كنال تطوان / بقلم : محمد حسيكي
كانت طرق المواصلات البرية القديمة، بين الحواضر الاجتماعية والإقليمية والقارية، قبل اختراع آليات النقل الميكانيكية واستعمالها في المواصلات البشرية، تعتمد على حيوانات الركوب والحمل والنقل، بين مختلف البراري الأرضية واشتهرت من تلك العهود طرق تاريخية قديمة كطريق حج الروم : بين روما – بيت المقدس العابرة لوسط أوروبا عبر الأراضي العثمانية وبلاد الشام، وكذا الطريق القطرية الرابطة بين الكوفة – البصرة، وطريق الحجيج الإسلامي بين مكة – المدينة وطريق مراكش – فاس بالمغرب الأقصى، ومن الطرق التاريخية الشهيرة طريق الحرير والتحرير بين الصين والعالم العربي عبرطشقند وإسطامبول وفارس والشام، وكذا طريق الفاصل البري من ترعة سيناء بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر قبل إحداث قناة السويس البحرية، وطريق العاج الإفريقي بين تامبوكتو – سجلماسة……إلغ ذلك من الطرق التي ارتبطت بالقوافل التجارية والبعثات الدينية والوفادة الديوانية التي كان يقطعها الإنسان بالحيوان، كالوافد الرحال إبن بطيوة المسمى سيدي أبو حاجة : من قوله في طريق الحريرمن حائط الصين العظيم :
السين والسين في يده مريرة *** هو ميت ويشرب الحريرة .
الرجل الذي قطع طريق الحرير من المغرب الأقصى إلى بلاد الصين، لربط العلاقات مع العديد من الحضارات من بلاد السند والهند والصين، عهد علاقات البلاد العربية الإسلامية وحضارة البلاد المنغولية الصينية، يوم تحرير بلاد المقدس من القوات الصليبية، وهناك من كان يقطع مسافة الطريق سيرا على الأقدام، من الرحلات القصيرة كما هو شأن الرقاص بين مراكش – فاس، وهم سعاة الرسائل الشفوية ورجال الروابط الأسرية .
وكان الإنسان المغربي يتزود بالأساس خلال أوقات السفريات والرحلات بحمولات زاده اليومي من الأطعمة والمواد الغذائية الشبه الجافة والمجففة لمواجهة متطلبات الطريق وحاجيات قطع المسافات، خاصة أن أسواق الحواضر القديمة من قصبات وقلاع وإنزال القوافل، لم تكن توجد برحاب محيطها محلات تجارية للمأكولات والأطعمة، بل كان كل إنسان يهيئ غذاءه بنفسه لتلبية احتياجاته الذاتية من رحلاته وسفرياته .
ومن هنا أعددنا جردا تقريبيا لزاديات فترة زمنية من حياة البشرية، كانت عادية من مجرياتها اليومية لكنها قيمة جدا من زمننا عن تلك الحقب التي نقرب منها، أجيال زماننا التي قطعت أشواطا من التطور والتقدم العلمي والحياة الكريمة جعلتها بعيدة عن معرفة حقب غابرة مرت منها البشرية، كدا باليد قبل ظهور الآلة، وعرقا بالجبين قبل احتساب الوقت بالهنيهة .
لذا ، نتطرق في سلسلتنا هذه إلى الفطائر الجافة التي تستعمل وتصلح لأوقات العمل والسفر كزاد غذائي صالح للحمل ويحافظ على استمرارية استعماله لمدة لائقة، ويتحمل عبور المسافة في ظروف مناخية متغيرة بين القارات من البرية والفصول الطبيعية، قارية ومدارية وعاصفية واستوائية .
ومن هذه الزاديات : العجائنية المصبرة، و الطحينية المحمصة، وأيضا الحبوب المحمرة، وكذا اللحوم المجففة :
العجائنية المصبرة، منها خبز الملة، القريصة المحلاة أو البلبول المحلى، التريد الجاف، المدهوصة، الحرشة، التنورة الجبلية والكثبانية .
خبز الملة : تهيئ هذا النوع من الخبز المغربي يتم بالشكل المحلى وهو خاص بالأسفار والرحلات في عهود ماقبل ركوب الآلة، بل هو نمط من عيش الأسر الحاكمة، كما يدل على ذلك إسمه المتداول عبر حقب من الأزمنة .
