https://www.facebook.com/MoroccoTravelAgencySARL

هذه معالم الأنشطة الحرفية والتجارية في “سبتة الإسلامية المغربية”

كنال تطوان / هسبريس – متابعة

بقلم : عبد الجواد الخنيفي

يؤكد الباحث والأكاديمي محمد الشريف، في مُؤلفه “سبتة الإسلامية: دراسات في التاريخ الاقتصادي والاجتماعي على عهد الموحدين والمرينيين، الصادر عن (منشورات جمعية تطاون أسمير 1995 ط 1)، وضمن مبحث النشاط الحرفي والتجاري، أنه يصعب فصل النشاط الحرفي عن النشاط التجاري في التنظيم الاقتصادي لسبتة الإسلامية المغربية في العصر الوسيط؛ فقد كان الحرفيّ يُسوّق منتوجه بنفسه في أغلب الأحيان، ومكان الحرف هو مكان البيع في نفس الوقت، ويتجلى هذا التداخل بين النشاطين حتى على مستوى المصطلحات.

إن مصطلح “النجارين” مثلا يحيل – في غيبة سياق موضح – على حقائق مرتبطة بصناعة الخشب أو بيعه، ومع ذلك، فلكلا النشاطين خصائص معينة ويطرحان مشاكل خاصة.

هذه معالم الأنشطة الحرفية والتجارية في "سبتة الإسلامية المغربية"

التنظيم الحرفي

يبدو أن كثيراً من العلماء والمتصوفة السبتيين قد تعاطوا للنشاط الحرفي، وهو ما يؤشر على أهمية العمل اليدوي في البنية الاقتصادية للمدينة ونظرة المجتمع السّبتي إليه. وعلى الرغم من أن المدينة عرفت انتشاراً ملحوظاً للتصوف في العصر الوسيط، فإنه من النادر أن نجد متصوفة عزفوا عن العمل وركنوا إلى الراحة.

ويضيف الباحث الشريف بالقول: “لقد انتظمت الصناعة بسبتة بطريقة لم تختلف عن تنظيمها في المدن المغربية والإسلامية الأخرى؛ فالتجمع الجغرافي وتنظيم الصناع حسب الحرف يظل طابعاً مشتركاً في جميع المدن الإسلامية. لقد كانت الحرف تنتظم في توزيعها حسب توزيع جغرافي يعكس أهميتها انطلاقاً من وسط المدينة. كما أن الحرف التي تحتاج إلى مساحة كبيرة أو ذات الروائح الكريهة، كان يتم إقامتها خارج الأسوار”.

ومع ذلك، فإن هذا التوزيع حسب الحرف لم يكن إلا نسبياً في سبتة؛ فقد اضطرت المدينة بسبب ضيق مساحتها إلى تشتيت الأنشطة الحرفية الواحدة على طول مجالها الحضري، فالتربيعات مثلاً كانت توجد داخل الأسواق وبالممرات “من أوّل المدينة إلى آخرها”. كما أن وجود “الأمناء” أو “العرفاء” أو “المقدمين” والتفريق بين “شيوخ الصناع” و”الصنّاع” و”المعلمين” و”المتعلمين” في سبتة كلها دلائل تشير إلى أن المدينة لم تنتظم حياتها الحرفية بطريقة مختلفة عن التنظيم المعروف في المدينة الإسلامية عموماً.

الإنتاج الحرفي

تابع المُؤلف نفسه أن أهم صناعة كانت تعرفها المدينة واستمرت مزدهرة، حتى سقوطها بيد البرتغاليين، هي صناعة السفن والصناعات النسيجية. ومن المعلوم أن صناعة السفن التي تعتبر “من أصلها محتاجة إلى جزء كبير من الهندسة في جميع أصنافها”، كانت تتطلب بنيات معينة يتوقف تطورها على وجود شبكة من العاملين بالميناء من تقنيين أكفاء يشرفون على تصميم السفن ومراحل صنع القطع البحرية، ويد عاملة مدربة ومتخصصة، وضمان المواد التي تحتاجها السفن.

ويطرح الكتاب أوراش بناء السفن بالمدينة التي تعتبر من أقدم الأوراش المغربية على الإطلاق. وقبل فتح العرب لها كانت المدينة هي القاعدة البحرية البيزنطية الرئيسية في الحوض الغربي للبحر المتوسط، ولم يكن لمؤسس الدولة المُوحدية أن يستغني عن القطع البحرية التي كانت توفرها أوراش بناء سبتة. كما أن ابنه أبا يعقوب سيكرّس هذه الأهمية بتوسيعه لدار الصناعة التي ستظل مرتبطة باسمه حتى سقوط المدينة بيد البرتغال سنة 1415 م.

ويستفيض صاحب الكتاب بالبحث والتّحليل بأن صناعة النسيج من جانبها عرفت تطوراً كبيراً بالمدينة، على الرغم من منافسة المنتجات المسيحية لها؛ فالأنصاري يشير إلى إحدى وثلاثين تربيعة “معلومة للحرّارين والقزّازين”.. فضلا عن التربيعات الأخرى الموجودة داخل الأسواق وبالممرات “من أول المدينة إلى آخرها” . والملاحظ أن أغلب المقاصر كانت توجد تحت الأسوار والأبراج والأبواب وقرب القالات التي تزوّدها بالمياه الضرورية. وقد كانت الأمتعة التي يتم قصارتها تنشر نهاراً على أسوار الأبراج وتحط ليلا إلى أن يتم تسليمها لأصحابها. ولقد شجعت السلطات هذا النشاط بسبتة عن طريق تخفيض الضرائب المفروضة عليه.

فنسبة مهمة من الإنتاج النسيجي كانت تأتي عن طريق المغازل المنزلية، واشتهرت سبتة بكونها هي المزوّدة للمدن المغاربية الأخرى، فقد كانت الزّرابي السبتية المصنوعة من “الصوف والكتاّن” وكذلك الأحزمة المطرزة و”الكبّوط” المصنوع من الكتان، تجد أسواقاً لها حتى في أوروبا.

ويختتم الباحث والأكاديمي محمد الشريف بأن سبتة كانت مركزاً مهماً للعلم والثقافة، ستعرف كذلك تطوراً في الوراقة التي قد تعني صناعة الورق أو بيع وشراء الكتب واستنساخها. وعرفت صناعة المواد المعدنية نمواً مطرداً بالمدينة، إذ تشير النصوص إلى مهارة الصناع والعمال السبتيّين في “المصنوعات النحاسية”؛ كالشمعدانات والجفان والمحابر وغيرها.

كما أن استخراج المرجان من بحار سبتة سيخلق نشاطاً حرفياً مهماً بالمدينة منذ القرن الثاني عشر على الأقل، فقد كانت بسبتة سوق متخصص في تفصيله وحكّه وصنعه خرزاً وثقبه وتنظيمه. وفيما يتعلّق بالصناعات الغذائية، فقد تمثلت أساساً في الطحن والخبازة وتعصير الزيتون.

رأي واحد حول “هذه معالم الأنشطة الحرفية والتجارية في “سبتة الإسلامية المغربية””

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.