https://www.facebook.com/MoroccoTravelAgencySARL

قضية الوحدة الترابية..الصراحة أولا…

الكاتب : مولاي التهامي بهطاطكنال تطوان+

من المؤكد، أن الإدارة الأمريكية لم تنم ليلة الإثنين 15 أبريل الجاري، ليس بسبب تفجيرات ماراطون بوسطن، ولا بسبب التهديدات الكورية الشمالية باستعمال السلاح النووي لضرب مواقع استراتيجية، بل بسبب الاجتماع الطارئ الذي حضره بعض المستشارين الملكيين وبعض أعضاء الحكومة فضلا عن قادة الاحزاب السياسية.
ولحسن الحظ أن الاجتماع التأم من أجل الإنشاء وانفض على الإنشاء، ولم يهدد أمريكا بقصفها بصواريخ “شباط 1” أو “لشكر 2″، بما أن سقف ما يستطيعه المجتمعون هو الفرقعة الكلامية.
إن أول ملاحظة تستوقف في هذا الاجتماع، الذي لا هو مجلس حرب ولا مجلس سلم، أن الأغلبية الساحقة من الذين تم وصفهم بأنهم زعماء احزاب، إما لا وجدود لهم ولأحزابهم على أرض الواقع، أو أن شرعيتهم مجروحة بحكم أن الطريقة التي وصلوا بها إلى الزعامة لم تكن محل قبول من جميع مكونات الهيئات التي يدعون قيادتها.
فكيف والحالة هذه ستكون خلاصة اجتماعهم تعبيرا عن إرادة شعبية والحال أن أحزابهم مجتمعة لا تتوفر سوى على بضعة آلاف من المنخرطين وليس المناضلين؟ وأية رسالة يمكن أن يقرأها الرأي العام الدولي من خطوة من هذا القبيل غير استمرار أساليب الماضي، حيث تصدير الوجوه الحزبية للحديث عن “موقف ثابت” و”إجماع وطني” وغير ذلك من الجمل المستهلكة؟
وللوعي بأهمية هذه الملاحظة، لابد من التذكير بالعودة المفاجئة للمبعوث الأممي كريستوفر روس الذي لم يقنع بما سمعه سابقا من رئيس الحكومة “المنتخبة” وبقية الجهات المغربية الرسمية التي التقاها، وفضل لقاء الملك شخصيا، ربما لأنه يدرك أن المؤسسات “المنتخبة” لا تملك أية سلطة، ولا يمكنها أن تلعب أي دور..ولو حتى دور ساعي البريد.
الملاحظة الثانية تذكرنا بالهجوم الإعلامي الكاسح على لجنة تحديد الهوية بعدما أدت خلاصات عملها إلى ما لم يكن متوقعا، حيث أوحى البصري يومها للصحف للتصويب نحو الأمم المتحدة، وهي مناورة كان الهدف منها إقناع صناع القرار الدولي بأن المخطط المرسوم لن يسير وفق ما كان محددا، وأنه لابد من البحث عن حل بديل، بعدما حامت الشكوك حول نتيجة “الاستفتاء التأكيدي”.
وفي الحالة الراهنة هناك بدايات شخصنة للخطوة الأمريكية عبر اتهام كاتب الدولة الأمريكي في الخارجية جون كيري، بالتماهي مع طروحات جماعة كينيدي حول حقوق الإنسان في الصحراء.
وهذه الشخصنة توحي بأن الإدارة الأمريكية تدير الأمور على طريقة بعض دول الخليج حيث الأمراء الوزراء يديرون الوزارات التي يتولونها بمنطق المقاولة العائلية التي يورثونها لأبنائهم من بعدهم.
فأن يكون جون كيري أقدم على هذه الخطوة بشكل انفرادي، معناه أن أمريكا تتعاطى مع ملفات السياسة الدولية بارتجالية، والحال أن الكل يعلم أن الديبلوماسية الامريكية تتحرك بناء على خلاصات عمل الباحثين والخبراء الاستراتيجيين، وتستمع بإمعان لنصائح مراكز الدراسات وخلايا التفكير التي تتوفر عليها الجامعات والمعاهد العليا.
