https://www.facebook.com/MoroccoTravelAgencySARL

إِسبانيا والمغرِب ..معانقات ومواجهات !

إنّ إسبانيا والمغرب بحكم موقعهما المتميّز،كبلدين جاريْن ، إنطلاقاً من”ماضٍ” حضاريّ تقاسماه ، و”ثقافةٍ” رفيعةٍ نَسَجَا خيوطها سويّاً، و”إشعاعٍ” متألق إنصهرا فى بوتقته، وبحكم”الحاضر” الواعد الذي يعيشانه ، و”المستقبل” المشترك الذي يتطلّعان إليه ، كلّ ذلك يجعل منهما بلديْن واعييْن كلّ الوعي بالدّور الحيوي الهامّ المنوط بهما لتحقيق المزيد من التقارب، والتعاون، والتفاهم، ونَسْج عُرَى صداقة أوثق، وترسيخ أواصر مودّة أعمق بينهما.

إنّ العناصرالصالحة المشتركة، والمكتسبات الهامّة لمورثاتهما الثريّة، الحضارية منها والتاريخية، والثقافية، واللغوية، تحفزهما لوضع قاطرة التعاون الثنائي بينهما على السكّة الصّحيحة ، لتقريب المسافات، وإستغلال كلّ العناصرالإيجابية بينهما، في عصرٍأصبحت فيه التكتّلات الإقتصاديّة، والسياسيّة، والثقافيّة،والبشريّة، والإنسانيّة بين الدّول والشعوب تتبلور بشكل لم يسبق له مثيل، وذلك لزيادة تقوية وتعزيزالأرضية الصّلبة لعلاقاتهما المتينة فى مختلف مرافق الحياة المعاصرة ،وأوجه التعاون بينهما .

المغربُ دَوْحَةٌ عُظمىَ..

إنّ القولة المأثورة: “إنّ المغربَ يضاهي دوحةً عُظمىَ، جُذورُها ضاربةٌ فى عمق التراب الإفريقي، وتتنفّس أغصانُها الباسقة ،وأوراقُها اليانعة فى الرّبوع الأوربية” ستظلّ فى نظر الملاحظين حقيقة ماثلة لا مراء فيها بين البلدين، فالصّداقة القائمة بينهما ، والتعاون المثمر الذي يجمعهما يَعكسان مقدارَ الرّغبة التي تحدوهما لزيادة بلورة طموحهما ، وتوسيع وتعميق تعاونهما فى شتىّ المجالات، والقطاعات السياسيّة، والتجاريّة،والاقتصاديّة،والثقافيّة، والعلمّية،والإجتماعيّة، والسياحيّة، وفى مخططات التعاون الثنائيّة، والمشاريع الإستثمارية،والإنمائيّة، والصناعية الكبرى المشتركة إلخ . كلّ ذلك ينبغي أن يواكبه تبادلٌ ثقافيٌّ خِصب متنوّع ، وتعاون علمي مكثّف يزيد هما تعارفاً وتقارباً ،وتفاهماً وتناغماً،وإشعاعاً وتألّقاً ،ويعمل على زيادة تمتين أواصرالصّداقة والمودّة،وتوفير الإحترام المتبادل بينهما.

ويشكّلّ الموروث التاريخي، والثقافي، والحضاري المشترك الزّاخر بين البلدين أرضية صلبة، وحقلًا خصباً ممّا جعلهما ينفردان بخصوصّيات،ومميّزات قلّما نجدها لدى سواهما من البلدان الأخرى ،الشئ الذي أفضي الى خلق نوع من الإستمرارية والتواصل الدائمين في علاقات البلدين منذ عدّة قرون ،إذ يرجع التبادل الدبلوماسي بينهما منذ القرن السّابع عشر حيث بدأ بشكلٍ إنفرد به المغرب، وكان له قصب السّبق فى ذلك ، حيث كانت البعثات والرّحلات الدبلوماسيّة المغربية هي البعثات الوحيدة الأولى التي زارت إسبانيا بدءاً أو إنطلاقا من بعثة إبن عبد الوهّاب الغسّاني سفير السّلطان المولى إسماعيل خلال حكم العاهل الاسباني كارلوس الثاني (1691-1690)، ومرورا بالسّفراء الزيّاني(1758) وأحمد المهدي الغزال (1766) وإبن عثمان المكناسي(1779) والكردودي (1885) إلخ.

