https://www.facebook.com/MoroccoTravelAgencySARL

فيديو.. علبة أسرار مقبرة « الشهداء »

كنال تطوان / فبراير – متابعة 

« فغادرت في صمت واستسلام لقضاء الله وقدره، والحمد لله، لله ما أعطى ولله ما أخذ، ونبتهل الى العلي القدير أن يكرمها بالثواب وأن يتغمدها بواسع رحمته وينزلها منازل الأبرار على ما قدمته من أعمال مبرورة، صادقا فيها قول النبي الأمين في حق أولئك الذين تقضى على أيديهم حوائج الناس، ليجعلها من الذين يمرون على الصراط كالبرق الساطع، وانا لله وانا اليه راجعون 20 دجنبر  2012.. محمد السادس ملك المغرب.. الله يبارك في عمر سيدي

وهي تنتحب باكية « ماما أسية » التي جمعتها بها الكثير من الذكريات وقصص السجون ومآسي الفقراء، بدت زليخة نصري وكأنها تتلو رثاء الملك محمد السادس فيها وحسرته على رحيل مستشارته الوحيدة!

زليخة.. « المرأة الحديدية » !

رجل دولة، عفوا إمرأة دولة.. لأنه مصطلح دخيل على القاموس السياسي، فقد تعثرت الكلمة في فم أكثر من شخصية التقتها « فبراير.كوم » وهي تودع أول امرأة تترك بصماتها في الديوان الملكي.. لذلك قالوا رجل دولة عوض امراة دولة، وتكرر الخطأ غير مقصود.. على يسارها قبور رجال وعلى يمينها قبور رجال وخلفها قبور رجال وأمامها قبور رجال، وأي رجال؟ رجال تكلموا في أذن السلطان أو صاهروه أو تقربوا منه.. على يسارها شاهد قبر طبيب الملك، الدكتور مثقال، الذي حزن محمد السادس طويلا لرحيله، ثم قبر الجنرال عبد العزيز بناني، الذي جمع بين منصبين حساسين، المفتش العام للقوات المسلحة الملكية وقائد المنطقة الجنوبية، وقبر حسن اليعقوبي صهر الملك، زوج عمته للا امينة، الذي رمى شرطيا بالرصاص.. وعلى بعد خطوتين فقط
خلفها قبر عبد الكريم الخطيب، الجزائري الذي لعب أدوارا كثيرة ومعقدة في دار المخزن، وقبر الراحل عبد الله بها، علبة أسرار الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة، الذي مات في حادث تراجيدي والقطار يقسم جسده إلي شطرين، يحيط بها من كل جانب قبور أشهر الضباط وأبرز وزراء الداخلية البصري، وغير بعيد عنها يرقد المعارض السياسي بنجلون، ومشرح المخزن الاقتصادي وكاشف عيوبه ادريس بنعلي، وقلما ظهر قبر امراة، لكن يكفي أن ترفع رأسك وتمسح القبور واحدا تلو الآخر لتكتشف قبر إمرأة له رمزيته.. إنه قبر جدة الملك، السيدة فاطمة التي فارقت الحياة في مدينة خنيفرة.

مقبرة استثنائية

مهلا نحن امام مقبرة غير عادية ! انتم في « مقبرة الشهداء ».
للأمانة أذكر أن هذا الروبرتاج ساهم فيه أكثر من عضو في فريق « فبراير.كوم ».
منهم من غادر هذا المركب لركوب تجارب أخرى، ومنهم من لازال يساهم عن قناعة في هذه التجربة المتواضعة.. كنت أغطي مع زملائي في الموقع جنازات أشخاص بصموا تاريخ المغرب..
نتوزع عادة بين مقدمة الجنازة وفي الوسط والمؤخرة..
نحاول الذوبان في زحمة الجنازة ونحن نغطي اللحظات الأخيرة لأشخاص كان لهم وزنهم في خارطة صناعة القرار، لالتقاط صور أبرز المعزين، ولأخذ التصريحات..
وحدث في أكثر من مرة والجنازة تنبض حزنا وتدافعا، أن وجدت في وجهي الزميل محمد كريمي أو ليلى لكريم، أسألهما.. ليلى.. ألم تكوني في الوسط.. كريمي ألم تكن في المقدمة؟ فيرد كريمي.. نعم، لكن التدافع ووصول رئيس الحكومة جعلنا نتعثر في الخلف، وتجيب ليلى.. جرفني موج الجنازة والتزاحم إلى ها هنا..
يوما بعد آخر، لاحظت وأنا أغطي جنازة الراحل بنعلي وجنازة الراحل بها، وجنازة زوجة الشيخ ياسين، وجنازة الجنرال بناني، أن ثمة قبورا تحتاج إلى وقفة..
هناك أكثر من شاهد قبر يحمل اسما وراءه أزيد من قصة، تستحق أن تروى.
ومن كواليس هذا الروبرتاج أن، كلفت زميلين لإنجازه، فانتقل الزميل المحجوب داسع منذ سنتين رفقة الزميل كريمي للقيام بالمهمة، فإذا بالشريط الذي صوراه يضيع، وبدا وكأن لعنة ما تطارد العدسة التي تقتفي أثر موتى فوق العادة.. وأخيرا قررت أن أنتقل للتركيز على زاوية المعالجة من جديد..
انتقلت يومها والزميل الشيخ اليوسي، مسحنا المقبرة مسحا، قال لي في البداية زميلي الشيخ، ما الذي تريدينه في المقبرة؟ عما تبحثين بالضبط؟ قلت له سترى بنفسك!

