https://www.facebook.com/MoroccoTravelAgencySARL

ماء “السكوندو” … قصة شبكة مائية تقاوم النسيان بتطوان العتيقة

كنال تطوان / إعداد : أحمد الحبشي       

طالب شعبة التاريخ و الحضارة

خلال عهد الإستعمار أُطلق على ما كان يسمى بماء البلد أو ماء الله “بالسكوندو” إذ أصبحت “segundo هذه الشبكة المائية تقليدية و ثانوية “كما تدل على ذلك العبارة الإسبانية بالمقارنة مع جودة شبكة حديثة ومتطورة لتوزيع الماء ، لكن لم تستطع هذه الشبكة الحديثة أن تعلن نهاية الشبكة التقليدية واندثار معالمها بل قاومت هذه الأخيرة محاولات النسيان و التهميش و الاّمبالات كما قاومت قبل ذلك حرب تطوان 1860-1862م وما خلّفه الإسبان من خراب كما تخطت مشاكل بالجملة تراوحت بين سرقة الماء من مرفق إلى آخر و تحدي مواكبة التطور العمراني بالمدينة العتيقة و أبت إلا أن تكون شاهدة على أعجوبة هندسية و أرشيفا حيويا يذكّر بالماضي و يؤدي دورا ولو محدودا في الحاضر .

الإنتماء المجالي لمدينة تطوان حيث تتكون معظم البنية الصخرية من الكلس هو ما جعل منها خزانات مائية طبيعية تتفجر مياهها في شكل حزام من العيون بين جبل موسى و جبل درسة وخصوصا عند سفح هذا الأخير بين باب المقابر و باب النوادر و التي تشكل المصدر الذي يتزود منه النظام الأصيل لتوزيع الماء بمدينة تطوان1 ، من هذه العيون تبدأ المسيرة المائية نحو أغلب المساجد و الزوايا داخل المدينة العتيقة  فضلا على المعدات2 بأنواعها الثلاثة (معدات القسمة 3، الفيض4 ، العدل5) التي يستفيد السكان من مياهها في الأغراض المنزلية المختلفة  و النافورات التي تزين وسط المنازل بالإضافة إلى السقايات و القناوات التي تزين المدينة وتضفي عليها جمالية عمرانية كما تقدم خدمة اجتماعية في نفس الوقت وقد وصل عددها إلى حوالي 42 سقاية عمومية منتصف القرن الماضي حسب محمد داود أشهرها تلك التي تتواجد على أبواب المدينة العتيقة (باب العقلة ،باب التوت ،باب الصعيدية) و في الساحات و الأسواق( السوق الفوقي، سوق الحوت القديم ،الوسعة..) ناهيك عن الحمامات (سيدي المنظري ،  المدينة، السوق الفوقي، العيون..) و الميضآت (المراحيض) التي تستعمل من طرف رواد المساجد وعامة الناس ، هكذا تنتظم هذه الشبكة المعقدة هندسيا لتنساب هذه المياه داخل قواديس مصنوعة من الخزف مدفونة تحت الأرض و داخل حيطان المنازل و الأزقة تتعدد إستعمالاتها بتعدد المرافق التي تصل إليها حيث تشكل شرايين تطوان العتيقة التي تجعل الحياة ممكنة ، طاهرة و مستمرة .

قناة سيدي علي بركة بالسوق الفوقي

كان أهل تطوان مكرمين لهبة الله إليهم فكان القاضي يسهر بأحكامه التي تعيد لأصاحب الحقوق حقوقهم من حصص المياه المسروقة أوالمتنازع عليها و كذا العدول الموثقون يحررون وثائق الملكية و عمليات البيع و الشراء للحصص المائية كما كانت لمؤسسة الأحباس الدور الأكبر في السهر على حفظ و مراقبة هذه الشبكة نظرا لكونها تملك حصة الأسد من المصادر المائية بالمدينة ، في حين اختص بعمليات البناء و الترميم و إصلاح هذه الشبكة بالإضافة إلى بيان طرق الخطوط المائية وتقسيم الحصص المائية على الشركاء وكذا الإشراف على المعاملات المائية  “أرباب البصر” الأشخاص العارفون بأسرار وخبايا  نظام توزيع الماء و القادرون على حل مشاكله من خلال تدخلاتهم الميدانية واقتراح الحلول الناجعة للمشكلات المستجدة 6

