https://www.facebook.com/MoroccoTravelAgencySARL

مشروع “المسيرة” السكني في “الفنيدق” قنبلة موقوتة ما بين النهر والبحر

في قلب منطقة “كاسْتيوخوس”، أو الفنيدق، المنطقة الفاصلة ما بين تطوان وسبتة، يوجد مشروع سكني يسمى “المسيرة”، بُني بأموال دافعي الضرائب، لأن الذي ترعاه هي مؤسسة ال”سي دي جي”.

ومثلما وُجد مسجد الحسن الثاني فوق الماء، فإن مشروع “الفنيدق” يوجد أيضا فوق الماء، والفارق هو أن مسجد الحسن الثاني يوجد فوق مياه البحر، بينما هذا المشروع السكني يوجد فوق مياه النهر.. ويا له من نهر.. ويا لها من حكاية.

“كاستيوخوس”، واسمها الأصلي هو “الفنيدق”، أشهر من نار على علم، ليس لأنها مدينة عالمية مشهورة، فهي بلدة صغيرة تفصل بين تطوان المغربية وسبتة “الإسبانية”، بل لأنها منطقة صارت حديث وكالات الأنباء العالمية لأنها تصدر مقاتليها بالجملة إلى مناطق النزاع في كل مكان، بدءا من أفغانستان والعراق، وانتهاء بسوريا والعراق. إنها واحدة من أصغر مدن العالم لكنها صدرت أكبر عددا من المقاتلين إلى تنظيم “داعش”، وفي كل وقت تقفز إلى الواجهة أخبار عن التحاق المزيد من المقاتلين الجدد، بينهم نساء وفيتات.

في الماضي كانت “كاستيوخوس بلدة حقيقية تكتفي بذاتها واقتصادها. كانت فيها مزارع كثيرة ومصانع سمك ودواجن ومعامل أخرى يملكها مغاربة وإسبان، ومع مرور سنوات الاستقلال، تدحرجت هذه البلدة أكثر فأكثر نحو مهاوي الإهمال، حتى صارت اليوم بلدة مرتبطة بالكامل بتهريب السلع مع سبتة، ولم يعد فيها الآن غير وهم الرفاهية المفاجئ، الذي لا يفاجئ سوى القليلين، وكوارث عقارية أكبر من هذه البلدة نفسها.

من الهزيمة.. إلى الهزيمة

“كاستيوخوس” لها اسم أصلي هو الفنيدق، لكن الناس يعرفونها عادة باسم “كاستيوخوس”، وهو اسم معركة انهزم فيها المغاربة أمام الإسبان عام1860، وهو الإسم الذي تُعرف به مدينة الفنيدق” في إسبانيا وفي العالم، ما دام أن هذه البلدة صارت مرتبطة حاليا بعدد مقاتليها الكثيرين الذين هاجروا إلى العراق والشام ليلتحقوا بتنظيم الدولة الإسلامية، المعروفة اختصارا باسم “داعش”.

قبل بضعة عقود، وبالضبط خلال الاحتلال الإسباني للمنطقة، كان سهل “باييثا” في الفنيدق، نسبة إلى اسم المُعمّر الإسباني المعمر الذي  كان يستغله، أغنى منطقة في هذه البلدة، وهو سهل يمتد حاليا بين منطقة “كونديسة” و”الفنيدق”، وكان من أجود المناطق الزراعية في الشمال، وينتج أجود أنواع الخضروات والفواكه، ولا زال إلى اليوم يُعرف باسم سهل “باييثا”، حيث كانت خضرواته وباقي منتجاته الفلاحية تُسقى من نهر “كونديسة” الذي يقسم السهل إلى قسمين، وفيه كانت توجد الكثير من الآبار التي بادت من زمان وطمرتها السيول والأوحال بسبب الإهمال.

هكذا سارت بلدة “كاستيوخوس” من هزيمة على هزيمة، هزيمة أمام الإسبان، وهزيمة في عهد الاستقلال، عندما تحولت المنطقة من سهل غني إلى مجرد جيب للتهريب.

