كنال تطوان / بقلم : الزهراء حمودان
بين زمنين
في التفاتة وفاء ، اختصرت عدة أزمنة ، قامت مجموعة من الفنانين التشكيليين بمدينة تطوان ، يوم السبت 17 اكتوبر 2015 ، بتكريم احد رواد الفن التشكيلي ببلادنا ، الفنان بوعبيد بوزيد. المبادرة التي جاءت من الفنان التشكيلي عادل ربيع، تلقت تجاوبا سريعا من رفقاء درب المحتفى به ، و أساتذته ، و كذا تلاميذه.
هكذا احتضنت ” دار ربيع” ، الذي أبى صاحبها ، إلا أن يقتسم فضاءها ـ بعد أن كانت مرسمه الخاص ـ مع مجتمع الفن و الثقافة . حيث صرح الرسام عادل ربيع ، في كلمته الترحيبية في تلك الصبحية الخريفية زمنا ، اليانعة الطقس ربيعا ، ” أن هذا الفضاء يحتضن اليوم ثالث تظاهرة ثقافية”، فكانت الحفاوة ، و كان الترحاب ، و كان التلاحم بين تلقائية ضيوف المنصة ، و الحضور و شخص المحتفى به.
الفضاء في حد ذاته لوحة فنية يمتزج فيها الحديث بالأصيل…تكسو جدرانه لوحات مختلفة الأحجام ، من إبداع مجموعة من رسامي مدينة تطوان ،تتوسطها ـ بحجم أكبرـ لوحتان للفنان المحتفى به. بينما المنصة تحف بها شخصيات لها ثقلها الثقافي و الفني ببلادنا، و هم السادة :
ـ الدكتور امحمد بنعبود
ـ الدكتور المهدي الزواق مديرالمعهد الوطني الفنون الجميلة بتطوان
ـ قيدوم الفنانين التشكيليين لمدرسة تطوان التشكيلية تطوان ، الفنان سعد بن سفاج
ـ الفنان التشكيلي عبد الكريم الوزاني
ـ الفنان التشكيلي حسن الشاعر
قام بتنسيق فقرات الحفل، الدكتور المهدي الزواق ، مفتتحا اللقاء بكلمة شكر في حق صاحب فكرة المبادرة و فضاؤها ، الفنان عادل ربيع، ليليها بعد ذلك بسرد بيبليوغرافي لشخصية المحتفى به. و قبل أن يعطي الكلمة للفنان سعد بن سفاج ، الذي قدمه أنه بمثابة الأخ الأكبر للمحتفى به ، أشار الى أن هذه الصبحية ستكون بدون رسميات.
استهل الفنان سعد بن سفاج شهادته في حق المحتفى به ، بتوجيه كلمة الشكر لصاحب فضاء ” دار ربيع” و تثمين مبادرته في مجال خدمة الفن و الفنانين ، معرجا بعد ذلك على علاقته الخاصة بالفنان بوعبيد قائلا : ” بوعبيد كان تلميذي ، و اليوم أصبحت أنا تلميذه . يتكلم عني بمعلومات أنا شخصيا لا أعرفها عن نفسي. كان يستدرجني لمرسمي ، كي يناقشني في أعمالي ، وهو ما زال تلميذا. و استمر هذا الاهتمام و التواصل ـ كذلك ـ بيننا نحن الاثنين و الراحل المكي مغارة.ثم يضيف الفنان سعد بن سفاج ” على التطاونيين أن يدركوا أنهم ربحوا عن طريق بوعبيد ” مركز تطوان للفن الحديث” ، و أن الفن بمدينة تطوان مبني ثقافيا . و الفنان بوعبيد ، فنان مثقف . ثم يلتفت إليه مداعبا : ” يبدو أنك من الوندال، لأنك متمكن من أغرب ما مر في تاريخ بلادنا “ـ ثم يسترسل متوجها هذه المرة نحو الحضور ـ كما أنه باحث ، يشتغل بقلبه . إنجازاته هي عبارة عن ” art du coeur”. ليختم كلمته بتوصية للمجلس البلدي لمدينة تطوان ، باقتناء لوحات بوعبيد ” فهي فخر للمرافق الإدارية بالمدينة ، وواجهة ثقافية لها”.
