https://www.facebook.com/MoroccoTravelAgencySARL

الرئيس دائما على صواب !

يقول العلامة عبدالرحمن ابن خلدون “وصلت إلى بلاد المغرب فوجدت أناسا يحبون ممارسة السلطة ولو على صخرة” في إشارة منه إلى التمسك بملكية مكان أو موقع ولو كان من تراب . فما أشبه الأمس باليوم، فالكرسي عندنا له مكانة عظيمة في النفوس، وقد يرقى هذا المكون من خشب وجلد في العديد من الأحيان إلى مكانة الزوجة والأولاد إن لم يصبح هذا الكرسي جزء من الذات وفردا من أفراد العائلة. على الرئيس أن يدافع عنه لأنه مصدر رزقه ورزق أولاده. ولذلك إذا أخطأ في حق مرؤوسيه عليهم أن يتفهموا وضعيته وأن يشفعوا له وأن يعتبروه محقا في كل تصرفاته وقراراته حتى وإن كانت على خطإ. والتعاطي مع هذه المقولة الشائعة تكاد أن تكون العملة المتداولة في الإدارة المغربية في علاقة الرئيس بمرؤوسيه. والأخطر فيها أنها تفرض حالة من التبعية والتسلط اللذان يصيبان الحياة الإدارية بالشلل المميت وبالسئم في جسم الإدارة المغربية. هذه النمطية في التفكير تغلق باب الاجتهاد والابتكار ويصبح المرؤوس حبيس أفق ونزوات رئيسه، ويبحث عن السبل في كيفية محاباة وإرضاء الشخص القائم عليه في تلك الإدارة.

هذه المجاملة، لكي لا أقول رياء، يفرضها الرئيس بنفسه على أعوانه تحت طائلة أن الإدارة لها هالتها لكي يحصن موقعه ، ومن منظور أن هؤلاء الأعوان يأتمرون بأوامره التي هي بحسبه غير قابلة للنقاش. وليس المهم بالنسبة له أن تكون تلك الأوامر مطابقة للوائح وللقوانين الواجب احترامها، بل الأهم هو الانضباط إلى حد الخنوع. والموظف المرغوب هو الأكثر تملقا وتوددا لرئيسه، في حين أن الموظف الذي تسول له نفسه بمجادلة رئيسه ليس في شخصه بل في أمر ما لخدمة الصالح العام ، قد ينظر إلى سلوكه بمثابة تمرد على سلطة الرئيس الذي لا يتردد بدوره في الاستعانة بأسلوبه السلطوي لإقبار هذا الرأي النشاز.

فإصلاح الإدارة المغربية يجب أن ينطلق من ذاتها ومن جعل طاقمها يشعر بالأمان في أداء واجباته من دون خوف أو وجل، وأن يشعر كذلك في عملية التعاطي مع الملفات الموكولة إليه بأنه هو المسؤول عنها إيجابا وسلبا، وأن رأيه في شأنها يعتد به في حيثيات وخلفيات ملف أو معالجة قضية من قضايا الشأن العام أو الخاص. فالإدارة المغربية لكي تتطور يجب التخلص أصلا من منظومة عقلية تقوم على الاستبداد في اتخاذ القرار أو أن رأي الرئيس دائما هو الصائب. فهذا الإصلاح مطلوب وضروري لأنه يشكل نقطة ارتكاز في التنمية الشاملة التي ننشدها لهذا البلد.

ومن المفارقات العجيبة بين الإدارة المتطورة والإدارة المتخلفة، وهي أن الأولى تثق في طاقمها وتعطيه الإحساس بالمسؤولية وتعترف له بالنجاح إن تحقق، وتحمله تبعات الإخفاق إن حصل. وأن الرئيس في هذا النوع من الإدارة يعتبر واحدا من طاقمها له مسؤولياته واختصاصاته ومطلوب منه أن يحترم ويقدر أعوانه الذي ينظر إليهم كزملاء لا كخدام قاعدون هناك في انتظار أوامره، والمطلوب من أعوانه في الجهة المقابلة الالتزام والانضباط في حدود ما تسمح به القوانين . وعلى النقيض من ذلك، فإن الصنف الثاني من الإدارة المتخلفة لا يفرق فيها الرئيس بين شخصه وموقعه أي بين أهوائه ونزواته وبين مهامه ومسؤولياته الإدارية. فالحدود بينهما في العديد من الحالات تكاد أن تكون منعدمة حيث السيارات الرسمية هي ذاتها سيارات العائلة، وهي سيارات للمهام الرسمية كما هي سيارات للتسوق. والطاقم الإداري ينظر إليه أحيانا على أنه جزء تابع لشخص الرئيس ولمزاجه وفي كل حالاته النفسية التي ينقلها معه من البيت إلى الإدارة. فالنجاح ينسبه سيادة الرئيس لنفسه، والإخفاق يسقطه على أعوانه.

