https://www.facebook.com/MoroccoTravelAgencySARL

ما لا تعرفونه عن”دار الصنعة” بمدينة تطوان (شاهد الصور)

تكمل مدرسة “دار الصنائع والفنون الوطنية” بتطوان، أو “دار الصنعة” كما يحلو لساكنة تطوان تسميتها، مئويتها الأولى، مسجلة حضورا بارزا سواء على المستوى الثقافي أو الفني بالمدينة، باعتبارها أحد أقدم وأبرز المؤسسات التي تعنى بالمحافظة على مجموعة من الحرف التراثية ذات الطابع المغربي الأندلسي الإسلامي، وهو الدور الذي عملت على تحقيقه منذ تأسيسها سنة 1919، بفضل مبادرة من المجلس العلمي المحلي لتطوان، الذي يكون يضم آنذاك ثلة من الشخصيات المغربية والإسبانية، وفي مقدمتهم المرحوم الحاج عبد السلام بنونة الذي كان يشغل مهمة محتسب.

وتمكن الفنان الإسباني المعروف “ماريانو بيرتوشي”، في مرحلة لاحقة من تأسيس مدرسة “دار الصنائع والفنون الوطنية” بتطوان، وتحديدا في الفترة ما بين 1930 و1955 التي كان يشرف فيها عليها، من ترسيخ اسمه بالمؤسسة، نظرا لكفاءته واجتهاداته، بل ولحبه الكبير لتطوان وأهلها، وهو ما أعطاها حينئذ وهجا وإشعاعا سواء على المستوى المحلي أو على المستوى الجهوي للمنطقة الخليفية، وحتى على المستوى الإسباني، باعتبار أن المدرسة شاركت خلال فترة الحماية في عدة تظاهرات ومعارض بعدد من المدن الإسبانية، خاصة منها الأندلسية.

قرن في صيانة التراث

يقول أنس الصوردو، مدير مدرسة “دار الصنائع والفنون الوطنية”، إنه “بخلاف ما يتجه إليه عدد من الباحثين والمؤرخين، بنسب تأسيس دار الصنائع للفنان الإسباني المشهور ماريانو بيرتوشي، فإن هذه المؤسسة التراثية تأسست على يد ثلة من أعضاء المجمع العلمي بتطوان سنة 1919، على رأسهم المرحوم الحاج عبد السلام بنونة”، مشددا على أن “الفنان بيرتوشي جاء في مرحلة لاحقة من التأسيس، وأشرف على إدارتها ما بين سنتي 1930 ـ 1955، متمكنا خلال السنوات الخمس والعشرين من إشرافه من الرقي بمستوى المؤسسة ومردودها على جميع الأصعدة”.

وأوضح الصوردو أن “دار الصنائع” في مرحلة الحماية الإسبانية على المنطقة الخليفية وصلت من الإشعاع مبلغا كبيرا؛ “ودليل ذلك تتوجيها بالجائزة الأولى في معرض إشبيلية الدولي الأول (1929 ـ 1930)، ‘Expo Iberoamericano’، والذي لازال الرواق المغربي الذي شيد به آنذاك شاهدا على هذا الحدث المتميز”، مضيفا أنه “بني على الطراز التطواني، وتم تأثيثه من طرف صناع مدرسة الصنائع بتطوان، الذين أبدعوا في ذلك”.

وأضاف المتحدث ذاته أنه بعد استقلال المغرب “عرفت المدرسة نوعا من الفراغ القانوني، خاصة حول مسألة انصهارها في الحياة الجديدة، وهو ما جعلها تمر بسنوات مد وجزر، حتى استقرت أحوالها خلال العقدين الأخيرين، بعدما استعادت بريقها”، مشيرا إلى مساهمتها في تسعينيات القرن الماضي في تسجيل المدينة العتيقة لتطوان كتراث إنساني عالمي، “بعد زيارة وفد من منظمة اليونيسكو للمدرسة، واطلاعه على أعمالها، وانعكاس تكويناتها على داخل أسوار المدينة العتيقة”، وفق قوله، وزاد: “كما أن لها دورا في حصول مدينة تطوان على لقب المدينة المبدعة، منذ سنتين، عبر محترفين أساسيين بها، وهما الزليج والتطريز، اللذان كانا لهما دور أساسي في حصول المدينة على ذلك اللقب”.

