https://www.facebook.com/MoroccoTravelAgencySARL

الجامعة المغربية بين المقاربة التربوية والمقاربة الأمنية

كنال تطوان / بقلم :

من الطبيعي جدا أن تكون هناك تخوفات من سلوك الإدارة الرامي إلى عسكرة الجامعة، في مغرب ما بعد دستور 2011 والذي أعطى أهمية خاصة لمسألة الحقوق والحريات.

ومع التفهم الكامل لسلوك الإدارة المرتبط بمحاولة تحصين الفضاء الجامعي من كل ما من شأنه تعكير صفوة الطلبة من خلال ما تقدم عليه بعض الفصائل الطلابية أو الأشخاص الذين لا يتوانون في بعض الأحيان للقيام ببعض الأعمال التخريبية أو الإجرامية التي تؤثر سلبا على الفضاء الجماعي وعلى السلامة الجسدية للطلبة.

إلا أن تواجد بعض رجالات الأمن من داخل الحرم الجامعي، قد يدفع إلى خلق بعض الانكماش في صفوف بعض الطلبة الذين هم في حاجة ماسة لتكوين نوع من الاستقلالية في شخصيتهم لكي يقطعوا مع بعض الموروث الثقافي السلبي الذي كان يدعوهم إلى الاهتمام فقط بدائرتهم الضيقة وبدروسهم (الديها فسوق راسك وفقرايتك)، على حساب ما يمكن أن توفره الجامعة من إمكانيات فيما يخص انفتاح الذهن والآفاق وعلى الاهتمام بالشأن النقابي والسياسي.

وهو تكوين تكميلي مفيد قد لا يقــــــل أهمية عن ما يمكن تحصيله من معارف أكاديمية من داخــــــــل أروقة المدرجات بالجامعة، إذ بإمكان “الساحة الطلابية” أن تمنح الطالب بعض المهارات في جانب التواصل، وفي تملك اللغة واستعمالها، وبالخصوص فيما يخص الانفتاح على الآخر واكتساب المفاهيم التي لها علاقة بالدمقرطة، بحقوق الإنسان وبتملك ملكات وآليات الاختلاف. كما قد يرجع الفضل للساحة الجامعية في ربط الطالب بمحيطه المحلي والإقليمي والدولي من خلال تفاعل الطلبة مع مجمل المستجدات ومع بعض المحطات التاريخية الحافلة التي يزخر بها الوطن أو الأمة العربية والإسلامية، وفي توسيع دائرة اهتماماته ومداركه. وهو ما قد يكون له انعكاس إيجابي سواء في الرفع من نسب الانخراطات في مجمل الهيئات أو المنظمات المدنية الحقوقية أو الحزبية أوفي الرفع من نسب المشاركة في أية استحقاقات انتخابية، أو عبر المساهمة في تشكيل جزء من الطبقة السياسية التي تدير الشأن العام في المستقبل والتي يشكل الطلبة أحد أعمدتها ودعاماتها.

من شأن مجمل هذه المساهمات الإيجابية التي قد يسديها “البعد النضالي” من داخل الجامعة، أن يدفع الإدارة لمحاولة إيجاد “الصيغ التربوية” المناسبة للحد من أية انحرافات وتسيب قد يلحق الفضاء الجامعي أو التحصيل العلمي والتربوي أو كل ما من شأنه أن يوقع الأذى سواء بالطلبة، بالطاقم الإداري والتربوي أو بممتلكات وأجهزة وعتاد الكلية. حيث تمتلك إدارة الجامعة قدرة كبيرة للتحكم في جزء كبير من هذه “الانحرافات” عبر إقرار “نظام داخلي” جد صارم يشارك في صياغته بالإضافة إلى الطاقم الإداري والتربوي للجامعة، هناك حيز هام يمكن أن يضطلع به الطلبة أيضا، كنوع من إشراك جميع مكونات الكلية في صناعة البيئة المناسبة للعيش التربوي السليم والمشترك، ويكون هذا النظام متضمنا للعديد من التدابير والمقتضيات التي تمنع أية انحرافات كالتي سبق وأن أشرنا إليها من قبل.