وفي سياق هذه المفارقات، ومن أجندة ذكرياتنا نستحضر ما عشناه شخصيا في بعض الدول العربية من صدمة حزت في النفس والمناسبة كنا على طاولة عشاء وكان بجانبي نائبا للسفير الأمريكي فإذا به تلقى مكالمة من البيت الأبيض يستشيرونه حول طارئ حل بذلك البلد وأن رأيه ضروري لكي يستأنس به الرئيس الأمريكي في كلمة سوف يلقيها في ذات اليوم. استفسرت الدبلوماسي الأمريكي وصدمني بآلية العمل التي يشتغل بها هؤلاء الناس الذين يحترمون ويقدرون مرؤوسيهم ويعتدون بآرائهم. أما رؤساء إدارتنا لا يخجلون في تبني ثمار أي عمل أو مجهود يقوم به جندي الخفاء الذي يظل الجندي المجهول وغير المعترف به من طرف الإدارة المركزية. بل ليس من حق هذا الموظف أن يعرف حتى على نفسه وإن فعل فهو مشاغب ولا يحترم التسلسل الإداري ومن شأن ذلك أن يعرضه لأقصى العقوبات التأديبية وإلى الإقصاء والتهميش.

ومن العاهات التي ابتليت بها الإدارة المغربية أن الرقابة والملاحقة لا تطال إلا المرؤوس باعتباره الحلقة الضعيفة في المعادلة . ونحن مع المساءلة ومع العقاب وملاحقة جميع الموظفين كبيرهم وصغيرهم لأنها أدوات ناجعة لتطهير الإدارة وتحسين أدائها، لكن هذه الإجراءات ينبغي تعميمها على الجميع ولا نستثني فيها الرئيس ونتمسك بها أيما تمسك حينما يتعلق الأمر بالمرؤوس، ولا ينبغي على الإدارة في لجوئها أن تميز بين موظفي الدولة بحسب اللقب والنسب كأن تكون صارمة وتنزل أشد العقوبات على موظف ظهره غير مسنود، وتصاب بالعمى أمام المخالفين المنتمين إلى المجتمع المخملي ويجف القلم عن تحرير محاضر بشأن زلاتهم.

ونحن لا ننفي أن هناك مجهودا يبدل لتحسين أدوات المراقبة الرامية أساسا إلى الإصلاح الإداري وملاحقة كل التجاوزات التي كانت في السابق تطبع السير العام للإدارة. صحيح أن هناك تحسنا لكن في نفس الوقت هناك تمييز في التعاطي بصرامة مع هذه التجاوزات بحسب موقع الشخص الذي هو في دائرة الاتهام. والغريب أنه إذا كان هذا الشخص له ما له من النفوذ فهو لا يعاقب فقط بل قد يكافئ بنقله إلى منصب رفيع بعيدا عن المنصب الذي كان موضع شبهة، كمثل مسؤول أسند إليه منصب دولي في الخارج ولم تعد له أية علاقة بالإدارة المغربية، لكنه بالرغم من ذلك وقبل الالتحاق بمركز عمله الجديد تحايل من موقعه القديم على الإدارة الأم لكي يرتب لنفسه ويسطو على تعويضات أخرى يتقاضاها بالعملة الصعبة على حساب إدارته الأصلية. وهنا يطرح التساؤل وهو على من نريد أن نمارس سلطة الرقابة، وأين هو هذا السيف الذي لا نشهره من غمضه بنية الإصلاح إلا على الضعاف. فلم نسمع عن أي تحرك ضد هذا الشخص من قبيل فتح ملف للتحقيق على الأقل للوقوف على ما نسبت إليه من تجاوزات والتأكد من صحتها، كما لم نسمع عن أي تحرك للمجلس الأعلى للحسابات فيما يتعلق بهذه القضية. ونعتقد أن المجال أمام هذا المجلس ما زال مفتوحا فالتقادم لم يشملها لإسقاطها من أجندته.

