بقلم: د. عبد الرحمن الصديقي
كما كان منتظرا وبعد مخاض عسير ولد المولود الذي طال انتظاره في أمل أن يدير البلاد والعباد لمدة معلومة وحضي بمباركة صاحب الجلالة وكذا البرلمان, يومي الخميس 10 والجمعة 11 اكتوبر 2013. إذا كانت الصحافة قد تناولت من قبل عمل الكواليس “السري ” ولقاءات بنكيران وزعيم الاحرار مزوار لإعطاء شكل لحكومة (hors du commun), فان الجميع انبهر واندهش لتشكيلة أقل ما يمكن ان يقال عنها أنها صممت على حساب الاشخاص والاحزاب باسم التوافق للاستمرار في الحكم, ضدا على قوانين السياسة والظرفية التي يجتازها البلد .
الا تعتبر الحكومة في تشكيلتها الحالية تجاوزا لروح دستور 2011 ؟ كم سيعمر تجانس الشكل امام تصارع وتضاد وتناقض مرجعيات الموضوع ؟ ألم تعمل الحكومة الحالية بتشكيلتها وكثرة عددها وغرابة اسماء وزاراتها على انهاء زمن السياسة لحساب اللوبيات ؟ الم تفقد الاحزاب السياسية في بلدنا مصداقيتها بممارستها سياسة صراع المقاعد عوض سياسة صراع الافكار والطبقات؟
تغييب روح دستور 2011
كنا قد استبشرنا خيرا في الصيغة الاولى “بنكيران-1” بأسماء وزارات تترجم روح دستور , 2011 كوزارة “السكنى والتعمير وسياسة المدينة ” وكنا قد سفقنا لها (في مقال سابق) وقلنا بأن التسمية تترجم ارادة الدستور من حيث اعطاء منظور آخر ” لسياسة المدينة” ومبدأ المواطن والمواطنة. وللتذكير فقط فسياسات المدينة تتطلب مقاربة ترابية شاملة للوعاء الحضري من الناحية الاجتماعية والبيئية والثقافية والاقتصادية والجمالية والوظيفية ووو. أما اليوم فالوزارة اصبحت وزارتين (يعني مقاربتين ومرجعيتن = الحركة والتقم والاشتراكية ) وزارة التعمير وإعداد التراب الوطني (لأمحند العنصر) ووزارة السكنى وسياسة المدينة (لنبيل بنعبد الله).
غريب جدا هذا الامر؟ عندما نتمعن في التسميتين نلاحظ بأن التعمير (أو ما يسميه ابن خلدون فن العمران) واعداد التراب بما فيه من جوانب اجتماعية وثقافية وبيئية قد فصل عن “سياسة المدينة”. هل يعني هذا عودة لمنظور العمران=البناء (بمفهوم الدارج المغربي) الذي عمر لعقود وأفرز لنا هذه المدن الاسمنتية (Betton villes) التي اعطت لنا كيتوهات (Ghetto) لا يعلم ما ستنتجه لمجتمعاتنا في المستقبل, الا الله.
نفس الشيء يقال كذلك بالنسبة لتوزيع مهام الوزارات المتعددة التي اصبحت تتدخل في الحقل الاجتماعي, من خلال كثرة المتدخلين, والذي سينعكس حتما على المردودية المتواضعة أصلا لهذا القطاع.
فرانكنشتاين يبعث في المغرب
Frankenstein هو مخلوق اسطوري للروائية الانجليزية ماري شيلي وهو منتوج ادمي متوحش صنعه الطبيب (بطل الرواية) فيكتور فرانكانشتاين من خلال تجميع والصاق اجزاء آدمية كان يحصل عليها من مستودع الاموات بالمدينة. جمع الطبيب اذن اعضاء (قلب, مخ, رجل, يد, …) لأناس غير متجانسين اخلاقيا وجماليا وعمريا, منهم الخير ومنهم الشرير وووو. المهم أن هذا المخلوق الغريب بجيناته, والغير متجانس بشكله ومضمونه اعطى للمجتمع شخص شرير بحكم تحكم جينات الشر فيه على جينات الخير.
ما العلاقة مع حكومة بنكيران ؟ العلاقة بديهية في حكومة تتكون في كيانها من الشيوعي الاممي والاسلامي المدني المحافظ والليبرالي المتفتح (اخلاقيا وجغرافيا) واعيان المغرب العميق. كل هؤلاء “الاخوة الاعداء” (حسب تعبير الروائي اليوناني نيكوس كزنتزاكي) سيتعايشون في حكومة واحدة. التجانس اساس الاستمرار وهذه قاعدة فزيائية وكميائية واجتماعية واقتصادية واخلاقية فكيف لكيان غير متجانس بل متناقض ومتصارع أن يعطي كائنا سليما ناجحا ودائما ؟؟؟
نهاية زمن الديمقراطية السياسية
في بداية التسعينات تنبأ عالم الاجتماع الفرنسي “ألان توران” في كتابه الشهير “ما الديمقراطية؟” بعصر نهاية الديمقراطية على اساس سياسي وأيديولوجي. ولكن ما لم يتنبأ به هو ولادة شكل جديد للديمقراطية سأسميه “بالديمقراطية الانتقائية أو الاختيارية” في بلدنا. نفبرك اولا وزارة ونعطيها اسما ثم نبحث عن من سيتولاها وبعد ذلك نجد له لونا سياسيا. الم يستقل الوزير الوفا من حزبه نصرة لمنصبه, واعيد اختياره في الحكومة الجديدة رغم كون مرجعيته السياسية والايديولوجية غير حاضرة من حيث المبدأ في الحكومة الحالية. الشاعر الفلسطيني محمود درويش (رحمه الله) هو من تنبأ بهذا الشكل الغريب للديمقراطية حين كان ينطق في قصائده بلسان الدكتاتور.