قبر الصدر الأعظم في عهد السلطان محمد بن الرابع

وفجأة، وجدنا أنفسنا أمام قبر حمل العبارة التالة: بركاش، وزير الخارجية في عهد السلطان محمد بن الرابع ومولاي الحسن، كنا أمام قبور تحمل نفس الاسم العائلي، وقد احيطت بسور قصير يجعل قبور أسرة الصدر الأعظم معزولة عن مقبرة الشهداء ككل، وكأننا أمام مقبرة في قلب المقبرة، وانتقلنا من اكتشاف إلى آخر !
وكأن المقبرة قسمت إلى شطرين: مباشرة بعد ولوج مقبرة الشهداء، تجد على يسارك نصبا تذكاريا يترحم على ضحايا المحاولة الانقلابية التي تعرض لها الملك الراحل الحسن الثاني يوم عاشر يوليوز 1971 في قصره بالصخيرات، وقبل الوصول إلى السور الثاني، تجد على يسارك، أسماء بعينها، ستنتقل عينك من اسم لآخر، من رجل الشاوية القوي على عهد الحسن الثاني، الذي مات في باريس منفيا، وهو يوزع غضبه على محيط الملك في حوارات سمعية بصرية أو مكتوبة، وصولا إلى وزير الدولة بها الذي توفي في ظروف تراجيدية، بعد أن شطر القطار جسده إلى نصفين، بمحطة القطار غير بعيد عن واد الشراط، على بعد خطوات من المكان الذي لقي فيه حتفه غرقا البرلماني والقيادي في حزب الاتحاد الاشتراكي، أحمد الزايدي.

في هذه الزواية بالضبط، تتراص قبور أسماء تقلدت المسؤولية تلو الأخرى، وزير الداخلية الأسبق مصطفى الساهل، أفراد من عائلة الخطيب وحصار، وكيف لا وثمة علاقة عائلية تجمع بين العائلتين..
هنا أيضا ترقد جدة الملك محمد السادس، وهنا أيضا دفن الإعلامي والديبلوماسي والوزير السابق العربي لمساري..

إن حديث مقبرة الشهداء في الرباط ذو شجون… .. تتذكرون أننا مسحنا السورين، كما تشاهدون في الفيديو، الراقدون ما وراء السور، موتى « عاديون » إن صح هذا التعبير أو لنقل لم يتقلدوا مناصب سياسية ولم يتكلموا في أذن الجالس على العرش، وقبل السور وزراء ومسؤولون وأدباء وشعراء وشخصيات مجرد ذكر اسمها يربك، ومن بينهم جدة الملك.

لكن انتبهوا لبعض التفاصيل.. خلف السور شاهد قبر لشخص عاش معارضا ومات معارضا، وقد أسال اسمه العديد من المداد، يرقد الى جانب مغاربة لا يخلف ذكر اسمهم لدى الرأي العام أي توقف.

شوكة قبر زوجة الشيخ في حلق المخزن !

