https://www.facebook.com/MoroccoTravelAgencySARL

في الحاجة إلى مادة (آداب العالم والمتعلم) في منظومتنا التعليمية‎

كنال تطوان / بقلم : د. يوسف الحزيمري

إن واقع التعليم ببلادنا يعيش أزمة حقيقية، أزمة تم التصريح بها على أعلى مستوى في الخطابات الملكية، ويعمل المجلس الأعلى للتعليم جاهدا في وضع وتطبيق الاستراتيجيات الإصلاحية الكفيلة بالخروج من هذه الأزمة، وبالرغم من ذلك مازال الوضع على ما هو عليه !!

فأين الخلل؟ سؤال يطرحه العديد من المهتمين بمجال التعليم في بلادنا، وقد أجابوا عنه إجابات مختلفة تحدد موضع الداء وتصف الدواء، لكن الوزارة الوصية على التعليم لم تدعم هذا الدواء بعد، ومن ثم فالمرض لا زال مستشريا.

من وجهة نظرنا فإن المنظومة التعليمية تعاني خللا قيميا سواء على مستوى التنظير أو التنزيل أو التمثل، خلل أضحى ظاهرة معاينة ومتابعة من قبل الإعلام، فما يبثه إعلامنا من أخبار وحوادث وجرائم تقع في الوسط التعليمي من قبل الأطر التربوية أو التلاميذ والطلبة يؤكد بما لا يدع مجالا للريبة أن الخلل تربوي وأخلاقي بالأساس.

ومن ثم كانت الحاجة ماسة إلى الحديث عن إحداث مسلك لآداب العالم والمتعلم في جامعتنا المغربية، مسلك من شأنه أن يخرج لنا أطرا تربوية تتمثل الأخلاق التي بني عليها الدين الإسلامي، وتمارسها شعورا وسلوكا.

هذا في حين أن الوضع يقتضي تعميم هذه المادة (آداب العالم والمتعلم) في جميع المستويات التعليمية، وهو الأمر الذي كان سائدا في حضارتنا الإسلامية، إذ أن تراثنا التربوي يزخر بمادة تربوية لا مثيل لها في الحضارات الأخرى، وبالرغم من ذلك يعاني هذا التراث كباقي إخوانه إهمالا وعدم إعماله وتوظيفه في وضع المقررات والمناهج التعليمية.

وقد استمد هذا التراث التربوي منهجه من القرآن الكريم الذي أعاد تشكيل العقل المسلم  عقائديا ومعرفيا ومنهجيا، فأسس لتزاوج الدين والأخلاق في قالب تكاملي تلازمي إذا فقد الخلق فقد معه الدين، هذا التلازم الذي نجده في غير ما آية من القرآن الكريم، وغير ما حديث من أحاديث النبي الأمين، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم:{لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له }[ الحديث صححه الألباني في صحيح الجامع برقم ( 7179 )].

فالقرآن الكريم اشتمل على دلالات أصلية ودلالات تبعية، الأولى تستفاد منها الأحكام الشرعية، والثانية تستفاد منها الأخلاق العملية، وهذا ما أوضحه الإمام الشاطبي في الموافقات بقوله في فصل: (قصد الشريعة من وضع الشريعة للإفهام) حيث وضع مقدمة نصها:” إذا ثبت أن للكلام من حيث دلالته على المعنى اعتبارين: من جهة دلالته على المعنى الأصلي، ومن جهة دلالته على المعنى التبعي الذي هو خادم للأصلي، كان من الواجب أن ينظر في الوجه الذي تستفاد منه الأحكام، وهل يختص بجهة المعنى الأصلي؟ أو يعم الجهتين معا؟

أما جهة المعنى الأصلي، فلا إشكال في صحة اعتبارها في الدلالة على الأحكام بإطلاق، ولا يسع فيه خلاف على حال، ومثال ذلك صيغ الأوامر والنواهي، والعمومات والخصوصات، وما أشبه ذلك مجردا من القرائن الصارفة لها عن مقتضى الوضع الأول.

وأما جهة المعنى التبعي، فهل يصح اعتبارها في الدلالة على الأحكام من حيث يفهم منها معان زائدة على المعنى الأصلي أم لا؟ هذا محل تردد، ولكل واحد من الطرفين وجه من النظر”.[الموافقات (2/ 151)].

