كنال تطوان / بقلم :
لم يكن في الواقع تنازل خوان كارلوس عن الحكم لولي عهده دون فليبي دي بوردون حدثا ذا وقع كبير لدى الساسة والشعب الإسباني، لأنه جواب لرغبة معبر عنها من ذي قبل، جهرا أو سرا بعد سلسلة من الهزات التي لحقت بالملكية نتيجة سوء تقدير بطلها الملك شخصيا أو بفعل الفضائح التي تورط فيها صهره أوردانكرين المشتبه في مشاركته الأميرة كريستينا، هذه الوقائع وغيرها و فعل الأزمة الاقتصادية عجلت بتقهقر شعبية الملك ومعها تراجع ثقة الإسبان في المؤسسة الملكية بعد أن كانت أكثر المؤسسات تقديرا في إسبانيا لسنوات.
ومهما يكن من أسباب دفعت بجزء من الشعب الإسباني إلى سحب ثقته في الملكية، وخاصة من جيل الشباب، الذي ولد بعد التوافق السياسي وفي عهد الديمقراطية، المعبر عن تأييده بمقتضى دستور 6 دجنبر 1978، ومن حسن حظ هذه الفئة من الشعب أنها لم تعش الحرب الأهلية ولم تذق ويلاتها وآلامها. فإن لا أحد من دون وغير أولائك الشباب لا ينكر أهمية الملكية الاسبانية، والملك خوان كارلوس شخصيا في إنجاح وضمان ديمومة واستمرار التوافق السياسي بين المكونات السياسية الإسبانية، وساهم في وحدة إسبانيا، ناهيكم عن دوره الريادي في إنجاح الانتقال الديمقراطي عن طريق دعمه للإصلاح السياسي والاقتصادي وسعيه لتحديث إسبانيا وانضمامها إلى الاتحاد والمؤسسات الأوروبية.
وقد كان للأزمة الاقتصادية التي تعصف باقتصاد إسبانيا ومجموعة من الدول الغربية منذ 2008، وسفر الملك خوان كارلوس إلى بوتسوانا لصيد الفيلة في عز الأزمة، الدور الكبير في ولادة وبروز انتقادات صريحة و علنية ولاذعة للملك خوان كارلوس بسبب إحساس الإسبان بعدم تضامنه معهم في وقت ما أحوجهم للدعم والمؤازرة، وهي الفرصة التي انتهزتها جهات وشخصيات سياسية محسوبة على اليسار بترويجها لفكرة مضمونها، أن الملك تخلى عنهم ولا يكترث إلى أتراحهم ولا يلتفت إلى آلامهم، وراح يبذر الملايين في صيد الفيلة، وهو ما دفع الملك خوان كارلوس مرغما على طلب السماح والمعذرة من الشعب الإسباني ووعدهم بعدم التكرار.
إلا أن القرار الصعب للملك، بالاعتذار للشعب، والذي لم يكن مألوفا وليس من عادة وسلوك وتصرف الملوك، في مقابل ذلك فإن محاولات الملكية بالمزيد من الانفتاح على فئات الشعب عن طريق الإعلان ونشر أجور الأسرة الملكية، هي إجراءات لم تنه وتحد من متاعب الملك، والتي ضاعفها ضلوع صهره أوردانكرين وابنته كريستينا في فضيحة فساد مالي بمنظمة نوس، وتشبث القاضي خوسي كاسترو وقناعته بوجود أدلة تدين الأميرة بجريمة المشاركة مع زوجها اوردانكرين في جريمة الفساد، والمتابع من أجلها، في انتظار تثبيت المتابعة في حقها، وما ينتظر الملكية من تشهير إعلامي أكيد أثناء المحاكمة المنتظرة، لا محالة سينال من ثقة الإسبان في الملكية أكثر.
وهو ما جعل النخبة السياسية في إسبانيا تتداول تنازل الملك خوان كارلوس عن السلطة لابنه وولي عهده فليبي السادس سرا، أما الإعلام الإسباني فكان يتناول الموضوع على استحياء وخجل في حين بات الشارع يردد مطلب تنازل الملك عن السلطة ما بين 2012و2013. في حين صرح الملك اثناء خطابه في بوينا نوتشي وفي ميلاده 75، بأنه أضحى أكثر نشاطا وحيوية وكله إرادة قوية لممارسة اختصاصاته وتجسيده ذلك بتكثيف حضوره وظهوره وكثرة تنقلاته وسفرياته الخارجية، التي يغلب عليها الطابع الاقتصادي، إلى حد وصفه بسفير العلامة الاسبانية للاقتصاد الإسباني ومرافق المستثمرين الإسبان بامتياز. ونذكر منها زيارته للمغرب حيث نجح بذلك في أفول إشاعة تنازله من التداول الشفهي والإعلامي.
