https://www.facebook.com/MoroccoTravelAgencySARL

اللغة.. ورهان الهيمنة

كنال تطوان / الكاتب : صلاح مفيد

لا يزال “التسونامي” الذي أطلقه السيد نور الدين عيوش، مستمرا في اكتساح مساحة أكبر من النقاش العمومي، حتى أنه أجبر أحد كبارات مفكري البلد، على مغادرة “مقبعه” واستعارة قبعة المثقف العضوي، لينخرط في خضم هذه الموجة العالية، لعله ينقذ ما أمكنه إنقاذه .

لن أناقش ما دار في هذه “المواجهة”، فمن الطبيعي أننا سنقرأ الكثير من التحليلات والمقالات حول هذا النقاش. ما أود الحديث عنه، هو بعض الملاحظات المرتبطة بالسياق العام لهذا النقاش.

أعتقد أن ما أثار في الأصل هذا النقاش، وجعله يتسم بهده الدرجة من الحدة وحتى التشنج، ليس الدعوة إلى التدريس بالدارجة في حد ذاتها، بل السياق العام الذي خرجت في إطارها:

1ـ تزامنها مع الخطاب الملكي عن التعليم، الذي أعلن عن فشل منظومتنا التربوية، فشلا ذريعا.

2ـ الحضور الوازن، الذي صاحب الإعلان عن المذكرة، خلال ندوة “سبيل النجاح”، وذلك لحضور مستشاري الملك.

3ـ تولي أحد المشاركين في صياغة التوصيات، حقيبة التربية والتعليم في النسخة الثانية من حكومة عبد الإله بنكيران.

كل هذه المعطيات، فُهم منها، وكأن هناك رغبة عليا، في الدفع بهذه التوصيات إلى الأجرأة على أرض الواقع، في كل إصلاح مستقبلي. ولذا كل هذا التشنج الذي أعقب الإعلان عن هذه التوصيات.

بمعنى آخر، الذي أثار حفيظة الكثيرين، هو بعدها السياسي وليس التربوي التعليمي، لأنها لو كانت من إنتاج جهة، لا تمتلك ذلك النفوذ السياسي والاقتصادي لصاحبها، ما التفت لها أحد، وبقيت كصرخة في واد لن يسمعها أحد.

إذن، الرهان السياسي يوجد في قلب هذا الصراع. لكن، الملفت للنظر هو غياب الفاعلين السياسيين عن القضية، فالقليل منهم من خاض في الموضوع.

نعرف أن السياسيين وبراغماتيتهم المعهودة، غالبا ما يتجنبون الخوض في المسائل الخلافية، إلا أنهم، بعد أن تنضج الظروف، يركبون الموجة، ليكونوا السباقين في قطف الثمار، وترك الأعواد إلى غيرهم.

وإذا نحن أبعدنا هذه المسألة عن حقلها اللغوي والتربوي، وقسناها من منظور سياسي وباستحضار بعد الأطاريح السوسيولوجية التي تتحدث عن اللغة وعلاقتها بالهيمنة، يتبدى لنا بعض الأسباب التي تبدو معها هذه التطاحنات ذات معنى.

المدافعون عن العربية هم بالأساس، أبناء الطبقات الشعبية أو بشكل أكثر دقة هم خريجو المدرسة الوطنية لما بعد الاستقلال. أما المدافعون عن الدارجة فهم الفرونكوفونيون خريجو البعثات الفرنسية والمدارس العليا الوطنية والعالمية.

الأولون، يريدون لهم مكانا تحت الشمس، يعتبرونه حقهم المشروع، بالنظر إلى التضحيات التي قدموها وقدمها آباؤهم، لينعموا بفرصة أفضل، وليس لهم من سبيل إلى الترقي الاجتماعي إلا اللغة العربية التي يعتبرونها رأس مالهم الوحيد.

الآخرون، يريدون أن يحافظوا على المكاسب التي راكمها آباؤهم ولما لا تنميتها، لذلك فهم محتاجون إلى أطر متوسطة، تشتغل داخل مقاولاتهم وبأثمنة تنافسية ومردودية عالية، والأهم قادرة على الخلق والإبداع والابتكار. المشكل هو أن العربية، باعتبارها ثقافة، هي بالأساس تكون أشخاص محافظين ـ حسب ادعائهم ـ أو على العموم فوضويون يريدون قلب الطاولة على الجميع، ليحلوا محل هؤلاء في الوزارات والدواوين والمقاولات المالية والصناعية…

هؤلاء وأولئك إذا، منخرطون في صراع للهيمنة وساحتها اللغة ليس باعتبارها أداة للتواصل، بل على اعتبارها رأس مال رمزي يمكن تحويله إلى رأس مال مادي. وبالتالي نحن نتجه إلى الصدام بين طموحات مشروعة لشرائح مجتمعية متصارعة…

أعتقد أن المخارج الممكنة، لا يمكن أن تلوح في الأفق، إلا بتضافر جهود الطرفين، لردم الهوة بينهما والخروج من هذا المأزق، لأننا من جهة، نحتاج إلى الفرنسية أو الإنجليزية لتملك ناصية العلوم، ولننخرط في منطق العصر. ومن جهة أخرى، نحتاج العربية أو الأمازيغية، لإعادة تشكيل مخيالنا الجماعي، وتحديث رؤيتنا للعالم، الذي تمر بالضرورة عبر تحديث “اللغة الأم”.

كنال تطوان / الكاتب : صلاح مفيد

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.