كنال تطوان / بقلم : الطاهر الطويل
لم نكن ندري أن التلفزيون صار له دور جديد يتمثل في «التحفيز الغذائي» حتى شاهدنا «شهويات شميشة»، وقبله شاهدنا «مائدة» الإعلامي والفنان الراحل عبد الرحيم بركاش. ورغم أن برنامج «شميشة» ذو طابع شائق وجذاب، فإن العديد من المشاهدين المغاربة ممن لا حول لهم ولا قوة يشاهدونه بـ«عين بصيرة ويد قصيرة»، بحكم أن بعض الوصفات التي يقترحها لا تتيسر لهم لغلائها الكبير. ولكن على الأقل، كما يقول المثل العامي المغربي: «اللي ما شرا.. يتنزه».
شعبية برنامج «شهويات شميشة» لم تقتصر على المغرب فقط، بل وصلت حتى إلى الجزائر، متخطية الحدود المغلقة بين البلدين الجارين، وذلك دون حاجة إلى تأشيرة. ويبدو أن روح المنافسة اشتعلت في نفوس بعض الأشقاء الجزائريين ممن يملكون المال، فلم يكتفوا بإنتاج برنامج واحد للطبخ على غرار ما تفعل «شميشة»، وإنما جمعوا برامج عديدة للطبخ والديكور وفن العيش وغيرها ثم أدمجوها في قناة نسائية متخصصة أطلقوا عليها اسم «سميرة» تبث طيلة اليوم.
ونظرًا لأن برنامج «شهيوات شميشة» يثير الاشتهاء البطني، فيُنصح أن يُكتب أسفل الشاشة عند بثه: «لا يُنصح تتبعه من طرف النساء الحوامل اللائي يعانين من الوحم».
لكن، المشكلة أنه حتى ولو طُبّق هذا الاقتراح، فإن «المتوحمات» يعانين من قصف تلفزيوني مكثف ومباشر نحو المعدة، ومصدره الإعلان التلفزيوني الذي كان يُبثّ يوميا ـ خلال الأسابيع الماضية ـ داعياً المواطنين إلى استهلاك السمك، تحت عنوان عريض «حوت بلادي».
والمتأمل لهذا العنوان قد يفهم بأن المغاربة يستهلكون «حوت» بلدان أخرى، والحال أن الكثير منهم لا يجدون سبيلا حتى إلى «حوت بلادهم»، أولا لثمنه الباهظ، وثانيا لعدم توفره بكثرة وبأنواع متعددة في الأسواق. وهذه أم الغرائب في بلاد المغرب التي تتوفر على 3500 كيلومتر من السواحل وعلى العشرات من موانئ الصيد والموانئ التجارية.
فعلى من يضحك أصحاب الفقرة الإعلانية التلفزيونية «حوت بلادي»؟ والجميع يعلم أن ما يدخل إلى الأسواق من أصناف سمكية تعد باهظة الثمن، بما فيها السمك الشعبي المعروف بـ«السردين». والجميع يتداولون سرا وعلانية أن السمك الذي يُصطاد من أعالي البحار قد يكون مُحتكرًا من طرف المنتفعين من اقتصاد الريع، وهو ما حدا بالنائبة البرلمانية الصحراوية كجمولة منت أبي (قبل بضعة أشهر) لأن تطالب ـ تحت قبة البرلمان ـ وزير الفلاحة والصيد البحري بالكشف عن لوائح المستفيدين من رخص الصيد في أعالي البحار.
«حوت بلادي» فقرة لا تستفز النساء الحوامل فقط، بل جل المغاربة، ولاسيما الذين يشاهدون السمك بمختلف أصنافه في التلفزيون فقط، ولكنه لا يلج بيوتهم قط.
الظاهر أن هناك حوتا ضخما هو الذي يبتلع الحيتان الصغيرة!