابق في الفرار رفقة زوجته وابنيه الصغيرين، كما التقى أيضا ببعض أقاربه الذين طردتهم الحرب من بلادهم إلى بلاد الفراعنة.. بوادر صيف متأزم تلوح في الأجواء السياسية هناك في مصر، تدهور الأحوال الاقتصادية في هذا البلد واستفحال البطالة، دفع جميع أفراد هذه العائلة السورية إلى التفكير في النزوح من جديد، لكن هذه المرة كانت الوجهة المقصودة هي الجزائر أو المغرب.
بعد وصول أفراد العائلة إلى الجزائر العاصمة، عبر رحلة مباشرة، نزل شوكت وأسرته بفندق صغير في العاصمة، أخذوا يترددون بالتناوب على أبواب المساجد طلبا للمساعدة. لكن الجزائر كانت بالنسبة لهؤلاء السوريين عبارة عن مقام مؤقت، عقدوا العزم خلالها على التوجه إلى المغرب، وتحديدا إلى طنجة بوابة أوروبا وإفريقيا.
وصل شوكت وعائلته إلى طنجة بعد عبورهم الحدود البرية الفاصلة بين المغرب والجزائر مشيا على الأقدام.. كانوا يعتقدون أن السلطات المغربية تغض الطرف عن اللاجئن السوريين، خاصة عندما يكونون مرفقين بأطفال في سن مبكرة.
على شاكلة شوكت وأسرته، مئات من السوريين يقطنون بمدينة طنجة، يمكن أن تصادفهم أمام المقاهي خصوصا عند الخروج من المساجد بعد انتهاء الصلاة، حاملين في أيديهم نسخا لجوازات السفر الزرقاء، بعضهم يحاول الإندماج في المجتمع من خلال مزاولة بعض أشكال التجارة المشهورة بها بعض العائلات السورية الكبيرة التي استقرت بطنجة خلال سيتينات القرن الماضي.
يحاول اللاجئون السوريون الجدد، بدء حياة جديدة هنا في طنجة، من خلال طمر ذكريات تجربة المريرة في كل من لبنان ومصر، “التسول بأبواب المساجد تحط من معنوياتنا وتجعلنا نشر بالإزدراء”، تعبر دعاء عن عدم رضاها بالوقوف على عتبات المساجد طلبا للصدقات، ثم تستطرد ” بالامس كنت أوصف بسورية من الطبقة المتوسطة بحمص.. اليوم صرت متسولة سورية بطنجة”.
كيف ينظرون إلى مستقبلهم؟ وما هي برامجهم؟، الجواب على هذا السؤال اختلف باختلاف الأجيال، فشوكت يعرب عن امنيته بانتهاء الحرب سريعا والعودة إلى بلده سوريا، لكن ابنه مروان وابن أخيه نظير يؤكدان أن العودة إلى سوريا لم تعد تشغل بالهما، فهما يؤكدان ان هدفهما هو الهجرة إلى أوروبا، بشتى الطرق بما فيها العبور السري من طنجة أو باب سبتة، على غرار صنيع المهاجرين المنحدرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء. عن هذا المعطى يصرح نظير الذي فقد زوجته وابنه خلال معارك حمص ” أفكر بشكل جدي في الالتحاق بأوروبا ولو كلاجئ، فكرامتي مصانة هناك، خصوصا أن لي أقارب بكل من إسبانيا وفرنسا”.