بعده استعاد الدكتور الزواق المايكروفون ، مؤكدا ما جاء في كلمة الفنان سعد ، مقدما الشخصية الثانية التي ستدلي بشهادتها في حق الشخصية المكرمة ،الفنان عبد الكريم الوزاني ، رفيق دربه ، و شريكه في تطوير مؤسسة الفنون الجميلة ، كجامعة فنية ذات إشعاع و حضور.
و كما أشار الدكتور الزواق ، في كلمته الافتتاحية ، فإن حفل تكريم الفنان بوعبيد ، كان خارجا عن الرسميات . يعكس روح الفن المتحررة، التي تجلت ـ هذه المرة ـ في حيرة الأستاذ الفنان الوزاني ، وهو يبتسم فيما يشبه الخجل قائلا :” ماذا عساه ان يعزف الغياط في عرس ابنته”…. قبل أن يسترسل في عرض مراحل من تجربتهما المشتركة.”علاقتي ببوعبيد جذورها ممتدة منذ أيام الدراسة…ظلت مترابطة … يملؤها المرح رغم اختلافنا. أنا أهتم بما هو آت…وهو عاشق للتاريخ. و هذه كلمة سبق و أن قالها هو في حقي في إحدى المناسبات. وهو كذلك مغرم بمدينة تطوان لحد الوله . يقدمها لزائريها بأسلوب فني، و بمعطيات ثقافية حول فن المعمار و التاريخ. بوعبيد أستاذ صديق الطلبة. سعيد هو من يحظى بفرصة تسجيل بحثه معه. كما أن طريقنا لم يبدأ معبدا. فبعد عودتنا من رحلتنا الدراسية، و كلنا حماس، تعذر علينا عرض أعمالنا في القاعات المعروفة آنذاك. لكننا بكل تحدي، قمنا بعرض لوحاتنا بساحة الفدان. كانت تجربة فريدة من نوعها بمدينة تطوان . أطلقنا عليها اسم ” معرض الربيع”. و بالرغم من سقوط المطر عند كل افتتاح ، فقد كانت حصيلة التجربة خمس معارض ، نتج عنها ما عرف بعد ذلك بالفن المعاصر.
بعد فاصل موسيقي قدم خلاله الفنان الشاب فهد بنكيران ، مقطوعة أندلسية بعزف منفرد على العود. عادت الكلمة لمنسق فقرات الحفل الدكتور الزواق ، الذي أضاف للحضور معلومات جديدة عن المحتفى به . و كيف أن الفنان التشكيلي بوعبيد ، قبل أن تسند إليه مسؤوليه إدارة ” مركز تطوان للفن الحديث” ، كان قد أضاف إلى رصيده العلمي ، دراسة “علم التحافة “، كتخصص في تسيير المتاحف ، و ترميم اللوحات. كما زار ـ في هذا الإطار ـ العديد من متاحف اسبانيا. مشيرا كذلك إلى كون الفنان الأكاديمي المكرم ، استاذ زائر بجامعات اسبانية في مجال التراث الاندلسي. بعد هذه الإضافة ، حول مسيرة الفنان بوعبيد ، أعطيت الكلمة للدكتورامحمد بنعبود ، الذي قددمه المنسق ، على أنه يقتسم مع صاحب التكريم حب مدينة تطوان ، و أنه من أجلها تخلى عن تدريسه بجامعة محمد الخامس بالرباط . كما أنهما رفقة عمل جمعوي تحت مظلة جمعية ” تطاون اسمير”
في البداية صرح الدكتور بنعبود للحضور ، أنه لما أخبروه بدعوته لتقديم شهادته ، في حق الفنان بوعبيد ، لجأ إلى حاسوبه لتدوين ما راكمته رفقتهما ، و تجربتهما الإنسانية و العملية المشتركة ، تحت عنوان ” بوعبيد الإنسان و الصديق و الفنان” ، فكان أن أخذ الموضوع سبع صفحات ، وهو الأمر الذي صعب معه تقديمه في هذا اللقاء ، معلنا أنه يوجد على موقعه الالكتروني لمن يريد أن يطلع عليه. موضحا أنه مكتوب باللغة الانجليزية ، بحكم أن دراسته بكل مراحلها ، كانت بهذه اللغة. ثم بعد ذلك قدم الدكتور بنعبود ملخص تجربته مع الفنان بوعبيد . تكلم عن عملهما من أجل إخراج مشروع ” مركز تطوان الفن الحديث” إلى الوجود. ” حققنا أنا و بوعبيد عدة مشاريع، في إطار عملنا بجمعية ” تطاون اسمير ” . و بصفته رئيس اللجنة الفنية، كان له أكبر دور في إنجاز ” مركز تطوان الفن الحديث”. هذا بالإضافة ـ يقول الدكتور بنعبود ـ إلى مشاركته في تدريس التراث الفني ، في المغرب و اسبانيا ، و في أغلب الأحيان ، دون أن يتقاضى أتعابه. كما ساهم في تهييء دليل فناني مدينة تطوان في جزأين. ثم يضيف : ” بوعبيد إنسان هادئ يشتغل بعقلية الفريق . يتعامل مع الفنانين و المؤرخين مثل الدكتور محمد الشريف المختص في تاريخ المغرب و الأندلس ، و الدكتور شكيب الشعيري ( مشيرا الى المعنيين بالأمر الجالسين بين الحضور).
