https://www.facebook.com/MoroccoTravelAgencySARL

أندية السينما..حنين الزمن الذهبي وأفق بعث جديد لثقافة المشاهدة

الرباط: نزار الفراوي (و م ع)
الأربعاء 02 يناير 2013 – 16:04

يتطلع عشاق السينما والغيورون على الثقافة السينمائية بالمغرب الى انطلاقة جديدة للجامعة الوطنية للأندية السينمائية ٬ التي جددت مكتبها مؤخرا بالرباط٬ تصل المستقبل بالماضي وتعيد الاعتبار لأنوية ثقافية وفنية ساهمت بسخاء في تشكيل جمهور واع للفيلم وبناء نخبة طليعية في السينما صناعة ونقدا وتذوقا.

بين زمن انتقال الفيلم الأوروبي والأمريكي والآسيوي والعربي عبر الحافلات والدراجات النارية ملبيا لهفة عشاق السينما في المدن والقرى النائية٬ وواقع الركود الذي تعرفه الجامعة الوطنية وعدد من الأندية المنضوية٬ جرت مياه كثيرة تحت الجسر٬ وبات الوضع الحالي عنوان انحسار أكيد في تقاليد المشاهدة السينمائية الواعية والنقاش الفني الفكري الجاد والتفاعل مع جماليات ولغات الفن السابع٬ من إنتاجات هوليود الى أقصى تخوم صناعة الفيلم عبر القارات.

وإن كان كثير من المهتمين بالشأن السينمائي يبدي استسلاما للوضع الذي آل إليه تداول المادة السينمائية في حضن الأندية٬ بالنظر الى تحولات موضوعية في نمط الاستهلاك الفني٬ مرتبطة بالانفجار التكنولوجي في مجال صناعة التسلية والترفيه وسيادة الطابع الفردي لتناول المادة الفنية٬ سينمائية كانت أو غيرها٬ فإن آخرين مازالوا مؤمنين بقدرة هذه المنتديات على استعادة المبادرة من خلال تصورات وأدوات عمل جديدة وعمليات تأهيل جذرية.

في انتظار ذلك٬ يعيش أحمد سجلماسي٬ خريج حركة الأندية السينمائية منذ أواخر الستينات من القرن الماضي بدءا بنادي الشاشة بفاس ٬ مرورا بأندية الفن السابع وايزنشتاين ونادي 72 ٬ وصولا الى نادي الركاب للسينما والثقافة بفاس٬ على حنين العصر الذهبي لهذه الإطارات الجمعوية التي استقطبت شرائح واسعة من الشباب المتعلم.

بالنسبة لهذا الناقد السينمائي٬ شكلت الأندية السينمائية وجامعتها العتيدة “جواسم ” منذ الستينات وعلى امتداد عقدي السبعينات والثمانينات بشكل خاص مدرسة للتكوين الثقافي السينمائي الرصين ٬ قبل أن تشرع هذه الحركة في التراجع منذ التسعينات بسبب تظافر عوامل ذاتية وموضوعية عدة ٬ لتصل الى الباب المسدود في الآونة الأخيرة.

لقد لعبت هذه الجمعية الثقافية الوطنية – يقول سجلماسي في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء٬ دورا رائدا في نشر الثقافة السينمائية بمختلف ربوع المملكة عبر عرض أفلام طلائعية ومناقشتها وتنظيم أسابيع للسينما المغربية والعربية وسينمات أروبا الشرقية وآسيا وافريقيا وأمريكا اللاتينية وغيرها ٬ “في زمن كان المغرب فيه يفتقر لمعاهد للتكوين السينمائي وكان نظامه التعليمي يقصي من برامجه ثقافة الصورة وكانت قاعاته الكثيرة شبه متخصصة في عرض الأفلام التجارية الأمريكية والأروبية والهندية والمصرية وغيرها”.

في هذا السياق٬ استطاعت ثلة من أطر الأندية السينمائية النشيطين أن ترسخ عشق السينما لدى أجيال متعاقبة وأن تتقاسم معهم ما راكمته من معارف وخبرات على مستويات التنشيط السينمائي والتدبير الجمعوي وتحليل الأفلام ومناقشة القضايا الفكرية المرتبطة بالفن السابع العالمي وتنظيم التظاهرات السينمائية واصدار المنشورات وغير ذلك ٬ مساهمة بطرق مباشرة وغير مباشرة في الرفع من مستوى الذائقة الفنية لشرائح عدة من المتعلمين والمثقفين وغيرهم.

ذلك الحراك الثقافي أفرز نخبة نوعية مازال لها الإسهام الكبير في صناعة السينما (مخرجون من أمثال ادريس شويكة وسعد الشرايبي) وتدبير شؤونها (نور الدين الصايل مدير المركز السينمائي المغربي) والتفكير فيها نقدا ومتابعة (مصطفى المسناوي وحمادي كيروم وفريد الزاهي وعز الدين الخطابي ومحمد بكريم…).