وهو ما سيمكن من تفعيل أدوار “اللجان التأديبية” التي سيصبح ضمن مهامها الانكباب على مثل هذه الانحرافات أو الخروقات التي تبتعد بشكل كبير على “سقف المسموح به”، مما سيسعف الكلية لكي تكون في تفاعل دائم مع الحركية التي تعتمل في داخلها، وسوف تتجاوز فيه موقف السلبية وعدم اللامبالاة أمام بعض السلوكات التي لا يمكن السكوت عنها بأي حال من الأحوال. وهو ما سيمكن إدارة الكلية من تحريك الآليات والضوابط القانونية الداخلية الاستباقية والزجرية أمام أي طالب تجرأ على “إدخال” أو “حمل” السلاح الأبيض مثلا من داخل فضاء الجامعة أو سمح لنفسه أن “يعلق” بيانا أو بلاغا يتضمن تعابير ومفردات إرهابية تدعو إلى القتل أو تتوعد الطلبة بالوعد والوعيد. المهم أن النظام الداخلي للجامعة بإمكانه أن يقدم خدمة محترمة في سبيل القضاء على مستوى كبير من أمور العنف داخل الجامعة. وهو ما يدعو الإدارة لكي تسارع إلى تفعيل هياكلها بالشكل الذي لا تبقى أدوارها منحصرة فقط في حدود الاهتمام “بالشؤون الإدارية الطلابية”، إذ بإمكانها تقديم الشيء الكثير في ما يخص معالجة العديد من الاختلالات والانحرافات في “الحياة الجامعية” للطلبة أيضا.

على أن يبقى في الأخير، وبعد أن تكون المقتضيات الداخلية للكلية قد استنفذت، الركون إلى جهاز الأمن من خلال الضرب من حديد على كل من تسول له نفسه الاعتداء على الجامعة وعلى حرمتها وعلى العيش في أمن وأمان من داخل الفضاء الجامعي. وبحكم أن الحفاظ على الأمن والأمان وعلى رفض العنف والإتلاف لا تندرج ضمن مهام إدارة الجامعة لوحدها فقط كما يمكن أن يعتقد البعض، بل تشكل أيضا و يمكن إدراجها ضمن المطالب الحيوية للطلبة كذلك، وهو ما يؤكده حجم “التعطش” الذي قد تبديه بعض الطالبات أو الطلبة فيما يخص الحاجة إلى الإحساس بنوع من الأمن من داخل الجامعة. ولذلكم كان من الأفيد وقبل إقرار المذكرة المشتركة بين وزارة التعليم العالي ووزارة الداخلية في حفظ الأمن داخل الجامعة، كان من الأفيد لو كان ذلك بإشراك الطلبة والأساتذة في صياغة بعض بنود هذا الاتفاق لأنه “اتفاق منهم وإليهم”، وسيساهم في تقنين تدخل رجالات الأمن وفق قواعد وشروط محددة سلفا حتى لا يتم الانحراف عن الهدف المتوخى من عملهم النبيل وحتى لا يتم خلق تخوف من نوع آخر تخوف من النشاط الطلابي السلمي الذي من المفترض أن من مصلحة الجميع أن يحافظ على استمراريته وعلى الإبقاء على شموعه متقدة، وليس هنالك من داع لأن تحصل هناك أية ردة على هذا المستوى.

إذا ما نحن سلمنا بصحة نوايا وأقوال السيد وزير التعليم العليم، فإن الأمر ربما سيمشي على هذا المنوال وسيكون رجالات الأمن جزء من الحل عن إشكاليات قائمة حقيقة، غير أنه لا قدر الله وأمام أي التفاف على حقوق الطلبة في النضال السلمي وعلى حرياتهم، بحكم دخول وزارة الداخلية على الخط، فإن الأمر سوف لن يبقى محصورا في عالم الطلبة وبين جدران الجامعة، سيكون للأمر علاقة بضرب نضالات المجتمع المدني وبالمكتسبات التي تم تحقيقها في مغرب ما بعد دستور 2011، وعلى الوجه الذي تريد أن تظهر به الدولة العميقة في نسختها الجديدة لزمن ما بعد الربيع. وسنتأكد ساعتها بأن “فم سيادة الوزير” قد تم استغلاله بشكل جيد وأن وزارة الداخلية قد أتقنت فن المرور منه وعليه وتركته غارقا ومتخبطا في رائحته. وهو السيناريو الذي لا نتمنى صادقين وقوعه لمغرب الغد، علما بإن غدا لناظره قريب.

– باحث في المشهد السياسي

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.