فمثلما نسمع بملاحقة موظف هنا أو هناك على رشوة تلقاها مقابل أداء واجباته المهنية، وهي ملاحقة من الناحية القانونية والأخلاقية مطلوبة وضرورية، فإنها كذلك أي الملاحقة ينبغي أن تطال بعض الشبهات أو الالتباسات في موضوع الأموال الطائلة المرصودة لدعم ومساعدة أنشطة الجمعيات المغربية في الخارج بدعوى دعم الكفاءات والقدرات. ولعل ما صرف في الواقع من هذه الأرصدة لفائدة هذه الجمعيات يبدو أنه خارج الرقابة المالية، وفي غالب الأحيان كان تحويل تلك المبالغ يتم مباشرة إلى الحسابات البنكية لتلك الجمعيات في الخارج التي وصلت في بعض الأحيان إلى 350 مليون سنتيم في تحويل واحد ومباشر إلى حساب الجمعية. وكانت الوثيقة لتبرير هذه المصاريف هي شهادة التحويل. والسؤال المطروح على أجهزة المراقبة أو أجهزة التحقيق أو لجان تقصي الحقائق، هل التحويل المباشر من حساب جهاز حكومي إلى حساب جمعية تنشط في الخارج يعد إجراء قانونيا أم لا، وإذا كان كذلك فهل يتم الاكتفاء بشهادة التحويل كإثبات لتبرير تلك المصاريف أم ينبغي الإدلاء بوثائق ومستندات تبرز طبيعة تلك النفقات . هذه أسئلة نطرحها على كل جهاز، كالمجلس الأعلى للحسابات والمفتشية العامة للمالية، يفترض فيه أن يذهب في مهمة التحقيق إلى أبعد الحدود للوقوف على حقيقة كيفية صرف تلك الأموال الطائلة ومعرفة ما أذا كانت قد اتخذت الاتجاه الذي رصدت من أجله أم انحرفت عنه. ونحن لا نشكك في النوايا بل همنا الوقوف على الحقائق وتوضيح الالتباسات. لكن المثير للاستغراب أن البيانات التي كانت تحتوي على أسماء الجمعيات وعلى المبالغ التي حولت إليها قد شطبت من الموقع الإلكتروني للجهة المعنية. والسؤال، لماذا؟

صحيح أنه حينما نسمع بلجان للتحقيق أو بالأحرى هي في واقع الأمر لجان تقصي الحقائق تتنقل وتجتمع لملاحقة تجاوزات الموظفين المستخفين بواجباتهم، فإن ذلك يعد مدعاة للاعتزاز والافتخار ويبشر بوجود عهد جديد. وقد تبين أن ما وقفت عليه هذه اللجان من تجاوزات وما اتخذت بشأنها من قرارات صائبة وعقوبات رادعة لأولئك الموظفين، أعطاها مصداقية لأنها أبدت صرامة بالفعل تجاه تفشي سلوكيات مشينة لبعض الموظفين المخلين بأخلاقيات المهنة. وإذا كان ذلك قد سجل لصالح أعضاء هذه اللجان، فإننا نقر في نفس الوقت أن إرادة هؤلاء الأعضاء ونحن نعرف نواياهم الحسنة ولا نشكك أبدا في مصداقيتهم ولا في وطنيتهم، تبقى محدودة في إطار ما هو موكول لهم، وأن عزيمتهم تخبو بعد أن تصطدم بما هو أقوى من إرادتهم.