منظر عام من الجو لمشروع "المسيرة"

الاستقلال المجيد

في عهد الاستقلال نبتت في “الفنيدق” آلاف البنايات الإسمنتية الجديدة، أغلبها بُني بشكل عشوائي وخارج كل مراقبة، وهكذا تحول سهل “باييثا” من منطقة خضراء جميلة إلى منبسط إسمنتي كئيب، ولم يفلت من حمى الأسمنت والعقار سوى “وادي كونديسة”.. لكن إلى حين.

في العقد الأخير حلت بمنطقة الفنيدق مقاولة كبيرة تابعة لصندوق الإيداع والتدبير قادمة من الرباط، وذلك حتى تأخذ نصيبها من كعكة الانفجار العقاري.

بدأت هذه المقاولة بأشغال غريبة في المنطقة، لأنها عوض أن تبني مشروعها العقاري على أرض خلاء، فإنها بدأت الأشغال مباشرة فوق وادي “كونديسة”، من هنا بدأت تتناسل تكهنات المواطنين حول طبيعة هذا المشروع العقاري الغريب.

ملاك..

تضاربت أقوال سكان الفنيدق حول المشروع الذي جاءت به المقاولة “الرباطية”. فمن قائل إنه سيتم تحويل الوادي إلى مناطق رياضية ومناطق خضراء تخفف من قبح المكان وتضيف مرافق تمكّن من تحويل هذه القرية الكبيرة إلى ما يشبه المدينة  قبل فوات الأوان، والمفرطون في الحلم قالوا إن المكان سيتحول إلى مجمع للشركات والمعاهد مختص في  التطوير والاختراعات الجديدة في مجال التكنولوجيا المتطورة، على غرار “وادي السيليكون   Silicon Valley” الموجود في خليج سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة الأمريكية، خاصة أن المدينة تفتقر إلى معاهد كما تفتقر إلى مناطق  صناعية تمكنها من الاكتفاء الذاتي وإعفاء أغلب سكانها من ذل التوجه  كل صباح إلى معبر “الدّيوانة” والعيش بشرف  عوض العيش عالة على مدينة سبتة المحتلة.

المهم أن أغلب الآراء استقرت على أن واستقرت أغلب الآراء على أن هذه المقاولة لم تأت إلى المنطقة من أجل الربح المادي، بل جاءت لكي تحمي السكان من خطر فيضانات نهر كونديسة” الذي ابتلع ضحايا كثيرين. وهكذا بدت هذه المقاولة وكأنها ملاك نزل من السماء.. لكن إلى حين.

.. ثم شيطان

بعد اكتمال أشغال إقامة مشروع سكني كبير مباشرة فوق نهر كونديسة، اتضح أن كل ما سبق من كلام كان أضغاث أحلام، وأن البناء الذي احتل مجرى نهر كونديسة، أو ما يعرف في الخرائط بالوادي الجديد، هو بباسطة مزيد من الأسمنت ومشروع سكني تجاري مائة في المائة.

الاستثمار في مجال العقار، ومهما كان هدفه بشعا من أجل الربح، ومهما كان مشينا في البناء وفي مخالفة القوانين المعمول بها، فإنه عادة ما يحظى بالقبول وينسى الناس مثالبه بسرعة، لكن عندما يتعلق الأمر بالبناء مباشرة وسط مجرى النهر، فإن هذا لا يعتبر فضيحة فقط، بل مصيبة، وهذا بالضبط ما حدث في بلدة “كاستيوخوس”، حيث توجد الآن هذه “المصيبة” أمام أعين الجميع، لكن لا أحد يراها، أو على الأصح، لا أحد يريد رؤيتها، واسم هذا المشروع السكني الخطير والغريب هو “المسيرة”، ولا أحد يعرف أين ستُيمّم هذه المسيرة وجهها.

قنبلة موقوتة

مشروع “المسيرة” في بلدة “الفنيدق” هو أول مشروع سكني في العالم يقام بكامله فوق النهر، وهذا النهر الذي بني فوقه المشروع هو تجمع لعدد من الأنهار الأخرى، أهمها ثلاثة أنهار فرعية تنزل نحو المدينة في أوقات متفرقة صيفا وشتاء، لكن في فصل الشتاء تتحول المنطقة إلى بحيرة كبيرة، وهو ما عرّض هذه البلدة للغرق في مناسبات كثيرة بسبب فيضان هذه الأودية، لكن الحل الذي اقترحه جهابذة الهندسة في المنطقة أراد وقف كارثة هذه الفيضانات، عبر خلق كارثة أكبر.