وهذا النوع من الخبزالمحلى قد يكون في حكم المندثر من التقاليد، إذ كان العمل به جاريا على عهد السفر على الركب الحيواني، الخاص بأهل الوفادة من الموالي إلى أسر شريفة حاكمة من الأسباط الذين أسسوا مدينة سبطة والذين نزح الأولون منهم إلى مراكش قيد حياة أبو العباس السبتي، والقاضي عياض المراكشي بينما نزل المتأخرون منهم عهد الحقبة الاستعمارية من حياة السلطان المولى عبد الرحمان بحي السبتيين، وإخوتهم من اكناريات سوس بحيي القناريتين .
تحضيرالملة : تحضر من السميد والدقيف الصافي والماء الدفئ والذهون الحيوانية والمحليات، التي تواجدت بالمغرب من العهد السعدي، ويتم طرقها على قدر قعر الطبق .
تزين بزلال بيض الدجاج البري، على شكل الكعكة السنوية الميلادية، على ماجرى عليه التعايش البشري بين أهل الديانات السماوية بين الحضارتين العربية والأيبيرية من البلاد الأوربية .
أما طهيها بالبلاد المغربية فيتم بطرقة خاصة، يعمق فيها مكان الطهي من الأرض على شكل دائري بقدر سنتمرات وافية لحجم العجين وطهيه من مكان نقي متماسك التربة ثم يوقد موقد الطهي إلى أن تستعر حرارة العمق جيدا إذ ذاك يفرغ من النار وينظف الموقد جيدا حيث تطرح فيه الملة ويغلق عليها بالطجين الطيني مقبوا على العجين الدفين حيث توقد فوقه نار الموقد وتتم عملية الطهي بطريقة عكسية فوق طجين الخبزحيث تنضج الملة منتفخة فتية شهية نعم الزاد و المأكل .
الحرشة : يجري تحضيرها بالسميد الرقيق والدقيق ويتم عجينها بالماء الدفئ وقليل من الملح إضافة إلى الزبد الذي يعطيها نوعا من الهشاشة بعد النضج تحضر على شكل خبز قرين بالفطائر لخلوها من الخمائر يتحمل طول الوقت للحفاظ عليه كزاد لسفر رجال القوافل التجارية أوالترحال بين المناطق في شكل جماعات عاملة أو بعثات الخدمات .
المدهوصة : خبز يعتمد عجينه على السميد الرقيق الخالص الذي يهيؤ على شكل عجين وذهن وقليل من الملح غير مدلوك يتم جمعه من حلاب أو قدر حتى يتجانس عجينه ويصبح قابلا للخبازة بالسميد الغليظ مع إضافة الذهن والسميد الأحرش ويكون من حجم على قدر طجين موقد الطهي يتم نضجه على الوجه الأول، ثم يقلب من الطجين على الوجه الآخر في طبق ليرد إلى الطجين لإكتمال النضج الأخير، وبعد أن تنفطر حرارته، يكسر من تصلبه من الطهي إلى فتات صغير، ثم يوضع ثانية في كسكاس الفور، ويرد على قدر المرق، ليفور ويذهب منه تصلب الطهي ، عند ذاك يطرح في إناء التقديم ويسقى بالمرق، يعلوه لحم الفراخ المطهوة بالتوابل العطرة ويقدم كطبق الرفس من الكسكس.
العصيد : يغلب على تحضير العصيد إعداده من الدشيش الذي يستخلص من غربلة طحين الشعير، أو دشيش الذرى، أو الدخن اللين المسمى : إيلاين، نسبة إلى نيل السودان الإفريقي، عرفه المغاربة على عهد المنصور الذهبي حيث يوضع بالقدر ماء يجري غليانه ثم يصب الدشيش علي الماء الفائر شيئا فشيئا مع التحريك رويدا رويدا حيث يبدأ الدشيش في التخثر والتماسك مع بعضه البعض إلى أن يصبح عصيدا ناضجا، بعد فتوره قليلا من حرارة الطهي يفرغ في إناء التقديم ويوضع في وسطه دهن نباتي كزيت الزيتون أو ذهن حيواني كالزبد أو السمن، يتم تناول وجبته دافئا قبل زوال حرارته .
أكلة بداز : اشتهر هذا النوع من الغذاء، عند آل إبراهيم من أهل الحبشة وبلاد السودان الإفريقي، وارتبط عند أهل اليمن من الملك أبا القيس، هو طعام من الذرى، يفور كالكسكس على قدر من الماء والمرق يحضر بالخضر واللحم، أو يهيؤ عصيدا جافا كطعام الصكوك من دشيش الشعير أو سميد القمح، يتم تناوله بعد سقيه بالمرق، أو باللبن، خفيفا على الأبدان .