https://www.facebook.com/MoroccoTravelAgencySARL

أي باكالوريا؟ لأي أفق مجتمعي؟

سنوات بلا توقف،متواصل برنامج تفريغ المدرسة المغربية من حمولتها البناءة،مما يسمح لك آنيا، التصريح بكل أريحية :أي باكالوريا؟لأي أفق مجتمعي؟فيسري صدى تساؤلك الإنكاري،بكل رنينه الجهوري،بين جدران فضاء مدرستنا،ثم تتضاعف مدارات التردد لانهائيا،مادام حيز الفراغ،كما آل إليه الفضاء،يمنح الصوت مجالا فيزيائيا مجسما.

لاأعرف بالضبط،مقدار الميزانية التي ترصد،من أجل الاستعدادات اللوجستيكية لاختبارات الباكالوريا.لكن،حبذا لو توقفنا لسنوات قليلة،بغية إعادة توجيه تلك الأموال، صوب خلق مؤسسات سيكولوجية وسوسيولوجية تهذيبية،تسائل ثانية كل المجتمع،بصدق وتجرد عن كل أنواع السفسطة حتى لايستمر نزيف الكلفة وضياعها، بغير نتائج نوعية تذكر،علميا ومجتمعيا : لماذا نذهب في سنة2014 إلى المدرسة؟كيف نحب المدرسة؟ ماذا نريد من المدرسة؟أي مجتمع نريده من المدرسة ثم للمدرسة؟.

منظور كيفي،سيعيد للمدرسة اعتبارها العلمي والرمزي،مانحا لمهام جسمها بشتى أطرافه شيئا من المعنى ،مادامت الوظيفة غدت بلا قيمة تذكر،فقط مجرد معاشية استرزاقية. سؤال،القصدية من التعلم،بالتالي، الوضع الطبيعي للمدرسة داخل السياق المجتمعي،هو من أدخل أوروبا إلى بوابة الحداثة.أما، وأن تصير المدرسة،مجرد حدوثة بلهاء،كما الأمر متواصل عندنا،فلاشك أنه إهدار لطاقات البلد البشرية والمادية.

أي قيمة معرفية وإنسانية،قد تحوي جينات ملامحها شهادة الباكالوريا،بل والدكتوراه ،بدون لعب بالكلام،وقاعدة الضحالة والغباء تتسع؟من بوسعه،أن يحتضن بصدق مزهوا،ومفتخرا بتلميذ من الجيل الحالي،نجح في الباكالوريا؟حتى لو حصل على واحدة من تلك المعدلات الفولكلورية،التي تكرس تقليدها مع السنوات الأخيرة،وصارت مثل المعدلات السوريالية، التي تنتخب بها الديكتاتوريات العربية،فالوضع محكوم بكثير من الانتفاخ المنغولي.

التلميذ المغربي المنتمي إلى الشعبة الأدبية،المترشح لاجتياز الباكالوريا،سيتصبب عرقا،كي يقرأ قراءة غير سليمة،نصا قصيرا،لأنه وقد بلغ نهاية السلك الثانوي،لم يمتلك بعد آليات القراءة،دون أن تطمع قليلا كي تطلب منه الكتابة،لأن ذلك يعد من معطيات المستحيل،وستكون مصابا بمس من الجنون، إذا توخيت منه مناقشة إشكالية.

تقول مثلا :((إن الشعرية العربية عند … )) ، فيرفع أحدهم أصبعه،ملحا عليك أن تؤكد له خبر:((الزيادة في المشروبات الغازية،أو المونادا،بتعبيره،من عدم ذلك؟))، بالمناسبة لايسخر،لكن مضمون حديثك لايهمه لامن قريب أو بعيد،هكذا تبقى ”المونادا”-ليس مونادات فلسفة ليبنتز-بالنسبة لحمولته المعرفية ونوعية التراث الذي استطاع مراكمته منذ سلك الابتدائي،أقصى مايشغل مخيلته في هذا الكون،ممتعضا، مشمئزا، من التأمل الفكري،ثم كل المرتكزات الجوهرية التي يمكن أن تمده برؤى حقيقية للوجود،مستمتعا في المقابل،وقد وجد ضالته الطبيعية تحت كنف نقاشات غارقة في الابتذال،كما الحال،مع الاستفسار التالي :((هل تعتبر هاته الأيام جيدة من أجل تناول الدلاح(يقصد فاكهة البطيخ الأحمر)أم يستحسن تأخير السعي،إلى وقت آخر؟)).أو ربما ينغمس في ثرثرة سرد لافتة،مستحضرا تفاصيل تسجيل هدف من طرف لاعب كرة يهتر باسمه،ضد فريق يكرهه.