دورالمثقّفين المغاربة والإسبان

ما فتئ المثقفون، فى كلتا الضفّتين يؤكّدون على الدّور المحوري الهامّ الذي تلعبه الثقافة،أو ينببغي أن تضطلع به الثقافة على وجه الخصوص فى توثيق وتعميق العلاقات بين الشعبين الإسباني والمغربي، فقد قام المثقفون الإسبانُ والمغاربةُ بالفعل فى العقود الأخيرة بدور طلائعي فى تطوير وتفعيل وتقوية العلاقات الثنائية بينهما، ففى عام 1978 تمّ تأسيس “مجموعة المثقفين الإسبان والمغاربة” التي ضمّت صفوةً من الكتّاب، والأدباء، والمفكّرين المغاربة والإسبان التي ضمّت 40 مثقفاً من المغرب ( كاتب هذه السّطور كان من بين الموقّعين على هذه الوثيقة) ، و46 مثقفاً من إسبانيا الذين طالبوا بضرورة تحريك وتفعيل العلاقات الإسبانية المغربية على مختلف المستويات ، وإعطائها نفساً جديداً ، وإذكاء روح التعاون والتفاهم والحوارالدائم بينهما. وقد أفضت هذه البادرة المبكّرة إلى تنظيم عدّة ندوات، وطاولات مستديرة هامّة حول مختلف أوجه التعاون الثقافي، والأدبي، منها” معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون” بين الطرفين التي ألحّت بدورها على ضرورة تفعيل وتحريك الجانب الثقافي بينهما. فضلاً عن إتفاقية الشّراكة بين المغرب والإتحاد الأوربيّ. كما أوصت القمة الإسبانية المغربية المنعقدة عام 1996 بإنشاء ” لجنة إبن رشد”، التي تمّ تأسيسها بإشبيلية عام 1997، وتنظيم عام1998 ندوة ” المغرب وإسبانيا : الحوار والتعايش”. وبمبادرة من جماعة من المثقفين، ورجال الأعمال، والسياسة المغاربة تمّ تأسيس “منتدى الحوار المغربي- الإسباني” الذي عبّر عن إقتناعه الرّاسخ هو الآخر بأهمية العلاقات بين البلدين، وضرورة تطويرها وتنويعها فى مختلف المجالات، وإرساء قواعد ثابتة ودائمة للحوار والتفاهم والتعايش بين الطرفين.كما تمّ تأسيس “مركز الدّراسات الأندلسية والحوار بين الثقافات، وتنشيط النادي الاقتصادي للمقاولين من خلال المجلس الاقتصادي المغرب- اسبانيا وسواها من المبادرات،والخطوات الأخرى التي كانت تهدف برمّتها إلى هذه الغايات، والأهداف التي تخدم المصالح المشتركة للبلدين .

لقد أصبح الإهتمام فى الضفتين بثقافة البلدين يتنامى بشكلٍ مرضٍ بينهما، خصوصاً في أوساط النّخب الثقافية، وكذا عند فئات واسعة من الجمهور، إنّ الاقبال المنتظم والمتزايد للإسبان على زيارة المغرب وإقامة الكثير من المغاربة بإسبانيا من شأنه أن ينسج جسورَ الاهتمام لمعرفة واقع وثقافة وتاريخ البلد الآخر. وينبغي على البلدين التصدّي فى هذا السياق للأفكار الجاهزة،والأحكام المسبّقة التي لا تقدّم صّورتهما الحقيقية ، والتي تنتشر أساساً لدى الشرائح ذات الثقافة المحدودة ،وبالتالي فالوسيلة الوحيدة لمحو هذه التصوّرات الخاطئة هي العمل سوياً على واجهات التربية، والاعلام، والثقافة،والفنون. إنه مجال يتطلب، منّا بذل مَجهودٍ مُضنٍ من أجل تعبئة مختلف وسائل الاعلام قصد نقل الصّورة الحقيقية والإيجابية عن كلا البلدين، وتصقيلها،وتقديمها بالشكل الصّحيح غير المغلوط .