والملاحظة الثالثة، مدخلها السؤال التالي : ماذا فعل تجار حقوق الإنسان الذين احتلوا الواجهة منذ بداية الألفية الحالية، وباعوا الوهم للمغاربة؟ ألم يحن الوقت لمحاسبتهم على التضليل الذي مارسوه، بل إن رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان أصبح في الآونة الأخيرة يتصرف كما لو كان فوق المؤسسات الدستورية، ليس برفضه المتكرر المثول أمام البرلمان، بل حتى بتصريحاته التي تعاكس أحيانا المواقف الرسمية المعلنة للدولة؟
وبكل أسف، لم نر من معالجة لملف حقوق الإنسان، سوى صرف ملايير لجبر أضرار من يفترض أنهم “مناضلون” لم يناضلوا من أجل المال، فضلا عن خلق طبقة جديدة من المسؤولين الذين كل مؤهلاتهم أنهم سجنوا بسبب أفكارهم الانقلابية، أو هربوا إلى فرنسا لممارسة المعارضة عن بعد، وحان وقت المكافأة بالمناصب، بينما يفشل هؤلاء في مواجهة الجزائر بكل ملفها الحقوقي الأسود، وقبلها عصابات المرتزقة التي تمارس كل أنواع الاستعباد في تيندوف.
والملاحظة الرابعة، تتمثل في أن المغرب لا يتوفر على وزارة خارجية، بل على وكالة توظيف، مهمتها إيجاد مناصب لبعض المرضي عنهم، بدليل أننا نتحدى أية جهة داخل الوزارة بأن تمدنا بأسماء السفراء الذين احترموا في مسارهم التطور المنهجي والمنطقي المعتمد في الديبلوماسيات المحترفة، أي التدرج من أقل رتبة في السلم إلى أعلاها دون حرق مراحل أو نزول بالمظلات.
ومما زاد الطين بلة أن يتم منح حقيبة الخارجية للدكتور العثماني، الذي يعرف الجميع أنه لا يملك أية خلفية ديبلوماسية، لا مهنيا ولا أكاديميا، وبالتالي بدا كما لو أن دوره يقتصر على وضع لحية على وجه الخارجية المغربية حتى تتماشى مع متطلبات الربيع العربي.
ما يؤكد هذا الطرح، كون الظرفية الحالية غير مسبوقة في تاريخ قضية الصحراء، حيث لأول مرة تقف إسبانيا على الحياد، بسبب انكفائها على مشاكلها الداخلية، وهي التي كانت ترى في هذا الملف دائما وسيلة لابتزاز المغرب وضمان عدم تطلعه لتصفية ملفات سبتة ومليلية وغيرهما من الثغور المحتلة.
كما أن الجزائر تعيش على صفيح ساخن، بل هناك قناعة راسخة بأنه بمجرد انتهاء الحرب في سوريا، سيحل “الربيع العربي” بهذا البلد الذي يعاني من احتقان اجتماعي غير مسبوق، لن ينفع في تأجيله شراء الوقت اعتمادا على عائدات البترول القياسية.
وأكثر من ذلك، فإن سقوط نظامي بن علي والقذافي فتح أمام المغرب فرصة لن تتكرر حتى بعد ألف عام ليكون دينامو ومحور المغرب العربي، خاصة في ظل توتر العلاقة بين الحكام الجدد في البلدين، وبين القيادة الجزائرية التي أقفلت حدودها مع ليبيا، وتتهم التونسيين بتدريب “الإرهابيين”..ومحاولة “تصدير” الثورة نحوها.