وبعد أن دلل على مقدمته هاته قال: “…فاقتضى الحال أن الجهة الثانية وهي الدالة على المعنى التبعي لا دلالة لها على حكم شرعي زائد ألبتة.

لكن يبقى فيها نظر آخر ربما أخال أن لها دلالة على معانٍ زائدة على المعنى الأصلي، هي آداب شرعية، وتخلقات حسنة، يقر بها كل ذي عقل سليم، فيكون لها اعتبار في الشريعة، فلا تكون الجهة الثانية خالية عن الدلالة جملة…”[ الموافقات (2/ 164)]

وقد ساق رحمه الله على ذلك أمثلة من القرآن الكريم منها:

أن نداء العبد للرب نداء رغبة وطلب لما يصلح شأنه، فأتى في النداء القرآني بلفظ: “الرب” في عامة الأمر، تنبيها وتعليما لأن يأتي العبد في دعائه بالاسم المقتضي للحال المدعو بها….

وأنه أتى فيه الكناية في الأمور التي يستحيى من التصريح بها، كما كنى عن الجماع باللباس والمباشرة، وعن قضاء الحاجة بالمجيء من الغائط، وكما قال في نحوه: {كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَام}  [المائدة: 75] فاستقر ذلك أدبا لنا استنبطناه من هذه المواضع، وإنما دلالتها على هذه المعاني بحكم التبع لا بالأصل.

وأنه أتى فيه بالالتفات الذي ينبئ في القرآن عن أدب الإقبال من الغيبة إلى الحضور بالنسبة إلى العبد إذا كان مقتضى الحال يستدعيه، كقوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 2-4].

والأدب في ترك التنصيص على نسبة الشر إلى الله تعالى، وإن كان هو الخالق لكل شيء….

والأدب في المناظرة أن لا يفاجئ بالرد كفاحًا دون التقاضي بالمجاملة والمسامحة، كما في قوله تعالى: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [سبأ: 24].

والأدب في إجراء الأمور على العادات في التسببات وتلقي الأسباب منها، وإن كان العلم قد أتى من وراء ما يكون أخذا من مساقات الترجيات العادية، كقوله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79].[ الموافقات (2/ 167)].

ما أحوجنا اليوم إلى الاستفادة من هذا المنهج القرآني في وضع مناهجنا ومقرراتنا التعليمية والتربوية، وما أحوجنا إلى التنقيب عن تراثنا التربوي الذي لا زال مادة خامة تتطلب الاستخراج والتكرير….، تراث أقل ما يقال عنه أنه بنى حضارة أخلاقية جعلت من الأخلاق والآداب ركيزة في العلم، وأول ما يبدأ به المتعلم، وغاية ما ينتهي إليه العالِم.

فنجد في المدونات الحديثية كتاب “العلم” يتناول مبادئه وأخلاقياته، ونجد مؤلفات وضعت خاصة لآداب العالم والمتعلم، كالرسالة المفصلة لأحوال المتعلمين  لأبي الحسن القابسي، وآداب العالم والمتعلم والمفتي والمستفتي ونصائح لطالب العلم للإمام يحي بن زكريا النووي، وتذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم لابن جماعة، وأخلاق العلماء للآجري والقائمة تطول…

ولعل التربية الأخلاقية أولا ثم التعليم ثانيا هو المخرج الوحيد من أزمتنا التعليمية، وهو الأوبة الكفيلة بتحقيق الإصلاح المنشود في ظل القواعد الأساسية التي سطرها الكتاب الأبيض.

ولعلها التزكية الوحيدة التي قد تعيد لمنظومتنا التعليمية سابق عهدها وخيرتها المباركة، وهي تزكية زكى بها رب العزة رسوله الكريم الذي أدبه ربه فأحسن تأديبه في قوله: {وإنك لعلى خلق عظيم}، وقال هو صلى الله عليه وسلم عن وظيفته وسبب بعثته ” إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق ” وفي رواية ” مكارم الأخلاق ” [ رواه البخاري].

وختاما نردد مع شوقي أبياته الخالدة:

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت***فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا.

صلاح أمرك للأخلاق مرجعه***فقوِّم النفس بالأخلاق تستقم.

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.