ويظهر من القرار الحالي للملك خوان كارلوس بالتنازل لصالح ولي عهده فليبي أن استراتيجية الملك خوان كارلوس كانت تدور حول نقطتين :
1- نزع فكرة التنازل من التداول في الشارع دون أن تفارقه شخصيا وتحينه الفرصة المناسبة لإجراء القرار والإعلان عنه درءا لإشاعة انه مكره ومجبر تحت ضغط الشارع.
2- ضمان سلاسة الانتقال من الناحية السياسية، ولبلوغ ذلك الهدف فقد تعمد الملك الرفع من درجة وإيقاع العمل والحضور الشخصي أمام المؤسسات وفي المراسيم، بحيث تمكن من تسلق 0.04 درجة في معدل الثقة لدى الإسبان بين آخر استطلاع أجراه مركز التحقيقات السوسيولوجية لسنة 2013، ب3.68 واستطلاع أبريل ب3.72.
وعلى ما يبدو فان الانتخابات الأوروبية لـ25 مايو الماضي، والتي أسفرت عن نتائج غير سارة ليس في إسبانيا فحسب، حيث حصل الثنائي الحزبي المتداول على رئاسة الحكومة باسبانيا الحزب الشعبي والحزب الاشتراكي على ما دون 50%، وهي أسوأ نتيجة منذ 1977، وقد يكون خوان كارلوس تفطن إلى ما قد تكون عليه نتائج اقتراع السنة المقبلة 2015 من نتائج من المحتمل أن تزيد في تراجع الحزبين اللذين يحضيان بثقة الملك، فاختار وانتقى بذكاء وعناية فائقة منتصف الولاية البرلمانية الحالية بالذات لإعلان التنازل، حيث يشكل الثنائي الحزبي المذكور في البرلمان ذا ثقة الملك مجتمعين 81% ، وهي نسبة ستضمن له التصويت على مشروع القانون بانتقال السلطة يوم الأربعاء المقبل ، وسيعتمد في ذلك على الفريدو روبالكابا القريب من خوان كارلوس، ورئيس الحزب الاشتراكي.
وهي الدوافع والحسابات التي أظهرت صحتها تصريحات كل من الفريدو روبالكابا بأن الملك ساهم في تعايش البلدEl Rey culmina así un reinado que ha estado presidido por su compromiso inquebrantable con la democracia y con los derechos y libertades de todos los españoles”, ha dicho. “El Rey ha asegurado la integridad del Estado, ha preservado el funcionamiento de las instituciones y ha sido un factor clave en la cohesión de todos los ciudadanos en torno a un esfuerzo colectivo de paz, libertad y bienestar social, el mejor período de nuestra historia moderna”.
وتصريح رئيس الحكومة ماريانو راخوي بأن الملك داعم الديمقراطية ولديه كامل الثقة في ولي العهد فليبي السادسFue el principal impulsor de la democracia, supo ser su baluarte cuando la vio amenazada. Ha sido el mejor portavoz y la mejor imagen del Reino de España, defensor infatigable de nuestros intereses”. “Renuncia al trono una figura histórica tan vinculada a la democracia española que no se puede entender la una sin la otra. A todos nos deja una impagable deuda de gratitud”, insistió….Quiero trasladar mi firme confianza en el Príncipe de Asturias. S.
كما أن تصريحات قادة اليسار الداعين إلى الاستفتاء حول الملكية تؤكد صحة الهواجس التي سعى خوان كارلوس إلى تفادي المغامرة في تراخيه وانتظاره زمنا ووقتا آخر غير الحالي والصعوبات التي قد تعترض انتقال السلطة ولو توصف بالرمزية لابنه فليبي، وهي الأسباب السياسية الحقيقية التي طبعت التنازل بعيدا عن ذريعة وحيثيات أنه من أجل وفي سبيل مزيد من حداثة إسبانيا Hoy merece pasar a la primera línea una generación más joven, con nuevas energías, decidida a emprender con determinación las transformaciones y reformas que la coyuntura actual está demandando y a afrontar con renovada intensidad y dedicación los desafíos del mañana.ولأسباب صحية بعد سلسلة من العمليات الجراحية التي خضع لها الملك.
ولا شك قرار التنازل عن العرش يبدو صعبا على ملك قد يكون أدمن السلطة لمدة 39 سنة، لكن يبقى قرارا ضروريا لاستمرار علامة الملكية بين الشعب الإسباني.
*خبير في القانون الدولي ومهتم بالشأن الإسباني