https://www.facebook.com/MoroccoTravelAgencySARL

لماذا يوجد وزير للصحة ؟

كنال تطوان / ادريس الكنبوري

هناك مستملحة سياسية كانت تحكى في السنوات الماضية، في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، عندما كانت المستملحات السياسية تروى بين الناس خلف الجدران. اليوم هناك مغرب مختلف، اتسع فيه هامش الشفوي، ولذلك يمكن أن نعيد تلك الحكاية كما سمعناها.

ذات مرة أراد الملك الراحل أن يعين أعضاء حكومته الجديدة، وبعد أن انتهى تقدم منه أحد أعيان الأقاليم الجنوبية وقال له: يا جلالة الملك، أريد أن أصبح وزيرا. رد الملك: ولكننا عينا الحكومة ولم يعد هناك مكان. قال الرجل: لماذا لا تعينونني وزيرا للبترول؟. ابتسم الملك ورد على سؤال الطالب بسؤال المتعجب: وهل لدينا بترول حتى نعينك وزيرا للبترول؟. قال الرجل سائلا: وهل لدينا عدل حتى نعين وزيرا للعدل؟.

هذه حكاية مليئة بالكذب، لأنها من صنع الخيال، والمستملحات السياسية كلها أكاذيب لأن الناس تختلقها حتى لا تختنق بالحقائق المفزعة. وفي بلدنا هذا، والله الحمد، الكثير من هذه الحقائق المفزعة التي تدفع المواطن إلى اليأس والاختناق. لكن هناك فرقا بين ذاك الزمان وهذا. ففي ذلك الوقت كان الناس يلجأون إلى المستملحة السياسية للتنفيس عن الغضب والتعبير عن رفضهم للواقع، لأن الكلام العلني كان محظورا. اليوم عندما أصبح الكلام العلني مسموحا به افتقد الناس النكتة السياسية التي قلت كثيرا بل انعدمت، فأصبح الناس في مواجهة الحقائق المفزعة مباشرة، ولم يعد أحد يضحك، وعندما تجتمع الأزمات مع غياب الضحك فهذا مؤشر على قرب حصول الكارثة، نسأل الله العافية.

مناسبة هذا الكلام من وحي زيارة سيدة مريضة في مستشفى ابن سينا بالرباط. هذا أكبر مستشفى في المغرب، يأتي إليه البُعداء المثقلون بالمرض الذين تطردهم المدن، لأنها لا تتوفر على مرافق صحية في المستوى لكي تستضيف غربتهم. هنا يمكنك أن ترى المعاناة والمآسي البشرية، وهنا تتجاور الأضداد: الفقر مع المرض، الضعف مع التسلط، الارتخاء الإنساني مع التشدد البيروقراطي، قلة العرض مع كثرة الطلب. وهنا أيضا يمكنك أن تدرك جيدا كم أن الإنسان في المغرب ليس رخيصا، حاشا، بل لا يساوي شيئا في القيمة. تريدون مثالا؟ ها هو: هل تصدق أن مريضا في حالة خطرة يوضع مصيره بين يدي طبيب في مرحلة التدريب، أليس المريض في هذه الحالة شبيها بالفأر؟.

فورا وجدت نفسي أدخل في ثوب ذلك الرجل الصحراوي الذي تكسوه براءة البداوة وبرد السماء العارية، وأسأل: وهل هناك صحة حتى نعين وزيرا للصحة؟. منذ بداية الحكومة الحالية سمعنا كلاما حماسيا من وزير الصحة الحالي، من حزب التقدم والاشتراكية، حتى خلنا أن كل شيء سوف يتغير جذريا وأن الصحة ـ التي هي المؤشر الأول لنجاعة السياسات العمومية فعلا لا شعارا ـ سوف تصبح أكثر إنسانية وديمقراطية. جميل أن السيد الوزير يعارك من أجل تخفيض أسعار الأدوية مثلا، أو من أجل بناء مراكز صحية جديدة، ولكن الشرط الأولي السابق على كل شيء هو أن يستفيد المواطن مما تسميه المواثيق الدولية”الرعاية الصحية”، وهي عبارة صيغت للجمع بين البعد الإنساني في الصحة والبعد الإمبريقي، ولكن المسؤولين عن الصحة في بلادنا لا يزالون في مرحلة”التطبيب”، والتطبيب كلمة تعني المداواة، وهي تشمل الإنسان والحيوان معا، بخلاف”الرعاية الصحية”.

وإذا كانت الصحة حقا من حقوق الإنسان، فإن وضعية مستشفياتنا تجعلها واحدة من المؤسسات التي تنتهك فيها حقوق الإنسان كل يوم وبشكل صارخ. ومع ذلك، نحن في المغرب نقول للآخرين إن وضعية حقوق الإنسان جيدة، لأن التربية على حقوق الإنسان أصبحت مدرجة في النظام التعليمي. المشكلة هي التالي: ماذا سيفعل الطفل عندما يذهب مع والدته إلى المستشفى بعد أن يترك المقرر الدراسي داخل محفظته في البيت، ويرى ما رأيت؟.

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.