يتذكر الرئيس السابق للجامعة ومدير مجلة “دراسات سينمائية”٬ المختار آيت عمر٬ كيف كانت الأفلام السوفياتية والبولندية والبلغارية والبرازيلية ٬ وغيرها من السينمات الوطنية المتميزة٬ تجوب أنحاء المغرب٬ سنوات السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي٬ لتحط الرحال داخل أندية تشتغل بوتيرة أسبوعية منتظمة٬ خارج المراكز الكبرى٬ في جرسيف وغفساي والكارة وزاوية الشيخ وكلميم وتاوريرت وتاهلة وأولاد تايمة.

كانت الأندية السينمائية -يقول آيت عمر- تفسح أمام روادها فرصة مشاهدة ابداعات سينمائية أصيلة لا تتاح مشاهدتها بالقاعات التجارية نظرا لتهميشها من طرف نظام التوزيع السائد آنذاك٬ وتمكنوا بذلك من مواكبة تطور التيارات والمدارس السينمائية المختلفة والتفاعل مع أحدث المفاهيم والتصورات في صناعة الفيلم.

ويشدد المختار آيت عمر على دور الجامعة في التأسيس للحوار السينمائي الجاد من خلال تظاهرات مفصلية على غرار “ملتقى المغرب العربي للأندية السينمائية” بالمحمدية (غشت 1974) الذي أفرز وثيقة تأسيسية هامة بعنوان “النقد السينمائي في المغرب العربي” بالاضافة الى اطلاق تظاهرات رائدة مازال بعضها مستمرا الى اليوم٬ مثل مهرجان السينما الافريقية بخريبكة (1977) و مهرجان تطوان المتوسطي ( 1985).

حنين جارف الى تجربة باتت جزءا من ذاكرة جيل٬ أم إيمان حقيقي بإمكانية تجديد الصلة بما كان٬ ولو بآليات ومقاربات جديدة¿ يرفض الناقد السينمائي حميد تباتو الإشارات القدحية أو التأبينية التي تقفز على التاريخ في حقيقته وتعتبر أن المهام التاريخية التي أوجدت أندية السينما اختفت الآن.

حركية الأندية و إن كانت اختلت كثيرا بسبب شروط عديدة فيها الذاتي و الموضوعي – يقول تباتو- فان فعلها الآن و في المستقبل لا يعد ضرورة ثقافية فحسب بل ضرورة تاريخية تقتضي تجديد عمل الأندية وفق احتياجات الحاضر و المستقبل.

ويشخص حميد تباتو في ورقة حول الموضوع حالة الانحباس التي تعيشها أندية السينما بوصفها نتيجة شروط موضوعية وذاتية من قبيل تحولات المجال السمعي البصري٬و تراجع الاهتمام بأنشطة الجمعيات والأندية السينمائية٬ و انتشار القنوات الرقمية و الأفلام المقرصنة٬ وانحباس الفرجة السينمائية الجماعية عامة ٬وانشغال الأجيال الجديدة بأنماط ثقافية حديثة فضلا عن تراكم أخطاء في التدبير داخل مكاتب عديدة للجامعة وعدم المبادرة في ما يخص تجديد تصورات الجامعة والأندية.

هذه العوامل أفضت الى تراجع عدد الأندية العاملة بشكل كبير وتفسخ العلاقة بين الجامعة و الأندية السينمائية بشكل تدريجي٬ و انسحاب أندية من الجامعة أو تجميد عضويتها فيها والتفريط المجاني في موقعين ايجابيين كان بالإمكان استثمارهما لتطوير عمل الأندية وهما الشراكة مع وزارة التربية الوطنية و التعاون مع كتابة الدولة في الشباب.

ضدا على التبشير السوداوي بنهاية وظيفة النادي السينمائي٬ يحيل تباتو الى تجارب مازالت حية في أندية من قبيل مارتيل وسطات وإيموزار وسيدي قاسم والراشيدية وأزرو. نماذج يراها جديرة بالتأمل والبناء عليها لتجديد هذا الإطار من خلال عدة مداخل : الاصدارات الثقافية و مشاريع التكوين ٬ و بناء شراكات قوية وطنيا ودوليا ٬و تنظيم مهرجانات كبرى و مسابقات لإبداعات الهواة ٬وندوات فكرية نوعية ٬ و توثيق الذاكرة ٬و تكريس ثقافة الاعتراف.

بين التمسك النوستالجي بتجربة استثنائية و التطلع الى بعث جديد للثقافة السينمائية الجماعية٬ تبدو التجربة الجديدة للجامعة الوطنية للأندية السينمائية٬ بعد ثلاث سنوات من الجمود محكا حقيقيا لمستقبل إطار شكل مدرسة لولوج أسرار السينما وتقاسم متعة المشاهدة وتكريس الفن السابع كنافذة على العالم.

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.