خلال الأمطار الأخيرة التي هطلت على المنطقة، عاينت “المساء” غرق النصف السفلي من هذا المشروع السكني “المسيرة”، وهو الجزء المخصص لإيداع السيارات، ومن حسن الصدف أنه لم يكن يوجد به بشر.

والغريب أن مشروع السكن “المسيرة” بني بطريقة غريبة حيث يوجد على مرتفع من بضعة أمتار عن الطريق المجاورة للوادي، أو حيث كان الوادي، بينما ظل جزؤه السفلي منخفضا عن الطريق بعدة أمتار، مما يجعل مياه الأمطار تنحدر مباشرة نحو هذا الجزء، وهو ما يجعله يمتلئ عن آخره بالمياه والأوحال في زمن قياسي.

مخرج النهر من البحر شبه مغلق

التغيرات المناخية

قبل بعضة أسابيع عاين المغاربة تلك الفيضانات المفجعة التي عرفها جنوب المغرب، في مناطق لا تعرف عادة تهاطل أمطار غزيرة، لكن تهاطل قرابة مائة ملمتر من الأمطار في بضع ساعات حوّل مناطق واسعة من الأراضي الجرداء إلى محيطات مفتوحة من المياه الجارفة، وابتلعت الفيضانات عددا كبيرا من المواطنين ومنازل بكاملها وكأنها قطع بسكويت.

حدث هذا في الجنوب، الذي نادرا ما يعرف هطول أمطار بهذه الغزارة، فكيف سيكون الحال بمنطقة شمال المغرب، التي تعرف واحدة من أعلى معدلات هطول الأمطار في العالم، خصوصا مع التغيرات المناخية الحالية التي تجعل كل المفاجآت ممكنة.

في بلدة “كاستيوخوس” قام المهندسون بعكس الآية، حيث أن ما كان منخفضا أصبح مرتفعا، وما كان مرتفعا أصبح منخفضا، وبذلك أصبح مشروع “المسيرة”، الموجود مباشرة فوق مجرى النهر، محصورا بين الخطر المحدق لفيضان الوادي الجديد، الذي تصب فيه عدد من الأودية الصغيرة، وبين خطر البحر، الذي قد يرتفع فيه المد بشكل كبير في أي وقت، خصوصا مع موجات “التسونامي” التي صارت تعرفها مناطق واسعة من العالم، وبذلك يكون مشروع المسيرة قد بني فعلا فوق قنبلة موقوتة. 

العقلاء يطرحون جميع سيناريوهات الكوارث لتجنبها.. والحمقى يطرقون باب الكوارث

يشكل المشروع السكني “المسيرة” هضبة صناعية وسط سهل” باييثا”، وتمر من تحته مباشرة ثلاث قنوات لتصريف المياه نحو البحر، مع أنه في التصميم الأصلي كان عدد القنوات أربع، بينما يحيط بالمجمع من الجانبين  تجزئات سكنية ومدرسة ومحطة طرقية وسوقا، وكلها أصبحت في مستوى منخفض مقارنة بمجمع “المسيرة”.

السؤال الذي يطرحه الجميع حاليا هو: ماذا لو تساقطت أمطار خارجة عن المألوف فوق مدينة الفنيدق؟ وهذا شيء غير مستبعد على الإطلاق. ومن سيستطيع حينها إدخال وادي كونديسة الهائج في القنوات الثلات التي وضعتها المقاولة التي بنت مجمع “المسيرة”؟

إن مجرد تخيل كمية كبيرة من المياه  فوق سهل” باييثا “يصيب بالرعب، لأن قنوات الوادي، المملوءة حاليا بكميات كبيرة من الأتربة والحصى، مثلما يظهر في الصور المرفقة، يمكن أن تُغلقها بشكل كامل في أية لحظة، وبذلك ستتجه المياه يمينا وشمالا وتغرق كل شيء. إنه سيناريو شبيه لحد كبير بغرق سفينة “تيتانيك”.