عاش عبد السلام ياسين معارضا سياسيا، وخفت بريق جماعته، بعد تنبؤه بـ »قومة » لم يظهر لها أثر سنة 2006.
هو صاحب الرسالة الشهيرة « الإسلام أو الطوفان » والرسالة التي وضع على إثرها في مستشفى الأمراض العقلية، قبل أن يوضع تحت الإقامة الجبرية.
سنوات بعد دفنه بمقبرة الشهداء، ستعيش المقبرة نفسها زوبعة باسمه، واخوانه في الجماعة يحاولون دفن زوجته بالقرب من قبره..

يومها صرخت ندية ياسين وبكت وانهارت وقالت تصريحا غير مسبوق صدم الكثيرين، واعتقد البعض منهم، أنهم يسمعون لأول مرة عن صفقة ضمنية، وقعت بين جماعة العدل  والاحسان المحظورة وبين المخزن قبل وفاة شيخها.. ولعل كل الذين حضروا جنازة استثنائية يتذكرون ما قالته بالحرف : « هل هذا هو جزاء رجل انحنى للعاصفة و »برد ليهم الطرح »..

وأخيرا دفنت أرملة الشيخ ياسين بالقرب منه، بعد ما وصفته الأعضاء القياديون بجماعة العدل والإحسان بـ »عسكرة » مقبرة الشهداء، لأن ثمة عقلا حكيما في هذه المملكة، يصلح ما أفسده عقل أمني لم نعرف بعد هويته وملامحه، لكن بسببه كادت جثة إمرأة أن تتعفن، بعد أن حصل أقارب عائلة عبد السلام ياسين على إذن بدفنها قرب قبر زوجها، كما تقول بذلك وصيتها، وفعلا حفر القبر، قبل أن يتراجع هذا العقل الأمني، ويقرأ في دفن جثة المرأة إلى جانب الرجل، خطوة نحو إنشاء مزار غير مرغوب فيه!

للأماكن دلالاتها وللأحرف رمزيتها، لذلك يحمل ما كتب على شاهد قبر وزير الداخلية الذي جرده محمد السادس من مسؤولياته يوم عيد ميلاده أكثر من رسالة ! لم أحضر جنازة ادريس البصري، لكنني تابعتها عبر زملائي في « الأيام ».. قال لي زملائي وأنا أتابع معهم على الهاتف، إن الجنازة باهتة.. وضع قبره في زاوية، وعلى شاهد قبره إشارة إلى مدينة باريس التي مات فيها، تقدم فكرة عن رجل قضى آخر أيام حياته في معركة تجديد جواز سفره وطمعا في سلطة خسرها! ولهذا تتابعون في الشريط كيف يهاجم من اعتبر أنهم أرادوا قتله بعد وفاة الملك الراحل الحسن الثاني، بدعوى أنه كان خادما وفيا للعرش، وكيف يشتكي « الحكرة » التي تجرع مرارتها آلاف المغاربة وهو في السلطة!

للمقبرة رهبتها وهيبتها.. تذكرك بالموت.. بأنه مهما صعد نجمك في سلم الحكم أو المعارضة، ستوراى الثرى.. حتى أجود أنواع الرخام، لا تصمد أمام قهر النهايات..

المعارض الذي دفن قرب قبر جدة الملك

تذكرنا المقابر بالدود الذي ينخر الجثث.. يكفي أن تتوقف أمام شاهد قبر الراحل أحمد بنجلون كي يحدثك عن قصته مع الدود الذي صارعه وهو على قيد الحياة في عز سنوات الرصاص الرهيبة.. يحكي كيف تعرض للتعذيب إلى أن تمزقت قدمه وعبث الدود بها، أمام قبره يمكن أن تسمع سوط الجلاد وبطش المرحلة، وغير بعيد عنه يستوقفك صاحب المصعد الاجتماعي والمفكك لبنيات المخزن الاقتصادي واقتصاد الريع، الراحل ادريس بنعلي، الذي انتظر تلامذته والمقتنعون بتحليله وحسه النقدي رسالة ملكية ترد الاعتبار لرجل الاقتصاد والمحلل الصادق، وطال الانتظار دون أن تدبج أو توقع الرسالة !

حينما وصل جثمان الجنرال بناني إلى المقبرة منع على الصحافيين بطريقة فجة التصوير، كان للجيش كلمته.. قال لي أحدهم : » سمحي ليا دفعتك غادي تكرهي الجيش، ولكن راه ولي العهد والمتوفى جنرال وللجيش ضوابطه..لا يمكن لعاقل ان يكره الجيش، ان له وظيفته والصحافي لا يتعامل مع المؤسسات بالمشاعر، إنما أكره الاعتداءات، خاصة أننا في مكان يفترض أن يذكرنا بحكمة القرارات .. !

