https://www.facebook.com/MoroccoTravelAgencySARL

الحرب الإلكترونية من المنظور الأمني والجيوبوليتيكي

زكرياء لعروسي
طالب باحث (ماستر الدبلوماسية المغربية)

تعتبر الحروب الإلكترونية أو ما بات يعرف بالقرصنة من بين أكثر أنواع التهديدات الأمنية التي تواجه المؤسسات الحكومية و الغير الحكومية ، بل أصبح تطوير أي فعل إجرامي و إتقانه يرتبط أكثر فأكثر بالمجال المعلوماتي. فقد عرف العالم إستعمال الحاسوب الرقمي في المجال الحربي لأول مرة في الحرب العالمية الثانية من طرف الولايات المتحدة الأمريكية لإنتاج جداول ضرب النار اللازم لتحديد مواقع و تحركات القوة المعادية حتى يمكن إصابتها بصورة مباشرة واعتبرت أنذاك من الأسرار الأمريكية الخطيرة للحرب، لتعمم بعد نهاية الحرب على جميع القوات العسكرية في العالم.

و غير بعيد عن الجانب العسكري فقد اقتحم النظام الرقمي  معظم مؤسسات الدولة الحكومية منها ( رئاسة الدولة – حكومة – برلمان – جماعات ترابية – مؤسسات عمومية …) و الغير الحكومية ( منظمات المجتمع المدني – صحافة – …) ، وأصبحت إختصاصاتها و جودة خدماتها ترتبط أكثر فأكثر بالحاسوب بل و تضمن إستمرارية سيرها عن طريق التواصل عبر شبكة الأنترنيت مما جعل معظم المراسلات و البيانات و حتى الوثائق السرية، تمر بطريقة أو بأخرى عبر الحاسوب، و أحيانا قد يشكل تسرب أي و ثيقة خطرا كبيرا على سير المؤسسة، و أمام التطور المهول للمجال الإلكتروني، فقد أصبح إختراق أي موقع أو جهاز حاسوب من السهولة بمكان رغم وجود أنظمة الحماية ضد الفيروسات أو القرصنة إلا أن الإختراق أصبح شبيها بلعب الورق أو البلياردو.

إن سهولة الولوج لأي نظام معلوماتي أو تدميره كليا أصبح سيف ذو حدين، إذ تستعمله الأجهزة الإستخبراتية لمراقبة ما يجري داخل العالم الإفتراضي، و بالتالي حماية المصالح الحيوية للدولة، و ترقب أي خطر يهددها عن طريق رصد الإتصالات عبر الانترنيت، و بالموازاة مع ذلك يمكن أن تستعمله جهات أخرى لإختراق المؤسسات الإستخباراتية نفسها أو الجهاز العسكري، مما يعني حربا حقيقية مع جهة رسمية أو غير رسمية، و تلقي هجوم قد لا تعرف مصدره.

فإذا كان مكاندر و راتزل و ماهان قد ربطا تطور الدولة و ريادتها العالمية بالقوة العسكرية بين نظريتي الهلال الداخلي و النطاق الهامشي فإن التطورات الدولية  في ظل ما بات يعرف بالعولمة تقول غير ذلك، إذ أن القوة العالمية الحقيقية  أصبحت ترتبط بالتحكم في الشبكة العنكبوتية، و رصد جميع المنافذ الإلكترونية التي تؤدي إلى إختراق أي جهاز، و كذا حث الحكومات العالمية على ضبط رمز IP   بأرقام مشفرة و الحاقها ببطاقة التعريف الوطنية لمواطنيها .

