https://www.facebook.com/MoroccoTravelAgencySARL

من حقي أن أحلم

جرت العادة أن أذهب إلى مدينة العرائش مرة كل أسبوعين أو ثلاثة لأصل الرحم مع الوالدين والمقربين والأصدقاء. وبينما كنت أنتشي بجلسة في مقهى “فالنسيا” بصحبة الوالد وبعض أصدقائه خلال زيارتي الأخيرة للمدينة، سألني بغتة: لماذا لم نعد نرى مقالاتك في منبرك الصحفي المعتاد؟ فأجبته بتلقائية وشيء من التسرّع بعد برهة قليلة من التفكير: ما الذي يمكن أن يكتبه المرء في هذه الأيام الغريبة؟

قال لي بنوع من التفهّم لمقصدي من الجواب: لقد لاحظت أن كثيرا من الكتاب الذين كانوا يكتبون مؤخرا حول إصلاح الشأن العام وحول إصلاح المؤسسات الحزبية على الخصوص قد كفّوا عن الكتابة وكأن اليأس قد أصابهم أو شيء من ذلك القبيل. فأتممت حوارنا القصير بالقول: إن الذي يكتب أفكارا ومواقف تهمّ الجماعة والناس إنما يكتبها ليكون مؤثرا فيهم وليدفعهم إلى توجيه فكرهم توجيها مستقيما أو عقلانيا. وأما إذا لم يلمس الكاتب أو المثقف العضوي أي تأثير لثقافته في الناس _بعامتهم وخاصتهم_ فإنه يحسّ بعدم جدوى قلمه وبالتالي فإن مداده ينفذ أو ربما يفسد.

بعد ذلك غيّرنا الموضوع ورحنا نتكلم في أمور أخرى عابرة. لكنني لم أتوقف عن التفكير في ذلك السؤال المباغت، خاصة أنه صدر من رجل كنت أعتزّ بتوجيهاته وآرائه بخصوص ما أصدرته من مواقف شتى حول السياسة العامة وحول مختلف المواضيع التي كنت أتناولها في مقالاتي. فعدت لأطرح السؤال على نفسي لأول مرة بعد مرور أيام طويلة من عقم القريحة: لماذا أقلعت عن الكتابة؟

قلت مع نفسي: أنا لست داعية أو زعيما سياسيا حتى أربط قريحتي بتفاعل الناس وتطور الأحزاب والمؤسسات. أنا أكتب فقط لأكون إيجابيا في اتخاذ مواقفي ومتفائلا في تصوّر ما تؤول إليه الأمور في محيطي وفي الحياة العامة. أكتب فقط لكي أبسط أحلامي أمام الملأ ولكي أشاطرها مع غيري.

لقد كنت أحلم مثلا بأن تستفيق جماعة من الناس من غفلتها داخل حزب سياسي كان يعتبر كبيرا في وقت من الأوقات. وكنت أتمنى أن تجد تلك الجماعة التي شاركتها في الانتماء التنظيمي طريقها إلى التخلص من تيهها الجماعي المنظّم أو المحكم التنظيم. وقد قيل لي وقتها: إنك تهدر وقتك وجهدك في ما هو مستحيل. قيل لي كذلك: إنك تريد أن تزرع وردة يافعة في أرض فاسدة وغير قابلة للزراعة. لكنني ألححت على بسطي أحلامي وطالبت الجماعة بأن تقوم بنقد ذاتي وموضوعي تمليه عليها ظروف المرحلة.

كان أملي كبيرا بأن يكون هناك حراك فكري حقيقي داخل مؤسسة الحزب وفي قلب الجماعة فتتمخضّ من ذلك زبدة نقيّة قادرة على استجلاء العبث من السياسة وبغض الاستغلال الفردي الدنيء داخل العمل الحزبي وإن بأشكال نسبية. لكن الذي وقع هو أن المخاض الحقيقي لم يكن فكريا وإنما كان تنظيميا أجوفا في مضمونه فصار التيه الجماعي لازمة لا مفر منها بل إنه أصبح فوضويا لا يعرف له اتجاها بدلا من حالة التنظيم المحكم التي كان عليها. وأما الفساد فقد صار أقوى ممّا كان عليه فسادت خطابات العبث والاستهتار على كل الخطابات الباقية. وطبعا، ليست الأيادي الخفية ولا العفاريت هي من صنع العبث في الحزب ولا في البلاد لأن العفاريت ما هي إلا محض خيال يجسّده عجزنا عن ملامسة الواقع. لذلك فإن المسؤولية في ذلك تتحملها الجماعة ولا أحد من دون الجماعة.

كنت أحلم بأن أرى في المغرب أحزابا قوية ومستقلّة في قراراتها. أحزابا قادرة على صنع الحلول والاستجابة لحاجات الناس وانشغالاتهم بنضال مجرّد من الأنانية والطمع. لكن النتائج التي توالت ومازالت تتوالى في مؤتمرات الأحزاب المغربية تبيّن أن العكس هو الصحيح. تلك هي الديمقراطية العددية التي تمنحنا ما نستحقه بصفتنا جماعة تتشكل من أغلبية وأقليات.

ربما هو زمن الشعبوية كما يقولون وإن كنت أتحفّظ من تلك المصطلحات التي تستحوذ علينا من حين لآخر. فلننتظر ما ستسفر عنه الأيام في زمن كهذا. 
وفي خضمّ الانتظار أقول بصوت عال: من حقي أن أحلم ومن واجبي أن أكتب.

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.