لمقبرة الشهداء أكثر من قصة، أبرزها مع القيادي في حزب الاتحاد الاشتراكي خالد عليوة، وقد غطاها زميلي عماد بنيشي، حينما غادر المدير السابق للقرض العقاري والسياحي أسوار السجن محاطا بعناصر الشرطة، وقد مشى مشية الأبطال، وهو المتهم في واحدة من ملفات المال الملتهبة ليودع والدته في مقبرة الشهداء الوداع الأخير.. بعدها بشهور سيغادر الاتحادي الذي أدين بتهم ملتبسة السجن، وسيطوي صفحة من صفحات الماضي..

جنازة بوعبيد الخارقة للعادة بصوت الزايدي

أن تقف عند قبر الصدر الاعظم بركاش والشيخ ياسين والجنرال والاسلامي والمخزني والمعارض وسليلة الجالس على العرش.. تكون قد وضعت يدك على جزء من كبد مقبرة استثنائية، لكن إذا فاتك الوقوف عند قبر رجل كانت تحتاج جنازته إلى هيلكوبتر لقياس حجم المعزين والأتباع والمتعاطفين والرفيقات والرفاق الذين مشوا في جنازته، فتيقن أنك أسقطت يوما مهما في تاريخ مقبرة الشهداء..

حدث ذلك يوم ثامن يناير 1991، حينما فارق عبد الرحيم بوعبيد الحياة ! فجأة تحولت المقبرة إلى أكبر تجمع سياسي .. أغلقوا الأبواب فتهدم جزء من الحائط بسبب التدافع.. يحكي لـ »فبراير.كوم » حارس رفض الإدلاء بتصريحه بوجه مكشوف.. لما سألناها ما الذي يربكك كي لا تتحدث عن الماضي.. قال لي : » منقدرش نتكلم في السياسة.. أنا حفار قبور خبر أسرار هذه المقبرة منذ 35 سنة.. اش دخلني فهادشي ؟.. وأعرف الكثير من الحكايا .. من فرط من سمعتها تعلمت أن للسياسية ثمن باهض »!
ومن مكر الصدف، أن تتابعوا في الشريط الذي تقدمه لكم أعلاه « فبراير.كوم »جنازة الراحل بوعبيد بصوت الصحافي الزايدي، الذي فارق الحياة في حادثة سير مأساوية وهو يغرق أسفل القنطرة اللعينة في ظرف سياسي أكثر من حرج!

خلف السور أو قبله، ثمة أكثر من قصة.. لكن أبرزها حكمة الموت، صوتها يعلو كل الأصوات!  هناك من القامات من مات وفي نفسه آخر طلب، أن يدفن في مقبرة منسية بمدينة منسية ولد فيها، لا أذكر جميعهم، لكنني أتذكر أن الراحل ادريس بنزكري، واحد من الذين تركوا وصية ليرقدوا في التربة حيث مسقط رأسهم، وهذا شأن الراحل مزيان بلفقيه، الذي رأيت في عينيه وأنا ألتقيه أربع مرات أحدها كنت وإياه رأسا لرأس في نقاش دام ثلاث ساعات، قال لي بالحرف.. « علينا أن نفعل شيئا من أجل هذا الوطن..، وقد لمعت عيناه دمعا.. تعلمت بعد 17 سنة في مهنة المتاعب، أن أتبين الصدق من الخداع.. ولعلي قرأت صدقا وأتمنى أن لا أكون خدعت في رجل أصر على أن يدفن في قريته إلى جانب البسطاء، بعيدا عن  الوزراء والمسؤولين والشهداء.. »

الشهيد مصطلح كبير.. ثمة شهيد الكلمة، شهيد المواقف، شهيد يذكره التاريخ، سواء دفن في مقبرة تحمل اسم الشهداء أو لا تحمله …  قد لا يهم الراحل ادريس بنعلي، الذي عرف بمواقفه النقذية، أن يدفن بالقرب من الجنرال ووزير الداخلية وأكبر رجالات الدولة وبالقرب من جدة الملك، لكن للأسماء دلالاتها بين قبر وآخر.. إنها أكثر من مقبرة.. هي درس في الحياة.

رأي واحد حول “فيديو.. علبة أسرار مقبرة « الشهداء »”

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.