اللغة والثقافة الإسبانيتان

ويلاحظ فى الوقت الرّاهن حضور متزايد للّغة والثقافة الإسبانيتين فى مختلف ربوع المغرب اللتين كادتا فى المدّة الأخيرة على التلاشي، والزّوال، والإندحار ، إلاّ أنّ لغة وثقافة “سيرفانطيس” طفقتا تسترجعان مكانتيْهما السّابقتيْن لدى المغاربة الذين زاد إهتمامهم لتعلّم هذه اللغة الجميلة، والتفاعل على أوسع نطاق مع الأنشطة الثقافية التي تنظمها المعاهد الثقافية الإسبانية الموجودة بالمغرب ،والتي تحمل إسمَ صاحب “دون كيشوت” الذي طبّقت شهرته الآفاق، الشئ الذي يبشّر بتفاؤل كبير بمستقبل الثقافة الاسبانية فى هذا البلد الذي يعتبر بل هو أقرب بلد من إسبانيا جغرافياً، وتاريخياً، وتقافياً، وإجتماعياً، وطبعاً، وتطبّعاً ! ، ولا شكّ أنّ التبادل الثقافي بين البلدين سيزداد زخماً ومتانة بين الأجيال الجديدة المقبلة في أفق بلورة فضاء مشترك يتقاسمه الشّعبان على مختلف الواجهات.

ينبغي لنا والحالة هذه، البحث عن الوسائل الناجعة، والآليات العاجلة لزيادة إثراء الحوار الثقافي القائم بين البلدين لإقرارأرضية صلبة للتفاهم بينهما فى مختلف المجالات،السياسية، والإقتصادية، والتجارية تتماشى وتتناغم مع المعطيات التاريخية،والموروثات الثقافية المشتركة بينهما، وإقتناعهما بالتأثير الإيجابي المتبادل بين ضفّتيْ البلدين على إمتداد القرون، ممّا جعل من منطقة حوض المتوسّط عبر التاريخ فضاءً ثقافياً خصباً، كان له تأثير بليغ على أوربّا، وشمال إفرقيا، ومختلف البلدان المجاورة ، كما جعلت “الأندلس” فى عزّ أوجها منهما بلدين متلاحمين،ومتقاربين،ومتشابهين،ومشتركين فى العديد من المظاهر الحضارية، والثقافية، واللغوية، والأدبية، والإبداعية، وفى مختلف الأشكال الفنيّة، والتصاميم المعمارية ، والهندسية ،ومرافق الحياة الأخرى، هذه التأثيرات،والبصمات المتشابهة طبعت البلدين إلى حدٍّ أصبح معه المغرب ينفرد بعلائق تاريخية وطيدة، وخصوصيّات ثقافية مميّزة مع جارته إسبانيا قد يعزّ نظيرها لدى جيرانها الآخرين .

هذه الاتصالات المبكّرة والمتواصلة بين المغرب وإسبانيا خلقت نوعاً من الإستمرارية ، زادها العنصرُ الجغرافي بينهما متانةً وقوّةً وتواصلاً ، فضلاً عن الجانب الحضاري والثقافي المميّز الذي يُعتبر عنصراً فريداً في بابه في تاريخ الأمم ،كلّ هذه الخصوصيّات طبعت علاقات البلدين على إمتداد الحقب والعهود. ولعَمْرِي إنّ هذا التقارب والتواصل والحوارالدائم القائم بينهما الذي لم ينقطع ، ولم يفترّ قطّ عبر القرون لهو خير رصيدٍ، وضمان لبناء مستقبل واعد حافل بالآمال، والتطلعات، والعطاءات الثرّة الكبيرة.