وهناك سؤال آخر وهو ماذا عملت الشركة المكلفة بهذا المشروع لتفادي هذا السيناريو الممكن الحدوث في أية لحظة؟ وأين هي السدود التلية والحواجز الواقية والإنذارات المبكرة الكفيلة بحماية الناس من الفيضانات؟ لا شيء من ذلك يبدو للعيان. والغريب أن الشركة التي أنشأت مشروع “المسيرة” السكني، وعوض أن تتخذ الإجراءات العلمية والهندسية اللازمة لتجنب الكارثة، فإنها قامت ببناء مسجد في مقدمة المشروع السكني، أي مقابل مدخل النهر مباشرة، وهو ما جعل بعض الظرفاء يقولون إنهم كانوا يعتقدون أن الدين يُستعمل في السياسة فقط، لتأتي هذه الشركة وتستعمله في الهندسة أيضا، فهي وحدها تعرف كيف سيتم حماية أرواح  الناس بواسطة مسجد صغير بُني في فم “واد كنديسة”!!

هناك اليوم أسئلة كثيرة يرددها سكان الفنيدق (كاستيوخوس)، من بينها أنه إذا كانت فضيحة مشروع “بادس” بالحسيمة، الذي يعود لنفس الشركة، تتعلق بجيوب المواطنين، فماذا سنسمي الفضيحة عندما يتعلق الأمر بأرواح الناس؟؟

السكان يتساءلون أيضا عن المسؤولين الذين رخصوا لهذا المشروع وكيف تجرؤوا على ذلك؟ وما هي الضمانات التي حصلوا عليها للحفاظ على أرواح الناس؟ ففي البلدان التي تحترم نفسها لا يتم الترخيص بالبناء فوق الأنهار، وحتى إن حدث، فإن هناك ضمانات بالسلامة حتى للحشرات والضفادع، فما بالك بالبشر؟

ومن الغريب حقا أنه في حال العودة إلى الخرائط الموجودة على “غوغل إيرث”، فإنه لا توجد أية إشارة إلى مشروع “المسيرة” السكني، بل يوجد النهر فقط، لأن مسؤولي “غوغل إيرث” لم يتصوروا يوما أن أناسا يمكنهم البناء فوق وادي.

يقال إن الكوارث مسألة طبيعة تحدث في آي مكان وبدون موعد أو سابق إنذار، لذلك فإن العقلاء يقومون بدراسة جميع الاحتمالات والسيناريوهات مهما كانت تافهة ويتفادون وقوعها.

أما الحمقى، بتفكيرهم الكارثي، فيأتون حتى عتبة الكوارث ويطرقون بابها، وعندما تقع  الكارثة يخلعون ثوب الذئب ويلبسون ثوب الضحية ويمارسون هواية البكاء على الأطلال.. لكن بعد فوات الأوان، عندها لا ينفع البكاء، أو كما يقول المغاربة “البْكا مورا الميت خسارة”.

3 رأي حول “مشروع “المسيرة” السكني في “الفنيدق” قنبلة موقوتة ما بين النهر والبحر”

  1. خطأ فادح في المقال الفيدق تقع بين تطوان المغربية وسبتة الاسبانية ……سبتة المحتلة لان سبتة مدينة مغربية محتلفة لا يجب نسبها الى اسبانيا ……المرجو عدم السقوط في مثل هده الاخطاء فالمقال جميل ومهم خاصة اننا يمكن اعتباره ناقوس الخطر فانا اعرف النهر وحجمه في السبعينات ادا رجعت نفس التساقطات في زمننا القريب فاندر بكارثة…. تحياتي وعلى العموم جدير بالاهتمام

    رد
  2. لا بد ان يعطي صاحب الجلالة الملك محمد السادس أوامره لاعتقال ومحاكمة جميع المتورطين في هذا المشروع الكارثة أو القنبلة كما وصفه صاحب المقال بكل شجاعة.

    رد

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.