كان منسق فقرات الصبحية ، كلما عادت الكلمة إليه ، يضيف معلومة جديدة حول شخصية المحتفى به . حيث الحم كلامه بآخر كلمة من مداخلة الدكتور بنعبود ، ملتقطا السياق ، ليضيف قائلا: “إن منهج العمل لدى الفنان بوعبيد منفتح على التعدد في التخصصات” . و قبل أن يعود لتقديم صاحب المداخلة الموالية الأستاذ حسن الشاعر الفنان التشكيلي و تلميذ سابق للمكرم، و زميله في التدريس بالمعهد الوطني الفنون الجميلة . أشار الدكتور الزواق أن دار إذاعة تطوان ، بعثت فرقتها لتغطية الحدث. و نحن بدورنا ، شاهدنا السيدة خديجة البقالي مندوبة وزارة الإعلام ضمن الحضور .
كلمة الفنان حسن الشاعر كانت بالفرنسية، افتتحها بشكر الفنان المضيف، عادل ربيع ، موضحا ـ في نفس الوقت ـ عن كونه يرسم أكثر مما يكتب…و عن علاقته بالفنان بوعبيد يقول :” إنني من أقدم تلاميذ الفنان بوعبيد. و هو إنسان ألهمني. الكلمات لا تسعفني في التعريف به.,إنه لا يقارن بالآخرين، لكن الآخرين يمكن أن نقارنهم به. علمنا الانطلاق من الذات للآخر، مع احترام التراث و المعاصرة.
وخلال الفاصل الثاني قدم الفنان جواد الدفوف اغنيتين من تلحينه و عزفه رفقة الموهبة الغنائية نضال البقالي
أما كلمة الفنان بوعبيد بوزيد ، فقد جاءت مفعمة بالأحاسيس ، أمام فيض المشاعر التي تلقاها من محبيه و رفاق دربه و تلامذته ، الذين حضروا هذه الصبحية…كان الامتنان لهم جميعا ناطقا على محياه. و حين تقدمت إليه الطفلة نجلة الفنان عادل ربيع بباقة الورد ، ازداد حبوره . أما هدية الدكتور الزواق ، فقد رمت به في غمر معشوقيه التاريخ و الفن . كانت الهدية عبارة عن قطعة فخار مستنسخة عن قنديل روماني . هذا ما شرحه الفنان بوعبيد للحضور، بينما فرحة طفولية تداعب ملامح وجهه ، مضيفا أن هذه القطعة أعدها المرحوم ميمون ، الذي اشتغل في حياته بالمتحف الاثري لتطوان. و يعتبر امهر ناسخ للقطع الاثرية بالمغرب ، و أنه يعتبر هذه الهدية تحفة فنية. ليختم كلمته باعتراف جميل بفضل شخصين على كل نجاحاته، هما أخوه المهندس المعماري محمد بوزيد. و حرمه المربية الفاضلة الحاجة إحسان البازي.
و بعدها أخدت صورا للمحتفى به ، صحبة عائلته و اصدقائه و زملائه لتخليد هذه المناسبة.
كنال تطوان / بقلم : الزهرة حمودان