إن الولايات المتحدة الأمريكية و التي ادعت  أنها القوة العالمية الجديدة و الوحيدة بعد سقوط جدار برلين، قد أصيبت بنكسة 11سبتمبر و التي أثرث سلبا على موقعها الريادي في العالم رغم ما قامت به من حروب إستباقية و تدخلات عسكرية لمنع تفاقم الوضع الأمني، إلا أنها كانت ضحية تفجيرات لأهم المراكز الحيوية في قلب العاصمة، و الكارثة العظمى هي عبور الطائرات المنفذة للعملية للاجواء الأمريكية بكل أريحية. ولعل استخدام أنظمة معلوماتية لتعطيل مراقبة الأجواء الأمريكية كان كفيلا بتنفيذ الهجوم دون أدنى مقاومة أو حتى رصد، و السؤال المطروح هنا هل يعبر الهجوم عن ضعف الإستخبارات الأمريكية في المجال الرقمي؟ و أين هي قدرات المراقبة الأمريكية في وقت التنسيق لتنفيذ العملية و التي مرت بدون شك عن طريق شبكة الأنترنت؟ إن مجموعة من الضربات الإرهابية ( باعتباره الخطر الذي يهدد الأمن العالمي في الوقت الراهن) إستعملت تقنيات رقمية، لتنفيذ العمليات الصغيرة منها أو الكبيرة، إما للتواصل بين الإرهابيين أو للتحكم عن بعد في المواد المتفجرة.

وحتى نكون أكثر واقعية، فإن ضبط الشبكة العنكبوتية و كذا المجال اللاسلكي من أصعب مهام العمل الإستخباراتي، و بالتالي يبقى الخطر موجودا و محتملا في كل لَمحَة و نَفَس، ففي بلاغ لخبير تكنولوجيا المعلوميات في مركز الدفاع المعلوماتي التابع لحلف الشمال الأطلسي خلال المؤتمر السنوي الرابع للمركز: ” إن التطور السريع في مجال التكنولوجيا قد يفضي إلى أسلحة معلوماتية ذكية يصعب السيطرة عليها ومن شبه المستحيل، إستخدام اساليب للتحقق من سلامة الأسلحة المعلوماتية الذكية من قبل مستخدميها .

كما صرح أمارتام مدير مركز الدفاع المعلوماتي في الناتو لإحدى الصحف (فرنس بريس) أن فيروسي ستاكسنت و فلايم أظهرا جانبا من الشبكة المعلوماتية لا يفك فيه المستخدم العادي، لكنه سيطرح تحديات عديدة للخبراء في هذا المجال.

و يبقى أبرز مثال على مدى نجاعة هذه القوة و التي أصبحت تنافس القوة النووية بكل المقاييس، هو إختراق مجموعة من القراصنة الشباب في العالم العربي لمواقع  إسرائيلية، منها موقع الجيش الإسرائيلي و موقع الإستخبارات الإسرائيلية، لتنجح في إعاقة مجموعة من التعاملات في إسرائيل. لقد أصبح في مقدور شاب عادي من منزله تسبيب ضرر لإحدى القوى العظمى في العالم، لا و بل كشف دواليب و أسرار كانت في السابق حكرا على صناع القرار.

فإذا اختلفت نظريات الجيوبوليتيك في وقت سابق بين من يؤكد أن من يحكم أوراسيا يحكم العالم، و بين من يقول من يحكم النطاق الهامشي يحكم العالم، فإن ميزان العقل على ضوء مستجدات النظام العالمي يقول من يضبط العالم الإفتراضي يحكم العالم.
إن كل دولة تبحث على فرض كيانها في المنتظم الدولي، أو على الأقل تحقيق أمن داخلي و ضمان إستمرار عمل مرافقها، يجب أن تسهر على ضمان ركنين أساسيين، أولا  التوفر على القوة العسكرية التقليدي (البرية و البحرية و الجوية) و ما يصاحبهما من حكامة جيدة و ترسيخ مفهوم المواطنة…، ثم ثانيا و هو الأهم تطوير منظومة الدفاع و الهجوم السبيرنيتيكي الرقمي للدولة و التحكم في العالم الإفتراضي و ضبطه،  ثم التنقيب على كل الطاقات  التي تتوفر عليها الدولة في هذا المجال مهما كانت درجات تكوينها و احتضانها، لخدمة مصالح الدولة بدلا من تحولها لقوة قد تزعزع كيانها يوما ما.

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.