ولربما قد يحز في نفوسهم حينما يسمعون كما نسمع معهم هذه الأيام عن بعض السفراء، وهم يتظاهرون بالطهر والموعظة، كثر الحديث عنهم باستغلال نفوذهم وأنهم قد تحرشوا بموظفة أو سكرتيرة، وتصلهم معلومات أو حتى شائعات ولا يقوون على فتح ملف أو الاقتراب منهم، فبالأحرى مباشرة التحقيق معهم. والأخطر من ذلك أن يتم تداول هذه الأخبار في بعض وسائل إعلام ذلك البلد الذي ينشط فيه سعادة السفير. فكيف لهذا الأخير أن يتحرك لدى تلك السلطات ورائحته أزكمت الأنوف عن حق أو باطل. سب وشتم وتحرش جنسي هنا وهناك وهي الأخبار التي تناقلتها بعض وسائل إعلام بلد الاعتماد. فعلى الأقل تبينوا كما جاء في محكمه حتى لا تصيبوا قوما بجهالة. ومعنى “تبينوا” في قوله سبحانه وتعالى أي سارعوا إلى إجراء تحقيق. وسارعوا إلى إخراج سعادته من ورطته وارحموه باستدعائه نهائيا إلى الإدارة المركزية حفاظا لماء وجهه و حفاظا على سمعة بلده، ولكن لا حياة لمن تنادي. وعلى أصحاب السعادة عموما أن يمارسوا رقابة ذاتية وأن يهتدوا بما أمر به الله في سورة الحج الآية 17 ” ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء”. ومن لم يتق الله في عباده فهي إهانة، والإهانة تتمثل في من يصف المخلوق بالعبد او التحرش به، ولذلك وجب في حقه العذاب .

لكن للأسف الشديد هناك اعتبارات غير موضوعية تدخل في الحسبان. فالمحقق أو المفتش ليست له سلطة مستقلة فهو الآخر موظف له رئيسه ولن يتحرك في مثل هذه النازلة إلا بأمر من هذا الأخير قد يكون وزيرا وقد يكون كاتبا عاما. وفي هذا الصدد، تدخل عدة اعتبارات، فالمسؤول الذي قد يسأل عن التحرش أو على أي تجاوز قد يصبح يوما وزيرا أو كاتبا عاما للوزارة ما دمنا نلج المسؤولية من الباب الدوار. فاليوم لك وغدا عليك ولعل هذا التقلب في المناصب هو الذي يجعل ذلك المحقق يخشى ذلك المسؤول المقصر في واجباته أن يصبح بقدرة قادر في المستقبل رئيسه المباشر وأن يسلط على رقبته سيف الانتقام. لذلك يستحسن ألا يفتح ضده ملف أخلاقي . فيما تبقى تلك الموظفة البسيطة عرضة للابتزاز والمساومة والتحرش وتخشى الدخول في أية مواجهة تعرف مسبقا أنها هي الخاسرة. فالرئيس معصوم عن الخطأ ومرفوع عنه القلم ويحق له بلسان سليط أن يحط من آدمية مرؤوسيه ويهين كرامتهم.

فمتى ستفهمون أن ما نراه من ظواهر مشينة في شخص أصحاب السعادة منهم من هو “سكينوزفري”ومنهم من كان يحمل حقيبة السيد الوزير، ومنهم من هو جاهل للغة الضاد وكان سفيرا في بلد عربي ليتواصل معه بلغة “موليير”، كل ذلك نتاج لقرارات خاطئة تحكمت فيها اعتبارات عائلية وحزبية واعتبار “اباك صاحبي” على حساب معايير مهنية وموضوعية.

إجمالا، إن إصلاح المنظومة الإدارية لا ينبغي أن نكيل فيه بمكيالين. فالفساد ظاهرة واحدة وجب محاربتها مهما كانت طبيعة المفسدين. ولا بد من توفير بيئة ملائمة قانونيا وإداريا وأخلاقيا لكي يعمل فيها الموظف بكل طمأنينة والإحساس بوجود ضمانات، ومن دون أية إكراهات ولا خوف. ولكي يتسنى لنا ذلك، فإن الحاجة ضرورية لابتكار أدوات تتماشى مع العقلية المغربية للتواصل بشكل مباشر مع الإدارات المركزية لتسجيل حالات التجاوزات والخروقات وتعسف هذا الرئيس أو ذاك في مواقع يجب أن تكون مفتوحة وقابلة للولوج في وجه العموم حتى يعرف مآل الشكايات وإلى أين وصلت. هذه الشفافية وهذا الوضوح، نعتقد أنهما أساسيان لبناء صرح إداري سليم قد يحسب له حساب ويكون رادعا لكل المفسدين والعابثين بمصائر الناس وبمستقبل الموظفين وبالمصلحة العامة للبلاد. أقول قولي هذا وأعرف أنها صيحة في واد، وأعلم جيدا أن مقالي سيعرف طريقه نحو سلة المهملات. ولكن للبلد رب يحميه، ولذلك زرع سره في سبط الرسول ليتولى أمره.

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.