نعرف أن الحكومة تفرزها انتخابات, يختار فيها المواطن الحزب, حسب مرجعيته وحسب مشروعه المجتمعي والسياسي والاقتصادي. وهذا المشروع يترجمه الحزب الفائز-الحاكم على شكل ورقة طريق, وبرامج في الزمان والمكان, وحسب القطاعات. ويتحمل فيها المسؤولية السياسية (حسب مرجعتيه الفكرية والسياسية والايديولوجية), فيساءل من طرف المواطن في الانتخابات اللاحقة : يزكى في موضعه أو ينبذ حسب نتائجه ومدى وفائه لمنتخبيه.
اذا نجحت أو فشلت الحكومة الحالية في صيغتها الثانية فما هي مرجعيتها وما هي مسؤوليتها السياسية؟ هل نجحت لأنها اسلامية أم شيوعية أم محافظة أم ليبرالية أم تكنوقراطية ؟؟؟ أم نجحت لأنها مزيج من الاشخاص ؟؟
حكومة ضد التيار
ب 39 وزير ووزيرة يكون المغرب قد شكل مرة اخرى استثناء دوليا. عدد وزراء الصين التي يفوق عدد سكانها المليار و300 مليون نسمة لا يتعدى 27 وزيرا, استطاعوا أن يجعلوا من البلد تلك القوة التي يحسب لها في العالم باسره.
وأنا أتصفح بالأمس تعاليق الفايسبوكيين عجبت من سعة خيال المغاربة وكيف سخروا من هذا الرقم (39). وهناك من طالب بضرورة رفعه الى 40 لكون هذا الاخير له رمزية كبيرة في ثقافتنا المغربية والعربية والاسلامية (على غرار قصة علي بابا…) . أما آخرون فقد رأوا في رقم 40 عدد أوراق لعبة “الروندا” الشهيرة في بلدنا والتي “تضمس” في كل “جرية” لتتبدل المواقع لنفس الادوار باعتبار أن الارقام المشكل للعبة الاوراق هاته تتأرجح من 1 (لاز) الى 7 ثم من 10 (الصوطا) الى 12 وكل رقم يكرر برموز مختلفة 4 مرات.
لا أحد يستطيع أن يفهم اليوم في مغرب 2013 وفي زمن الازمة وفي زمن تعطيل التوظيفات والترقيات وفي زمن مشكل عجز الميزانية وزمن مشكل صندوق التقاعد أن يكون لنا 39 وزيرا بمهام (استراتيجية متقاربة) اضافة الى وزير آخر من دون مهمة, اللهم صداقة رئيس الوزراء, كلهم سيتقاضون اجورا وسيحسبون على صندوق التقاعد عند انتهاء مهامهم.
الوزير ومنصب الوزارة بطبيعته مدبر أي يرسم التوجهات الاستراتيجية لقطاع بعينه. وهناك مسيرون تكنقراط تحت امرته يترجمون توجهاته الى قرارات. حين يصبح الوزير مسيرا كما هو الشأن في الحكومة الحالية يحضر مشكل التنسيق والإلتقائية وكثرة الاوامر والقرارات من مرجعيات مختلفة لن تعمل الا على تعقيد الامر وتنعكس سلبا على المردودية.
من جهة أخرى, كيف يتم تبديل مهمة وزير من قطاع الى قطاع اخر بتحول 360 درجة في ظرف وجيز جدا, وهو لم يتمم بعد المشروع الذي بدأه في الاصل. نعرف حسب اسس الديمقراطية الحديثة ومبادئ الحكامة ان المسؤول يعين على اساس مشروع وورقة طريق يحاسب عليها ويساءل.
رغم كل ما كتبت فيما سلف, أتمنى من “بنكيران 2” أن تستفيد من تجارب وأخطاء “بنكيران 1” وأن تمضي قدما للعمل حفظا للطاقة والزمن والثروة, لأننا فقدنا 8 أشهر من الانتظار والشك والتردد, شكك الشركاء في قدراتنا وتوجهاتنا واختياراتنا وآمالنا.
أتمنى كذلك أن يكون سعد الدين العثماني وسلوكه الرفيع سياسيا قدوة لجميع السياسيين باختلاف تلاوينهم واحزابهم حتى تكون مصلحة الوطن فوق كل مصلحة مهما كان نوعها وقيمتها.