طيلة السنوات الثلاثة الأخيرة، ظل الطفل “أسامة الشعرة” حديث وسائل الإعلام الوطنية والأجنبية، فلُقّب بأصغر مقاتل ضمن صفوف تنظيم “داعش”، وهو الذي التحق به عام 2013 وسنه لم تتجاوز الـ13 عاماً. ظهوره في صور وهو يحمل أسلحة رشاشة برفقة مقاتلين مغاربة جعل البعض يلقبه بـ”طفل الكلاشنيكوف”. بعد أشهر من “نزهة قتالية” في سوريا، عاد اليافع أسامة إلى مسقط رأسه، “بني مكادة” حيث يعيش حياة جديدة بعيدة عن أزيز الرصاص ومشاهد الجُثث.
يوصف أسامة بكونه “الرجل الصغير” ذا الشخصية “القوية” و”الاجتماعية” و”المحبوبة”؛ حاليا وبعد تجربته التي يصفها بالخاطئة في ميادين القتال في سوريا، وبعد أن خسر فرصة الالتحاق بقسم مدرسته مرة أخرى، يتابع أسامة نشاطه الرياضي ضمن نادي “نجوم الشمال لكرة القدم” في فئة الصغار، إلى جانب تسجيله ضمن حصص التكوين المهني في مجال النجارة.
قبل نونبر 2013، موعد سفره السابق إلى سوريا، كان الطفل أسامة معروفا ومألوفاً لدى ساكنة حي بني مكادة الشعبي وسط مدينة طنجة، حيث عرفته ساحات المنطقة مردداً للشعارات الحماسية المعارضة لسياسات الدولة، ضمن نضالات “حركة 20 فبراير” وفي الوقفات الاحتجاجية التي باتت تنظمها التيارات السلفية الملتئمة في هيئات حقوقية، من قبيل اللجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين.
تتضارب القصص حول غرض وكيفية ارتماء الطفل أسامة بين أحضان تنظيم “داعش” في اللاذقية بسوريا، إلا أن وقائع عدة تشير إلى أن السبب المباشر وراء ذلك هو التحاق شقيقه الأكبر، ياسين، في الوهلة الأولى، حيث ذهب والده، الذي كان بائعا متجولا يتمثل بالأفكار والمظاهر السلفية، من أجل إرجاعه إلى المغرب. لكن القصة تطورت بعد ذلك، حين طالب الأب من أسرته الالتحاق به في سوريا.
بعد أشهر، وحين رأى الوالد تقاتل التنظيمات الإسلامية فيما بينها على ساحة معركة واحدة، اختار الخروج بأسرته إلى تركيا، حيث ظل أسامة هناك لفترة طويلة دون الأب أحمد والأخ ياسين، لتتفق الأسرة الصغيرة على العودة إلى المغرب عام 2014، يقول أسامة: “أوقفونا في المطار لعشرة دقائق ثم تركونا نمر وعدنا إلى منزلنا في طنجة”، في حين تم اعتقال الوالد أحمد في ماي من العام ذاته، وهو يقبع حاليا في سجن سلا2.
رغم أن أسامة، وهو يدلي بتصريحاته لوسائل إعلام أجنبية، نفى أن يكون مستوعبا لسبب تواجده في سوريا في صفوف “داعش” وأنه لم يقتل أحدا في المعارك ولم يرى أبدا الموت، “ما عدا صوت القنابل والرصاص”، إلا أن الصور التي انتشرت بسرعة على مواقع التواصل الاجتماعي وتناقلتها وسائل الإعلام، تظهر كيف أن أسامة مرّ على الأقل من تجربة حمل السلاح.
يقول أسامة، في حوار تلفزي على قناة أمريكية، إنه التقى فعلا مقاتلين مغاربة في سوريا، “لم أكن أعرفهم وهم من كانوا يلتقطون معي الصور وأنا أحمل الكلاشنيكوف”، مضيفا: “لم أر الموت لكن سماعي للدمار والقنابل من بعيد كان مرعباً ومخيفا جدا”، في وقت ظل فيه متشبثا ببراءته من السفر إلى سوريا من أجل القتال “بل من أجل إرجاع أخي”، على حد تعبيره.
الآن، وبعد تلك التجربة القصيرة من طفولته في أحضان “داعش”، يستمر أسامة في نسج أحلامه المستقبلية التي يرى نفسه فيها لاعبا مشهورا ضمن فريق كرة قدم، وهو الحلم الذي بدأ مشواره منذ أشهر بالالتحاق بصغار نادي “نجوم الشمال” المحلي في طنجة، أما الدراسة التي اختار تركها وهو في القسم السادس ابتدائي عام 2013 مغادرا إلى سوريا، فتبقى مستحيلة في نظره، “لذلك اخترت متابعة التكوين في صناعة النجارة والألومينيوم للعمل في متجر أو محل”.