سَيْرُ وَسَبْرُ العلاقات بين البلدين

أصبحت ظروف تحسين وتطوير العلاقات الثنائية بين البلدين بالتالي جدّ مواتية فى الوقت الرّاهن أكثر من أيّ وقتٍ مضى، فالعلاقات الثنائية القائمة بينهما تعكس بشكل جليّ التوافق السياسي المتناغم السائد بين البلدين فى الوقت الراهن، ذلك أنّ الظرفية الحالية التي يجتازها العالم اليوم فى مختلف المجالات السياسية، والأمنية، والإقتصادية، ومحاربة الإرهاب، ومكافحة الجريمة المنظَّمة، والاتّجار في المخدرات، ومُعضلة الضغط المتزايد للهجرة غير الشرعية من إفريقيا جنوب الصّحراء ومكافحتها،والقضاء على آفة البطالة،والتقريب بين الفوارق الإجتماعية، وضمان الحريّات العامّة، والضرورة المُلحّة َلصَوْن حقوق الإنسان بشكلٍ جدّي وشفّاف،والدفاع عن المصالح العليا للبلدين ،والحفاظ على أمنهما،وإستقرارهما ،كلّ ذلك يحتّم عليهما مزيداً من العمل المشترك فى هذا الإتجاه .

وقدعرفت العلاقات المغربية الإسبانية بالفعل تطوراً كبيراً في السنوات الأخيرة أملته حاجة البلدين لرفع التحديّات ، ، نظراً للإضطرابات الخطيرة التي عرفتها بعض البلدان العربية المجاورة، والأزمة الاقتصادية والعولمة. ولا يألو المغرب وُسْعاً لبذل جهوده الدؤوبة على هذه الجبهات ، كلّ ذلك وسواها من المعطيات التي تحتم على البلدين أن يعملا متلاحمين يداً فى يد من أجل التغلب على التحدّيات، وتجاوز الإكراهات التي تفرض نفسها عليهما على وجه الخصوص، وعلى المنطقة بشكل عام.

البلدان إذن مطالبان للعمل سويّاً من أجل إستشراف آفاق المستقبل،. أخذاً بعين الإعتبار الموقع الجيو- إستراتيجي الممتاز للمغرب كبوّابة لإفريقيا والعالم العربي ، وكذلك الموقع المتميّز لإسبانيا كبوّابة لأوروبا، والعمل من أجل إعطاء دفعة قوية للعلاقات الثنائية بينهما في شتىّ المجالات، فالمكانة التي تحتلها إسبانيا لدى المغاربة كبلد تربطها بهم العديد من الأواصر التاريخية الوثقى، والثقافية، والإنسانية، والاقتصادية، والخصائص المشتركة بينهما تقدّم الدليل على أنّ عوائق المدّ والجزر،والأخذ والردّ، والفتق والرّتق التي قد تعرفهما العلاقات الثنائية في بعض الأحيان لا يمكن أن تؤثّر على الثوابت التي تقوم عليها روابط البلدين. ولا شكّ أنّ الرّغبة لدي الطرفين الإسباني والمغربي ملحّة وأكيدة لإضفاء دينامية جديدة على العلاقات الثنائية،وسبر آفاق التعاون فى مختلف المجالات ، وتوطيد دعائم شراكة إستراتيجية للمستقبل لما فيه مصلحة الشعبين الجارين.

فليس من باب الصّدفة أن يصبح المغرب شريكاً إقتصادياً إستراتيجياً مرموقاً لإسبانيا على المستوى الإفريقي ، كما أنه ليس إعتباطاً من جهةٍ أخرى، أن تصبح إسبانيا الشريك الأوّل للمغرب على المستوى الخارجي وواحدة من المستثمرين الرئيسييّن فيه،متقدمةً حتى على فرنسا فى هذا القبيل التي كانت حتى الأمس القريب “الوِجهة المأثورة” التي لا محيد للمغرب عنها بشكل مبالغ فيه ، ولقد حققت إسبانيا هذاه الغاية بفضل الفرص الهائلة التي يوفّرها المغرب، البلد المنفتح على العالم لفائدة المقاولين، والصنّاع، والمستثمرين الإسبان وغير الإسبان.

