https://www.facebook.com/MoroccoTravelAgencySARL

المعارضة تضرب بنكيران بـ”شفنجة”

-باحث في العلوم الإنسانية

رغم الأغلبية المريحة التي يتمتع بها رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، وقدرته على فرض قرار موعد الانتخابات، فإن كبير العدالة والتنمية لأول مرة يظهر مرنا، ويتظاهر بالرضوخ دون عناد لطلب تأجيل الانتخابات، بعد أن قرر فريقه الحكومي أن تجرى في يونيو السنة الجارية.

تأجيل الانتخابات كان مطلب مفاجئ للمعارضة، غير محسوب لأنه ليس في صالح أحزابها. وإنما صفقة خاسرة، تصب في مصالح بنكيران السياسية؛ اذ لاستفادته من تمديد عمر مجلس المستشارين أوجه مختلقة، وسيربح أكثر مما يخسر. خصوصا وان المقترح المريح جاء من رحم المعارضة.

فالانخفاضات المتتالية المهمة التي شهدتها الطاقة بعد أن أنهكت قوى الحكومة مدة ثلاث سنوات ما زالت حديثة. وبالتالي ستحتاج جس نبض انعكاساتها الاقتصادية والاجتماعية مدة أطول ليزهر مفعولها، خصوصا إذا استمرت وثيرة تراجع السعر، واستثمر المغرب جيدا التحولات، التي بدأ الخليج يشهدها لصالح القطاعات الاقتصادية المغربية.

من جهة ثانية غامر الرجل بمستقبله السياسي، فقد اتخذ الرئيس قرارات مؤلمة كالتخلي التدريجي عن صندوق المقاصة، الذي سيستفيد من تراجع أسعار الطاقة بالدرجة الأولى. ومن تم فإن نجاح الورش سيكسب الرجل إذا وفر لتجربته مزيدا من الوقت جرعات من الشعبية، تؤمن له حسم انتخابات القرب من المواطن.

لازال الرجل مقبل على كثير من الإصلاحات الاجتماعية الصعبة خصوصا صناديق التقاعد وأنظمة الوظائف، وما ستثيره من ردود فعل وتوثرات تحتاج من بنكيران وقتا طويلا لشرحها بعد دخولها حيز التنفيذ، كما يحدث دائما. اذ أن الثابت في السلوك الإعلامي للحكومة يراهن على ما بعد الحدث، لتبن حملتها على مختلف ردود الفعل التي تعبر عن التعاطي الحقيقي مع الأحداث.

أطلق الرجل مبادرات عدة لخصها تقريره حول حصيلة الحكومة في ثلاث سنوات. والأكيد أن الاطلاع على التقرير والترويج له يتطلب وقت يسمح بوقوف المواطن على حقيقة المنجزات. ومن العبث أن يتقدم الرئيس إلى الانتخابات الجماعية دون أن يوصل تقريره إلى اغلب شرائح المجتمع، واستثمار الحصيلة في ما يشبه تأكيد الثقة في البرنامج الحكومي بإعادة التصويت للوائح التحالف.

من جهة أخرى يظهر أن حصيلة الموسم الفلاحي الجيد، ستعتبر المظلة التي سيعبر بها بنكيران إلى مجلس المستشارين بأمان. ومعلوم أن المغرب يتطلع إلى موسم فلاحي استثنائي على مدى عقود من تاريخ المغرب. ولا شك أن ذلك ستكون له انعكاسات اقتصادية واجتماعية واعدة، ستصب في قفة حزب العدالة والتنمية.

في إطار الإعداد الجيد، يتضح أن بنكيران استفاد من دروس الانتخابات السابقة، وقد يفكر في تغيير إستراتيجيته الانتخابية، التي بدأت تظهر بعض ملامحها. وربما يتجه ـ حسب تصريح سعد الدين العثماني ـ إلى تقليص تغطية الدوائر الانتخابية. الا انه في المقابل قد يعوض ذلك بالبحث عن حلفاء خصوصا من داخل التحالف الحكومي للتوافق حول المرشح المشترك. ويشجع على هذا الراي ما أبانت عن فاعلية التعاون في بعض محطات الاقتراع الجزئي.

لعل المهم ـ بالنسبة للعدالة والتنمية ـ في انتخابات القرب ليس هو عدد المستشارين، وإنما العبرة بعدد المجالس التي يشكلها الحزب. وقد أبانت تجربته في مدن كبرى كيف أن سوء تدبير التحالفات كان أقوى من الفوز بأكبر عدد من المقاعد، التي لم يكن لها نفع ما لم تتمكن من الترجمة إلى نسج تحالفات تتمر رئاسة المدن والمجالس.

من خلال كل هذا كان من الممكن أن تربك المعارضة حسابات حزب المصباح. فقد كان من السياسة أن تمارس الضغط التقليدي، وتحرج بنكيران بدفعه إلى إجراء انتخابات ليس في صالحه إجراءها في أوانها. لكن المعارضة خسرت الورقة، واختارت أن تضرب رئيس الحكومة بدفعه إلى تأجيل الانتخابات.

إلا أن الضربة لم تكن لتقتل، وإنما سمنت رئيس الحكومة؛ اذ ـ كما يقال ـ ضربته “بشفنجة” ثمينة، لم يكن ينتظرها. وبشهية ونهم سارع بنكيران إلى استغلال منحة التمديد قبل أن تستفيق المعارضة، وتكتشف الوجه السلبي لتأجيل استحقاقات سيعود منها المصباح بخفي حنين إذا ما تصلب زعيمه وتشبث بأجندته.

فقبول بنكيران تأخير الاستحقاقات سيجنبه الحرج الحزبي الداخلي، فقواعده لن تلومه إذا فشكل في كسبها، غير أن كسبها لن يحسب لغير الرئيس. ولعل أخذ مسافة أمان ستعطيه فرصة لتأمل إضافي لما يجري في المحيط الإقليمي والدولي سياسيا واقتصاديا واجتماعيا… لتقدير خطوات السباقات الانتخابية.

رأي واحد حول “المعارضة تضرب بنكيران بـ”شفنجة””

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.