الاهتمامات والوظائف

حسب المسؤول عن “دار الصنائع والفنون الوطنية” فإن الأخيرة حاليا “أضحت تحتضن أزيد من 105 تلاميذ، موزعين على ثماني محترفات أو أقسام حرفية، يشرف عليها ثمانية معلمين، سبعة منهم متخصصون في كل من النجارة، الزخرفة على الخشب، الحدادة، الخزف والزليج، الجبس المنقوش، الخشب المطعم، والخشب المنقوش؛ فيما معلمة واحدة مختصة في تعليم الطرز التطواني المعروف بالتعجيرة”.

واعتبر مدير المدرسة أن الأخيرة “منذ إنشائها عملت على تحقيق هدفين أساسيين، أحدهما المحافظة على مجموعة من الحرف التراثية ذات الطابع الإسلامي المغربي الأندلسي، وثانيهما فتح المجال للتكوين أمام الفئة العمرية ما بين 12 و16 سنة، من الذين لم يحالفهم الحظ في إكمال دراستهم النظامية”، مستحضرا الدور الذي تلعبه المدرسة في منح فرصة ثانية لفائدة أبناء الطبقة الاجتماعية البسيطة، في إطار برامجها التي تسهر على تنفيذها تحت إشراف وزارة الثقافة التي تتبعها المؤسسة.

وتابع الصوردو حديثه لهسبريس بالقول إن “المدرسة في بداية الأمر كانت تضم أقساما ومحترفات تلقن فيها المواد النظرية والتطبيقية للحرف اليدوية، وهو دورها الأساسي”، مسترسلا: “ثم تم خلق قاعة للتحف بالطابق السفلي، ضمت أهم التحف التي ينجزها المعلمون بمعية تلاميذهم، وقد جاءت منسجمة مع وظيفة المدرسة”، إلى جانب احتضانها لمشروع ‘المدرسة الورشة’؛ “وهي تجربة فريدة تم إطلاقها كبداية بمقر دار الصنائع بتطوان، تمثل تكوينا خاصا سيستفيد منه مائة تلميذ، سيتخصصون في طرق ترميم المعالم الأثرية، سواء على مستوى البناء أو الزليج أو الحديد أو الجبس”، مشيرا إلى أن الجوانب النظرية تجري بالمدرسة، فيما الجوانب التطبيقية يتم تنفيذها بمعلمة تاريخية تتواجد داخل المدينة العتيقة.

الانفتاح بوابة الإشعاع

يرى أنس الصوردو أن سياسة انفتاح مدرسة دار الصنائع والفنون الوطنية بتطوان على محيطها، والتي نهجها منذ توليه إدارتها، “ساهمت في تحقيق المزيد من الامتداد الإشعاعي لها، عبر استقطاب مختلف فعاليات المجتمع المدني بتطوان، لتنظيم عدد من الأنشطة الثقافية والأدبية والفنية بفضائها”، وفق قوله، مؤكدا على أن هذه الخطوة أعطت دفعة قوية لاستمرارية خدماتها ووظائفها، كما مكنتها من التعريف أكثر بمحترفاتها وأوراشها الداخلية.

جانب آخر تناوله المتحدث ذاته، في إطار نهج المدرسة لسياسة الانفتاح على المحيط؛ “وهو تحويل قاعة بالطابق العلوي، كان الفنان الإسباني ماريانو بيرتوشي يستغلها كمرسم خاص به خلال حقبة الحماية، إلى رواق للفنون التشكيلية حمل اسمه، بعدما تم تهييئه بمبادرة من وزارة الثقافة والحكومة المحلية بالأندلس”، مشيرا إلى أن هذا الرواق “فتح الباب على مصراعيه أمام مختلف الفنانين، سواء التطوانيين أو الأجانب، إذ احتضن عددا من المعارض الفنية، في إطار اتفاقيات تعاون بين مديرية وزارة الثقافة وعدد من الجهات”، حسب تعبيره.

وحول دورها السياحي، اعتبر المسؤول بدار الصنائع أن المؤسسة لم تدخر جهدا للانفتاح على هذا القطاع، وتوفير ما يلزم من مبادرات للانخراط فيه؛ “غير أنه إذا لم يتم التواصل بين وزارتي السياحة والثقافة، وأن يكون هذا التواصل على درجة كبرى من الوعي، من أجل الوصول إلى اتفاق مشترك بين الطرفين للتخطيط لتنمية السياحة بتطوان، فإننا سنظل نخبط خبط عشواء”، مبرزا صعوبة استقطاب الوفود السياحية بالمدينة، “باستثناء الأفواج التابعة لبعض الوكالات السياحية التي يعي أصحابها أهمية دار الصنائع كمعلمة تراثية وفنية بالمدينة”، قبل أن يضيف: “إن تطوان لا تعد مدينة الإقامة للسياح، وبالتالي فـ98 في المائة من الحافلات السياحية التي تتوقف بالموقف المخصص لها خلف دار الصنائع لا تلجها”.