أرقامٌ ناطقة

و الأرقام خير شاهد على ذلك، فإسبانيا أصبحت بالفعل للمرّة الأولى في التاريخ، أوّلَ شريكٍ تجاريٍّ للمغرب الذي أضحى هو الآخر ثاني أكبر زبون لإسبانيا من خارج الاتحاد الأوروبي بعد الولايات المتحدة الأمريكية. وبلغت قيمة صادرات إسبانيا للمغرب سنة 2013 ما مجموعه 5,508 مليار أورو، أي بزيادة قدرها 4 بالمائة مقارنة مع سنة 2012. بوجود ما ينيف على أزيد من 800 مقاولة إسبانية تشغّل آلاف الأشخاص. وبالتالي يبقى المغرب الوجهة الأولى إفريقيّاً، وعربيّاً للصّادرات الإسبانية بفضل أزيد من 20 ألف مقاولة تصدر منتجاتها إلى المغرب، وهو دليل على الثقة والشّفافية، وتوفير فرصٍ إستثمارية هائلة في جميع المجالات بمعدّل 52 في المائة من الاستثمارات الإسبانية في إفريقيا، متبوّئاً بذلك مكانة بارزة لدى المستثمرين الإيبيريّين. وبفضل الموقع الجغرافي المتميّز للمغرب، وتحديث بنياته التحتية، وإستقراره الاقتصادي والسياسي، فإنه أصبح يتمتّع بعلاقات إستراتيجية تقليدية متميّزة مع أقرب بلدٍ جار أوربيّ له في جنوب البحر الأبيض المتوسط بإمتياز.

هذا الزّخم في العلاقات القائمة فى الوقت الراهن بين البلدين يعكسه كذلك تطوّر ملموس، وهائل في تعاونهما الثنائي في المجالات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والإنسانية، والدبلوماسية، وهما في إطار العولمة، يستشرفان آفاقاً جديدة للتعاون لرفع التحدّيات العديدة للقرن الذي يعيشان فى كنفه. وقد وقّع كلٌّ من المغرب وإسبانيا مؤخراً على عددٍ من إتفاقيات التعاون الثنائي في مجال التنمية، والتعاون الثقافي، والتعليمي، والرياضي ، وأخرى في المجالات الدبلوماسية، والسياحية،والطاقة،والكهرباء،والنقل، والإدارة الإلكترونية،وسواها من المجالات الحيوية الأخرى.وذلك نظراً لتقاسم البلدين لرؤىً سياسية متناغمة بشأن مختلف القضايا الإقليمية، والدولية،ومراعاة منهما لمصالحما المشتركة .

ومع ذلك…قضايا شائكة وأمورٌ عالقة

إلاّ أنّه لكي نكونَ واقعييّن فى هذا الطّرح، تجدرالإشارة إلى أنّه على الرّغم من هذا الزّخم الهائل الذي يطبع العلاقات الثنائية بين البلدين، والبريق اللمّاع الذي يضيئها،ويوحي للعيان أنّها على خير ما يُرام فى مختلف المرافق، والقطاعات، والقضايا، والتي رصدنا بعضاً من جوانبها آنفاً ،فإنه ينبغي لنا ألاّ نغفل، أو ندير ظهورَنا لقضايا أخرى ثنائية هامّة عالقة وشائكة،وإكراهات مُؤرقة ما زالت تثقل كواهلنا ، وتقلق مضاجَعنا، وهي تواجهنا بإلحاح وعناد، ولا ينبغي لنا أن نتّبع حيالها سياسةَ النّعامة فى إخفاء رأسها فى الرّمال، وعدم رؤية الواقع الحقيقي الذي نعيشه، ونلمسه،ويتجسّد نصب أعيننا، ويمكن حصربعض هذه القضايا ضمن النقاط التالية :

قضيّة سبتة ومليلية :