ومع ذلك، ورغم كل ذلك يفرح الدكتور العثماني وطاقمه بتجميد “دول”..”بارباد” و”سان فانسان وغرينادين” اعترافها بجمهورية تيندوف، ونتحدى السيد الوزير بالمناسبة أن يحدد لنا بالتقريب -وليس بالضبط- موقع هذه الدول على الخريطة الجغرافية وليس الجيو سياسية.
الملاحظة الخامسة، تتمثل في أن الموقف الأمريكي الأخير، الذي بدا مفاجئا للبعض، هو نتيجة منطقية لمقدمات ذهبت أبعد من المطالبة بمراقبة الوضع الحقوقي في الأقاليم الجنوبية، فقد رأينا كيف أن برلمانات أوروبية أوصت حكوماتها بالاعتراف بالبوليساريو وهي خطوة آتية لا ريب فيها، فضلا عن الشروط المذلة التي يفرضها الاتحاد الأوروبي على المغرب بمناسبة المفاوضات حول تجديد اتفاقية الصيد البحري، وكأن ما فوسفاط بوكراع وأخطبوط الداخلة هما وحدهما اللذان وفرا مئات الملايير من الدراهم التي صرفت على تنمية الأقاليم الجنوبية منذ استرجاعها.
الملاحظة السادسة، تتمثل في أن قضية الصحراء لم تعد قضية شعب كما كانت في البداية، بل أصبحت قضية كواليس وأبراج عالية ودوائر ضيقة، ولذلك لا عجب أن يكون ممثلو الأمة آخر من يعلم بالتفاصيل، بل حتى الحكومة الحالية من المؤكد أنها لا تطلع سوى على “الخطوط العريضة”، وإلا فما الذي يمنع مثلا من الاستفادة من الكفاءات المغربية الحقيقية التي صنعت تاريخها اعتمادا على قدراتها الذاتية وفي المجال الديبلوماسي تحديدا وعلى المستوى الدولي؟ أليس هؤلاء أولى بالملايين التي تصرف على المدربين الأجانب الذين لا يقدمون سوى الهزائم وعلى الفنانين الشواذ الذين يروجون لمخلف أشكال الانحراف؟ ولماذا لا يتم تعيين الاستاذ عبد الرحمان اليوسفي مثلا مبعوثا خاصا أو مندوبا ساميا أو سفيرا متجولا أو أي شيء من هذا القبيل مكلفا بملف الصحراء، فالكل يعلم أن علاقاته الدولية والاحترام الذي يحظى به في كثير من المنتديات الدولية يمكنهما أن يفتحا كثيرا من الأبواب الموصدة؟ أليس هو أولى من بعض “العائدين” الذين يمارسون جولاتهم “الديبلوماسية” على مقاهي العاصمة وشوارعها وتحت دخان السيجار الكوبي؟ ولم الإصرار على التهريج الديبلوماسي حيث لا ندري لماذا لم تفتح مثلا أية جهة تحقيقا في كلفة “المصالحة الفلسطينية” التي جرت في الرباط؟ وحول مصاريف السباق على الحج المتأخر نحو غزة بدافع التنافس مع حزب العدالة والتنمية وليس حرصا على الدم الفلسطينيين فضلا عن رحلات الشرق والغرب تحت مسميات الديبلوماسية الموازية والبرلمانية والحزبية، بدل التركيز على ملف الوحدة الترابية والتعامل معه باحترافية؟
بل لماذا لا تخصص وزارة الخارجية ولو جلسة نصف سنوية أو حتى سنوية للاجتماع بأساتذة الجامعات الذين يدرسون  مادة العلاقات الدولية لطلبة كليات الحقوق، على الأقل من أجل الاسترشاد بأفكارهم والاطلاع على “المصطلحات” الجديدة، بما أن الميزانية العامة لا تسمح بإنشاء مراكز عمومية  للبحث والتفكير، وبما أن المراكز “الخاصة” الموجودة حاليا تحت مسميات كثيرة، لا يتعدى اهتماماتها نيل الرضى الفرنسي، او القطري عبر دفتر شيكات الشيخة موزة؟
الملاحظة السابعة، ينسى الذين يتحدثون عن “الإجماع الوطني”، أن الوضع في المغرب أصبح أعقد من الحال في الهند على مستوى تعدد الملل والنحل واللغات والعرقيات، وتكفي قراءة بعض ما يوقعه “أكاديميون” و”مثقفون” من مقالات  في هذا الباب للوقوف على حجم الخطر الذي يهدد المغرب في المستقبل القريب، خاصة وأن الانفصال ليس مشكلة الصحراويين فقط، وهذا دون الحديث عن حرب داحس والغبراء التي يخوضها شباط ضد حلفائه في الحكومة.