التلميذ المترشح لمرحلة الباكالوريا، شارد كليا عن المنظومة الدراسية،ويلهث بحواسه ومشاعره،صوب كل شيء، إلا التحصيل العلمي.تحاول الفهم،فتلتمس منه جوابا مقنعا :((لماذا أنت هنا؟))،يقاطعك دون أن تكمل :((لاأعرف؟))،ثم في أحسن الأحوال :((أريد نقطة،فشهادة،ثم عمل)).

تعقب على كلامه :((حقوق واجبة،لا اعتراض، لكن يجدر أن تكون مشروعة،والسند الوحيد الذي يمنحها الشرعية،يكمن في مسوغ الاستحقاق.غير هذا،يمثل غشا،وبما أنكم تتطلعون في يوم من الأيام إلى مجتمع مغربي عادل يقدس العقل والعلم والحرية، يحترم مواطنيه، ينصف كل واحد من أفراده حسب ملكاتهم ومثابرتهم،واضعا الرجل المناسب في المكان المناسب،فبالتأكيد تعتبر المدرسة الورش المقدماتي،لإغناء المؤسسة المجتمعية،بمواطنين قادرين على تمثل ومن تم تكريس القيم العظمى للمدرسة،تعلما وتفعيلا…)).يرخي سمعه،محركا رأسه،يصمت قليلا،كي يقذفك بكلمة فاصلة، كما لو أن تجاوبه السابق،ألزمه واجب الاحترام لشخصك :((بيد أني لاأحب المدرسة ،لقد أضحت موضة عتيقة،فليس ضرورة التعلم،كي تكون صاحب مقام داخل مجتمعنا …)) . ينتابك إحساس مهيمن، بأن المنطلقات المبدئية متنافرة،لأن قانون الأجيال حاسم بهذا الخصوص،والنظام الإبستمولوجي متباعد بيننا،أنت من زمرة وهو من زمرة.

من جهته،التلميذ المغربي الحالي المنتمي إلى الشعبة العلمية،المترشح لاجتياز اختبار الباكالوريا،يشعرك من الوهلة الأولى، بوجود هوة عميقة تفصله عن مقومات الفكر العلمي.كيف يمكنه التعامل مع الكائنات الرياضية والفيزيائية،وهو لايعلم فكرة واحدة عن درس المنطق،بل يعلن بوضوح خلال أحاديثه العلنية والسرية كراهيته للفلسفة،أما تاريخ العلوم فلم يسمع عنه قط؟

خلال صمت الليل وسكينتك،تستعيد مقاطع السجال،تحاول فهم القائم،تخلص إلى أن الخلل بنيوي،وكل الأطراف الفاعلة ارتكبت ذنبا في حق المدرسة المغربية والأجيال المتمدرسة بصيغة من الصيغ،لكن جميعها يلقي باللائمة على كائنات غير أرضية،ربما فضائية كي تعيد المسار إلى مداره الصحيح.

وأنت الذي تبغي من هؤلاء الصبية، الاتصاف بالحكمة،و يكونوا عقلاء،فيظهرون موهبة غير عادية،وهم المهرة في ذكاء التقنية،يدمنون كل لحظة التقاط من زوايا مختلفة، حكايات “عقلاء”المشهد العام،غير العاقل بتاتا : سياسيون يتقمصون أدوار الكومبارس، في أفلام رديئة التوضيب والإخراج،كي يملؤوا المكان بلاهة وضجيجا،يتبادلون المواقع بينهم ضحكا وتفكها،فنضحك على ضحكهم،ويضحكون بدورهم على ضحكنا،ثم يضحك علينا العالم معا. مطرب،من الدرجة العاشرة في إحدى المواخير الليلية،يغني أغاني “أجرادة مالحة فين كنتي سارحة “، يحصي ثروته بالساعة الواحدة ويعيش عندنا أفضل من أستاذ للدبلوماسية الدولية في معهد ماساتشوستس.كاتب،يتحسس جيوبه دون أن يعثر على فرنكات يواجه بها غدر صحته… .

المدرسة المغربية قضية اختيارات سياسية كبرى واضحة،وهو الامتحان الأول والأخير،بغير ذلك ستظل الباكالوريا وغير الباكالوريا،مسألة عابرة.

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.