مداخل ومخارج المدينتين السّليبتين سبتة ومليلية خيرُ مثال على الوجه الآخر الخفيّ المؤلم لهذه العلاقات ،والشّعور بالحَسْرة والحَيْرة الذي يعتمل فى قرارة نفس كلِّ مواطنٍ عندما يَعْبُرُ هاذين المعبرين ذهاباً أو إيّاباً،اللذين يفصلان ،ويشرخان ظلماً وعدواناً، وقهراً وقسراً بقعةً جغرافيةً واحدةً متماسكة، ويشطرانها شطرين تنشطر معها أهواءُ السكّان الآمنين،وتتضاعف معاناتُهم، ومشاعرُهم،وأحاسيسُهم، وتطلعاتُهم لعناق بعضهم البعض من الجانبين،وإحياء صلة الرّحم فيما بينهم، والإجتماع بإخوانهم فى الجانب الآخر من الأسلاك الشائكة، أوالأسوار العالية،أو الهوّات السّحيقة التي تُبَاعِد أو تفصل بينهما،فى زمنٍ تهاوت فيه ومعه كلّ الجُدران مهما كان علوّها وعتوّها .

الغازات السامّة فى الرّيف

لقد أصبح موقف إسبانيا من إستعمالها للغازات السامّة، والأسلحة الكيمياية المحظورة فى حرب الرّيف يُثار بإلحاح وإمعان فى المدّة الأخيرة داخل المغرب وخارجة ،بل إنّه أمسى يُثار حتى فى إسبانيا نفسها، فهل فى مقدور- جارتنا الأوربيّة وأقربها إلينا تاريخاً، وجغرافيةً ، وثقافةً،وإرثاً، وفكراً ،بل وجينيّاً – هل فى مقدورها اليوم الإقدام على إتّخاذ خطوة تاريخية جريئة للمصالحة النهائيّة مع ماضيها المعتم والمؤلم فى المغرب، جارها ( غير الجَارّ ) ! فى الجنوب بتقديمها إعتذارٍ شجاع للشّعب المغربي،بشكلٍ عام،ولأهل الرّيف على وجه الخصوص، أيّ للمتضرّرين الفعلييّن، من السكّان الآمنين،وتعويضهم إنسانيًّا،وحضاريّاً – حسب ما تمليه القوانين اللدّولية فى هذا القبيل- عن هذه الجريمة النكراء البغيضة ،وقد أصبح هذا الموضوع الحيوي الهامّ يستأثر بحدّة بإهتمام الرّأي العام المغربي والإسباني على حدّ سواء، والمتعلق بالتظّلم المُجحف،والأضرار الجسيمة التي حاقت، ولحقت بالعديد من الأسر والعائلات التي ما زالت تُعاني فى مختلف مناطق الرّيف ونواحيه من الآثار الوخيمة (أوبئة السرطان اللعين) التي خلفتها جريمة إستعمال هذه الأسلحة الكيمياوية الفتّاكة من طرف إسبانيا بعد الهزائم المنكرة التي تكبّدتها فى حرب الرّيف التحرّرية الماجدة ؟

الجالية المغربية المقيمة فى إسبانيا

تُعاني الجالية المغربية المقيمة فى إسبانيا من ضائقة خانقة فى خضمّ الأزمة العويصة التي تعيشها إسبانيا التي لن تعرف بوادر الإنفتاح والخروج منها – حسب الملاحظين- إلا بعد مرور خمس سنوات على الأقلّ على الرّغم من الكلام المعسول الذي يتبجّح به السياسيّون الإسبان بخصوص هذه الأزمة ، وينعكس ذلك سلباً على جاليتنا المقيمة فى هذه الديار ذلك أنّ معظمَهم كانوا يشتغلون في قطاع البناء الذي يعرف فى الوقت الراهن ركوداً قاتلاً، وأصبح عدد كبير منهم بالتالي عرضة للتسريح المجحف ،والإرتماء فى أحضان البطالة المقيتة. وحسسب الخبراءالمتتبّعين لهذا الموضوع فإنّ الحلول أو بعضها لا تبدو فى الأفق القريب، نظراً لإنعدام تواصل جاليتنا مع النّخبة السياسية الإسبانية،وعدم توفّر وسائل الدفاع عنهم وعن حقوقهم، الشّيئ الذي يجعل الكثيرين منهم ممّن كانوا يتابعون دراساتهم مضطرين للإنقطاع عن الدراسة،هذه الأزمة دفعت الحكومة الإسبانة إلى المصادقة على قانون جديد للهجرة غيرِ منصفٍ بالنسبة للمغاربة، مقابل السياسة التفضلية التي يحظى بها مواطنو بلدان أمريكا اللاتينية فى هذا القبيل.والحالة هذه ينبغي على بلادنا أن تنظر بعين الاعتبار إلى وضعيتهم الصّعبة، ومضاعفة الجهود لتقديم مختلف وسائل الدّعم، والمساعدة لهم مغتنمةً جوّ الوئام والتناغم السائد بين البلدين.