وفسر المدير ذلك بكون المرشدين السياحيين المرافقين لتلك الوفود السياحية يسعون إلى استثمار الساعات القليلة التي تقضيها بالمدينة للانتفاع ماديا، وزاد: “هو أمر أتفهمه جيدا، بل أعتبره عاديا، لأنه يسري بكل دول العالم، فطبيعي أن يأخذ المرشد السياحي نسبة مئوية عن جلب وفود سياحية لمطعم أو بزار، وهو ما لا تتيحه دار الصنعة لعدم وجود أي قانون يؤطر هذا النوع من التعامل”، واسترسل: “لو كان هناك قانون ينظم علاقة دار الصنائع بالمرشدين السياحيين، ويحدد لهم عمولة مقابل استقطاب سياح لربما سيكون الوضع مختلفا”.

المشاركات الخارجية

في هذا الصدد، يقول أنس الصوردو إن “المعلمين المشرفين على تعليم الحرف التراثية اليدوية بالمؤسسة يشاركون بين الفينة والأخرى في ملتقيات خارج أرض الوطن”، عارضا نماذج لتلك المشاركات بالقول: “حاليا، يتواجد معلم بدار الصنائع يشرف على تعليم النجارة، بكندا، تلبية لدعوة سفارة المملكة بمونتريال، وعدد من فعاليات المجتمع المدني المغربي هناك”.

وأكد مدير المؤسسة أنها ليست المشاركة الأولى لمعلمي المؤسسة؛ “فقد شارك خمسة معلمين في إحياء الذكرى العشرين لمهرجان Expo Iberoamericana بإشبيلية في 2012، بدعوة من مؤسسة الثقافات الثلاث الإسبانية، حيث قدموا عروضا حول طرق تهييء القطع الفنية التراثية، سواء تعلق الأمر بالزليج أو الخشب المنقوش أو الجبس أو الحدادة، أو الزخرفة على الخشب”، وفق قوله.

وزاد المتحدث ذاته: “كما شاركت معلمة الطرز في بداية 2012 في الملتقى الدولي الخامس للفنون الإسلامية بالكويت الشقيقة. وقد شاركت بدوري في هذا الملتقى بعرض حول فن النسيج بالمغرب، خاصة التعجيرة التطوانية”، مضيفا: “إلى جانب حضور المدرسة في الأسبوع الثقافي المغربي بالبحرين، والذي شارك فيه معلمو الزليج والخشب المطعم، وكان حضورا مشرفا”، مشيرا كذلك إلى حضور المؤسسة في أعمال ترميم مجموعة من المعالم الأثرية بسلطنة عمان، بتكليف من وزارة الثقافة، في إطار التعاون القائم بينها وبين البلد العربي الشقيق.

ومن ضمن المشاركات التي عددها الصوردو، “الحضور المميز لعدد من معلمي المدرسة بعدد من المدن الأندلسية، في إطار اتفاقية بين وزارة الثقافة المغربية والحكومة المحلية بالأندلس، حيث قدموا نماذج من طرق تهييء القطع الفنية لفائدة أبناء الجالية المغربية هناك”.

آفاق المائوية الثانية

يقول أنس الصوردو إن “المؤسسة أكملت مائة سنة منذ تأسيسها، سالكة بذلك مسارا متميزا، وتجربة فريدة، ووجب الآن الاهتمام بها أكثر من طرف كل الجهات، خاصة بتطوان، وليس فقط وزارة الثقافة”، موجها نداء إلى كافة المسؤولين المحليين للمحافظة على استمرارية عمل هذه المعلمة التراثية، قائلا في الصدد: “للأسف، فباستثناء دعم وزارة الثقافة، وبعض المحسنين من أبناء تطوان الذين يدعمون المؤسسة من باب العلاقات الشخصية، فليس هناك أي مورد آخر لها”، مشيرا إلى أن دعم المحسنين يوجه كمنحة لتلاميذ المؤسسة تصرف كل ثلاثة شهور حسب المستويات الدراسية، كنوع من التشجيع على التعلم.

وأضاف المتحدث ذاته: “في السنة الماضية أغلق محترفان، نظرا لإحالة معلمين على المعاش، وإلى حد الساعة لم يتم تعويضهما”، معربا عن رغبته في فتحهما في أقرب الآجال قبل أن تنتهي مهمته على رأس إدارة المؤسسة.

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.