والخلاصة، إن حالة التخبط التي تجلت بوضوح بعد الصفعة الأمريكية، تدفع لطرح العديد من الأسئلة:
 حول سر الاستنجاد التلقائي بفرنسا التي راهن البعض على أنها قد تستعمل تلقائيا حقها في النقض دفاعا عن مصالح المغرب والحال أننا لسنا دولة بترولية بفائض مالي يقدر بالملايير، فثمن هذه المساعدة سيكون مزيدا من التمكين للمقاولات الفرنسية مع ما يعنيه ذلك من استنزاف متواصل لجيوب المواطنين؟
وكذا حول دور سفارة المغرب في واشنطن التي يبدو أنها تطلع على أخبار أمريكا عبر متابعة المواقع الإلكترونية المغربية؟
وحول مدى استفادة المغرب من عضويته غير الدائمة بمجلس الأمن، وهو الذي وضع صوته وصورته في يد أمريكا؟
وحول جدوى الرهان على معسكر واحد، والحال أن الصين وروسيا والهند، فضلا عن تركيا وإيران ودول الربيع العربي يمكنها أن توفر للمغرب هامشا كبيرا للمناورة خاصة في لحظة إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط من جديد؟
لكن في كل الأحوال علينا ألا نتوقع حدوث معجزة، مادامت نفس الأيدي “المجهولة” ماسكة بملف الوحدة الترابية، وما دامت السياسة الخارجية تتخبط دون استراتيجية واضحة. فقد انتظرنا طويلا بعد إسهال من الخطابات حول لاجدوى مقاربات العهد القديم لهذا الملف وحول “الأخطاء” التي تم اقترافها، والحال أن كثيرين أصبحوا يحنون إلى ذلك الماضي الذي كان أقصى ما يستطيعه الانفصاليون هو الاستماع متخفين تحت جنح الظلام لإذاعة “صوت الصحراء”، بينما أصبحوا اليوم يرفعون أعلام “دولتهم” في شوارع الرباط وويل لمن “اعتدى عليهم”.. بل لقد تأكد أن أنسب طريقة – في غياب بدائل عملية، خاصة بعد فشل مناورة مخيم اكديم ايزيك – هي الاعتماد على “الاعيان” فهم أدرى بـ”خروب بلادهم”..
ولبعض الحالمين الذين “يهددون” بمسيرة خضراء جديدة، نقول إن أجيال المغرب الجديد قادرة فقط على تنظيم مسيرات “نشاط” نحو منصات مهرجان موازين الذي اقترب موعده، أو مسيرات جراد كتلك التي شاهدناها مؤخرا في شوارع الدار البيضاء.. ولذلك أرجو صادقا أن يتم “ردع” أية محاولة لتنظيم أية مسيرة لدعم الموقف الرسمي من قضية الصحراء، لنها ستكون فضيحة خاصة وان الحضور لن يتعدى العشرات، وربما لنفس الوجوه التي كانت تخرج – بضم التاء وفتح الخاء- لمواجهة شباب 20 فبراير.ز
وأتمنى في النهاية فقط  أن يكون لدى أولياء المغرب وصلحائه بقية بركة.. تبطل السحر مرة أخرى.. لأنه لولا حضور تلك البركة في اللحظات الحاسمة -خاصة في السنوات الأخيرة- لكان المغرب قد صار جزء من الماضي.

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.