سقاية باب العقلة

لا شك أن لحجم هؤلاء المشرفين على “ماء البلد” دلالات واضحة تبرز قدر الإهتمام من قبل سكان المدينة و الجهات المختلفة به وإن كان هذا يدل على شيء فهو الدور الكبير الذي كانت تؤديه هذه الشبكة من خدمات يومية تتوقف كل أنشطة أهل المدينة عليها .

ماذا عن “سكوندو” اليوم هل لزال يلقى نفس الإهتمام و العناية ، أم إنه متروك للزمن و أيادي المتطفلين وما تفعل به ؟ هل هو تحفة أثرية  أم شبكة مائية تزود مرافق عمومية و مازالت تجد لها دورا في الحياة اليومية لبعض سكان المدينة القديمة ؟

“السكوندو” في حاضرنا يخوض معركة مقاومة النسيان و التهميش لإعادة الإعتبار بأسلحة طبيعية محضة قوامها العيون المائية التي تزود الشبكة، ضد جهات مختلفة بعضها نسي دوره التاريخي في حماية هذه الأمانة و يتهاون في ضمان استمرارية تزويد مساجد تطوان العتيقة بالماء كمؤسسة الأوقاف وآخرون يستغلون هذه “السيبة” ليزيدوا من حصتهم في الماء على حساب مرافق أخرى وغالبا ما تكون عمومية كالسقايات التي يقل مائها يوما بعد يوم زيادة على كل هذا لا وجود لحماية من الأعطاب و التلف الذي تلقاه الشبكة من جراء طبيعة جريان الماء و الإصلاحات المحاذية لخطوطه ، أما عن جودة الماء فقد أصبح شائعا عند جميع سكان المدينة أن هذا الماء غير صالح للشرب _وهو كذلك بسبب التلوث_ بعد أن كانت جودته تتفاوت حسب قربه من المصدر المائي (فماء الزاوية الريسونية و أولاد الحضري الذي كان يأتي مباشرة من العين كان أجود المياه و بالتالي فهو ماء الشرب)7، رغم كل هذه التحديات المرهقة لشبكة مائية عمرها مئات السنين فإن هذا الكنز الحضاري مستمر في مقاومته وعطائه مع تدهور ملحوظ يحتاج إلى إلتفاتة و تقدير من لدن الغيورين على جمالية المدينة العتيقة ، تاريخها و مستقبلها أيضا .

__________________________________________________

1ص 70،النظام الأصيل لتوزيع الماء بمدينة تطوان 1862-1913م_د.خالد الرامي

المعدات : ج.معدة شبه عين مائية لكنها ليست بمنبع مائي، تزود بالماء عن طريق شبكة المائية تسمى بالمعدة لأن شكلها يشبه معدة الإنسان.

2معدة القسمة : يستفيد من مائها صاحبها و يمر الماء من خلالها إلى معدات أخرى أو مساجد أو غيرها المرافق  

3 معدة الفيض: لصاحب هذا النوع من المعدات حق التصرف في الفيض المائي كأن يبيعه أو يهبه أو يجزيه.

4 معدة العدل : لا يحق لصاحبها تمرير مائها إلى أي مكان أو مرفق آخر ولو داخل منزله

6 المصدر السابق ص 136

7 المصدر نفسه ص 156

كنال تطوان / إعداد : أحمد الحبشي       

طالب شعبة التاريخ و الحضارة

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.