قضية الهجرة السريّة أوغير الشرعيّة

على الرّغم من الجهود الحثيثة المبذولة فى هذا المجال،لمحاربة أو جعل حدّ للهجرة السريّة واللاّشرعية التي تفاقمت بشكل مهول يدعو للقلق فى المدّة الأخيرة، ما فتئت التساؤلات تترى وتطرح عن الإجراءات، والخطوات التي إتّخذها أو ينوي إتخاذها المغرب لإيجاد الحلول المناسبة العاجلة والناجعة لمواجهة هذه المعضلة الإنسانية العويصة التي إتّخذت من المغرب جسراً وممرّاً، و ومقرّاً، ومستقرّاً لها من مختلف الجهات،والوِجهات ،ماذا تمّ حتى الآن فى هذا القبيل لمواجهة هذا الزّحف العرمرم نحو المغرب وإسبانيا الذي أمسىَ ينذر بعواقب قد لا تُحمد عقباها على المدى القريب فى مختلف الواجهات الأمنية ،والإرهابية،والإجتماعية، والإنسانية، والصحّية وسواها ..؟

مسألة طرد وإبعاد الموريسكييّن

الموضوع الخامس يتمثّل فى إشكالية طرد “الموريسكيّين” الأندلسيّين المسلمين “المُهَجَّرين”و “المُبْعَدين ” قهراً وقسراً من مواطنهم، والذين إستقرّ معظمُهم فى المغرب، وفى الجزائر وتونس (معروف أنّ العاهل الإسباني السّابق خوان كارلوس الأوّل سبق له أن قدّم إعتذاراً لليهود الذين أُبْعِدُوا من إسبانيا ،ولم يقم هو ولا خلفُه العاهل الإسباني فليبي السادس بنفس البادرة التاريخية حتى الآن مع المسلمين).ينبغي لإسبانيا أن تتحمّل مسؤوليتها التاريخية حيال هذ الحيف والتظلّم الذين لحقا بهم ،وجبرمحنتهم بعد النّبذ المُجحف الذي تعرّضوا له ظلماً،وعدواناً، وعنوةً وأُخْرِجُوا من ديارهم فى شبه الجزيرة الإيبيرية بدون وجه حقّ.

الطريق إذن ،على ما يبدو بين البلدين، ليس طريقاً مفروشاً بالورود والياسمين ، بل تعلوه كذلك مطبّات ، وفجوات،وتُعيقُه منعطفات، ومنعرجات ينبغي تذليلها،وتجاوزها، والتغلّب عليها بإرادة سياسية قويّة، وحكمةٍ، ورزانةٍ وثبات ،من الطرفين.

االقضايا،والإشكاليات،والمواضيع أعلاه هي جميعاً بمثابة ( نواقيس) رنّانة صادحة، نقيس بها مدى ضرب “النّوىَ” والبِعَاد أو”التقارُب” والتداني بين البلدين ! وهي ما فتئت تذكّرنا عند إنبلاج كلّ صباح ، بأنّه ما زالت هناك قضايا جادّة شائكة وعالقة ، وأمور ثنائية هامّة بين اللبلدين ،بعضها تمسّ السّيادة الوطنية فى الًّصّميم ، وهي قضايا ومواضيع ذات أبعاد عميقة، وعويصة، ومستعصية ، فمهما كان وُسْع قطرالغِرْبَال فإنه ليس فى مقدوره أن يَحْجُبَ عنّا شمسَ النّهار.. !

-كاتب من المغرب، عضو الأكاديمية الإسبانية – الأمريكية للآداب والعلوم –كولومبيا-.

 

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.