انتهت الانتخابات التشريعية الإسبانية بلا فائز ولا منهزم، وأبقت كل الطرق مفتوحة نحو الوصول لقصر مونكلوا. صحيح أن الحزب الشعبي الإسباني تصدر الانتخابات التشريعية، إلا أنه لن يكون قادراً على تشكيل حكومة ائتلاف بالسهولة التي كانت متوقعة. في المقابل، على الرغم من خسارة الحزب العمالي الذي يتزعمه بيدرو سانشيز، إلا أنه حصل على أربعة مقاعد إضافية مقارنة مع استحقاقات عام 2019، والأهم من ذلك أنه يتوفر على كل الحظوظ للاستمرار في السلطة وتشكيل حكومة ائتلاف بفضل المقاعد التي حصل عليها حزب سومار وبعض الأحزاب الجهوية الأخرى.
وبلا شك فإن الرسالة المهمة التي بعثتها الانتخابات الإسبانية هي سقوط فرضية اكتساح تحالف اليمين المتطرف والحزب الشعبي، بل بالعكس تماما سجلت هذه الاستحقاقات تراجعا لحزب فوكس الذي بنى جزءا كبيرا من خطابه الانتخابي على معاداة كل ما هو مغربي، وهذا يعني في المحصلة انتصارا سياسيا لليسار رغم السنوات الصعبة التي قضاها في الحكومة ورغم الاستنزاف الذي يخلفه تدبير السلطة في زمن الأزمات.
والحقيقة أن بيدرو سانشيز عرف كيف يدبر عهدته بذكاء سياسي كبير، حيث نجح في اتخاذ قرارات ذات طابع استراتيجي سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي كانت في صالح إسبانيا، لذلك فإن دعوته لإجراء انتخابات مبكرة لم تكن ردة فعل سلبية أو مغامرة سياسية غير محسوبة العواقب، بل كانت تقديرا سياسيا ذكيا جعله يلعب أوراقه الرابحة، سيما ورقة العلاقات المغربية- الإسبانية والاستثمار في الإنجازات التي حققها، خصوصا على الصعيد الاجتماعي.
واليوم إسبانيا أمام ثلاث فرضيات للخروج من وضعية البلوكاج السياسي في الستين يوما القادمة، السيناريو الأول يكمن في نجاح رئيس الحزب الشعبي في تشكيل حكومته بالبحث عن حلفاء جدد لاستكمال النصاب الدستوري والمحدد في 176 مقعدا، وهذا احتمال صعب التحقق في ظل عدم وجود رغبة في التحالف مع الحزب الشعبي، سيما داخل الأحزاب اليسارية والمحلية. أما السيناريو الثاني فهو احتمال تشكيل الحزب الاشتراكي للحكومة وهذا سيناريو أقرب للتحقق في ظل وجود احتمال تحالف حزب بيدرو سانشيز مع حزب سومار بالإضافة إلى تشكيلات إقليمية مختلفة مثل «إي آر سي» الكتالونية أو «بيلدو» الباسكية. السيناريو الثالث يكمن في إعادة الانتخابات في حال الوصول للباب المسدود، وستكون إسبانيا مضطرة لإنفاق 30 مليون أورو أخرى على انتخابات ربما تعطي النتيجة نفسها.
المهم في الانتخابات الإسبانية، مهما كانت سيناريوهاتها المحتملة، أنها أفشلت الاستثمار في العداء للمغرب وسيادته، وأكدت، بما لا يدع مجالا للشك، أنها تصويت سياسي يشجع على مزيد من تقوية العلاقات بين الرباط ومدريد والابتعاد قدر الإمكان عن دعاة الانفصال.