كنال تطوان / المساء – الكاتب : مصطفى الحجري
أفضل طريقة لاحتواء الفضيحة والفشل هي البحث عن كبش فداء، مع اتهام أعداء وهميين بصنع المؤامرات، هذه التقنية برع فيها المسؤولون المغاربة بمهارة يحسدون عليها، وهو ما لم يتردد وزير الشباب والرياضة في تطبيقه لإخراج رجليه من وحل فضيحة مدوية، فضل رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران ببرود يحسد عليه أن يصفها بـ»الإشكال»، متناسيا أن هذا الإشكال تسبب للبلد في «شوهة» عالمية كلفت المغاربة حوالي مليار سنتيم.
في البلدان التي تحترم نفسها يقدم وزراء ومسؤولون استقالتهم لمجرد زلة لسان عفوية، أو أخطاء ارتكبها موظفون صغار يقعون تحت وصايتهم، لكن في المغرب يظل هذا المنطق غائبا، حسب محمد المسكاوي، رئيس الشبكة الوطنية لحماية المال العام، الذي أكد أن المسؤولين المغاربة لا يؤمنون بأن صورة البلد أهم من المنصب.
اجتهاد بنكيران لتهوين ما وقع لا يوجد له أي تفسير سوى محاولة التغطية على سلسلة من الفضائح التي تورط فيها عدد من الوزراء في الحكومة الحالية بهاجس الحافظ على أغلبيته الهجينة، وهو التفسير الذي يجد سنده القوي والجاهز في قبول التحالف مع من كان يصفهم حزب بنكيران بالمفسدين الذين يتعين محاكمتهم، وهم أنفسهم الذين تمت مكافأتهم بمناصب سخية في صفقة النسخة الثانية للحكومة.
في هذا السياق قال المسكاوي إنه مع الاستمرار في «عدم تطبيق الجزاء في جميع الملفات سنشهد ملفات أخرى ستكرس منطق عفا الله عما سلف الذي أتى به رئيس الحكومة، في ظل الجدل الذي رافق تفعيل تقارير المجلس الأعلى للحسابات»، مضيفا أن الحكومة تفضل «تسليك الأمور» لإرضاء بعض الجهات عوض تحريك المتابعات لربط المسؤولية بالمحاسبة.
قبل ما حصل في لعبة اسمها كرة القدم تفترض القبول بالخسارة والهزيمة، عشنا مع سلسلة من الفضائح التي انطوى التعامل معها على إهانة صريحة للمغاربة وللرأي العام، الذي يفضل رئيس الحكومة ابتزازه عاطفيا بخطابات تنهل من قاموس الاستهداف وتقمص دور الضحية، في تغييب تام للالتزامات السياسية التي تعهد بها حزبه في برنامجه الانتخابي.
فشهورا قبل وحل الملعب، عشنا فضيحة وزير رفض أداء ثمن فحص والدته في قسم المستعجلات بابن سينا بالرباط، وهو نفس الوزير الذي أغدق «الكشولاطة» من المال العام، قبل أن يحين الدور على فضيحة وزراء تورطوا في تعيينات مشبوهة.
قبل أن يجف مداد كثير سال عقب الفيضانات التي ضربت عددا من مدن الجنوب وما رافقها من تعامل مهين لقيه الضحايا الأحياء منهم والأموات، جاءت فضيحة أخرى، وهذه المرة أيضا بفعل التساقطات التي عرت حجم الغش في أرضية ملعب تم صرف الملايين من أجل تعشيبه. ومرة أخرى، وكما تم منح صك البراءة للسلطة والجهات المسؤولة في كارثة الفيضانات من تهمة التقصير، سارع رئيس الحكومة للتهوين، وجعل هذه الفضيحة العالمية مجرد إشكال محرج لا غير.
كل ما سبق يؤكد أن طريقة تعاطي المسؤولين المغاربة مع الفضائح والكوارث والقضايا، التي تشغل الرأي العام، تثبت أن هناك خلطا وسوء فهم كبيرا بين المسؤولية في شقها الجنائي، والمسؤولية في سياقها السياسي، وهو نقاش يفضح غياب الوعي السياسي والوازع الأخلاقي وحس المواطنة لدى جزء كبير ممن «سقطوا» على كراسي المناصب، وممن نالوا الحقائب الوزارية بناء على علاقات عائلية ومصاهرات و ترضيات داخل أحزاب تؤمن بـ»كول ووكل» ولا تخضع في عملها لرقابة الأجهزة التنظيمية التي وإن وجدت تبقى مجرد ديكور حزبي تماما مثل المقرات التي لا تفتح إلا في كل مناسبة انتخابية.
المسكاوي اعتبر أن الإيمان بالمسؤولية السياسية موجود في الدول التي تحترم نفسها فقط، وقال إن استقالة اوزين فيها ربح للمغرب، ولن تكون ضد شخصه بحكم أنها ستمكن من إنقاذ صورة البلد التي تضررت بفعل الفساد، كما ستعد شجاعة سياسية تحسب لصالح المسؤول الأول عن القطاع، عوض ركوب التحدي والبحث عن كبش فداء، من خلال إقالات استباقية قبل الكشف عن نتائج التحقيق.
هذا التعامل يفضح الهوس المرضي للمسؤولين بالتشبث بالكراسي، وتهافتهم على المناصب، وعدم ترددهم في مواجهة وتحدي الرأي العام بطريقة فجة، وعدم تحليهم بفضيلة الاعتراف بالخطأ، كما حدث لوزير الشباب والرياضة الذي جلس عقب الفضيحة في مواجهة آلاف الجماهير التي لم تتردد في إكرامه بشعارات سمع دويها في أكثر من دولة.
في كارثة الفيضانات وظفت شاحنة نقل أزبال لحمل الضحايا ما أثار سخطا شعبيا عارما، لينتفض بعض المسؤولين ومن ضمنهم رئيس الحكومة بعدما حصل، رافضين في خطوة متأخرة «إهانة المغاربة»، بحكم أن الوسائل حسب قولهم موجودة لكنها لم توظف، لكن في الفضيحة الثانية لم يكلف أي مسؤول نفسه عناء شرح صور الوسائل البدائية، التي وظفت لمواراة فضيحة
العشب.
رئيس الحكومة في سياق اجتهاده في البحث عن غطاء لهذه الفضيحة، التي أساءت إلى صورة المغرب، اعتبر أن ميزان حسنات الحكومة أثقل من سيئاتها، وأنه ليس هناك مسار يتمتع بالكمال، في تصريحات دفن معها مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، خاصة بعد أن أعلن عن فتح تحقيق من خلال لجنة مشتركة.
المسكاوي اعتبر أن القضاء هو من يتعين عليه البحث في هذه «الفضيحة المدوية»، عوض الاكتفاء بلجنة مشتركة أو على الأقل المبادرة لتقديم نتائج التحقيق الذي ستقوم به هذه الأخيرة للقضاء من أجل تحريك المتابعة.
وقال المسكاوي إن الحكومة الحالية عوض أن تفعل مبدأ عدم الإفلات من العقاب، فضلت وضع قانون لإبراء الذمة، وعجزت عن وضع إستراتيجية لمحاربة الفساد وتحريك المتابعات، بعد أن سجلت فضيحة تلو أخرى، وهو ما يطرح السؤال حول ما الذي يجب أن يقع لكي يقدم مسؤول مغربي استقالته، أو أن يتجرأ من هم فوقه لإقالته.
مصطفى الحجري