https://www.facebook.com/MoroccoTravelAgencySARL

نعم للأمن..لا للتفريط في القانون والعدالة

كنال تطوان / بقلم :

تناقلت الصحف الوطنية وعدد من المواقع الإلكترونية في الآونة الأخيرة ثلاثة أخبار لم تأخذ الأهمية التي تستحقها في النقاش العمومي وذلك بالنظر إلى طبيعة هذه الأخبار التي تحيل على قضايا أمنية لها ارتباط وثيق بعلاقة الأمن بالعدالة والقانون

أولا: تصريح وزير الداخلية محمد حصاد في مجلس المستشارين الذي قال فيه أن الهجوم على الطالب الحسناوي الذي تم قتله في المركب الجامعي ظهر المهراز في فاس من قبل فصيل طلبة النهج الديمقراطي القاعدي ” هجوما كان مع سبق الإصرار والترصد ولم يأتي بشكل عفوي”

ثانيا: تخيير الإدارة العامة للأمن الوطنين لعدد من المسؤولين الأمنيين بين الاستقالة أو متابعتهم قضائيا بسبب ارتكابهم أخطاء ومخالفات مهنية أو مراكمة ثروات مشبوهة بناء على التقارير الأمنية المنجزة في حقهم

ثالثا: حديث وزير الداخلية في مجلس المستشارين عن صدور قرار مشترك بواسطة منشور وقعه إلى جانب وزير التعليم العالي والبحث العلمي، لحسن الداودي، يسمح للسلطات الأمنية المحلية بمبادرة منها التدخل في الجامعات في حال وجود تهديدات لحياة الطلبة.

حديث السيد وزير الداخلية عن وجود عنصري الإصرار والترصد في ارتكاب الفعل الجرمي الذي أودى بحياة الطالب عبد الرحيم الحسناوي المنتمي لمنظمة التجديد الطلابي يضعنا أمام تكييف قانوني للواقعة ينبني على أساس الفصل 393 الذي ينص على أن ” القتل العمد مع سبق الإصرار أو الترصد يعاقب عليه بالإعدام” عوض الفصل 392 الذي كيفت على أساسه النيابة العامة نفس الفعل الجرمي. وينص هذا الفصل على أن ” كل من تسبب عمدا في قتل غيره يعد قاتلا، ويعاقب بالسجن المؤبد. لكن يعاقب على القتل بالإعدام في الحالتين الآتيتين:

– إذا سبقته أو صحبته أو أعقبته جناية أخرى؛

– إذا كان الغرض منه إعداد جناية أو جنحة أو تسهيل ارتكابها أو إتمام تنفيذها أو تسهيل فرار الفاعلين أو شركائهم أو تخليصهم من العقوبة”

وقد عرف المشرع المغربي طبقا للفصل 394 من القانون الجنائي المغربي، عنصر سبق الإصرار، الذي أشار إليه وزير الداخلية محمد حصاد في معرض رده على سؤال طرح عليه في مجلس المستشارين ، بــكونه” العزم المصمم عليه، قبل وقوع الجريمة، على الاعتداء على شخص معين أو على أي شخص قد يوجد أو يصادف، حتى ولو كان هذا العزم معلقا على ظرف أو شرط”. أما عنصر الترصد فقد عرفه نفس الفصل كما يلي ” الترصد هو التربص فترة طويلة أو قصيرة في مكان واحد أو أمكنة مختلفة بشخص قصد قتله أو ارتكاب العنف ضده”

تكييف الجريمة، التي راح ضحيتها الطالب الحسناوي، على أساس الفصل 393 كما يستشف من خلال كلام السيد وزير الداخلية محمد حصاد في الغرفة الثانية، يطرح سؤالين أساسيين تبقى الإجابة عنهما متروكة لأهل الإختصاص:

من هي الجهة المختصة بتكييف الأفعال الجرمية؟ أي مسؤولية تقصيرية لأجهزة الأمن في منع وقوع الجريمة التي صادرت حق الطالب الحسناوي في الحياة على ضوء التعريفين السابقين الذين حددهما المشرع المغربي لعنصري الإصرار والترصد في القانون الجنائي؟

أما فيما يتعلق بمقاربة ” إما أو إما” الذي تعاملت بها الإدارة العامة للأمن الوطني مع المسؤولين الأمنيين الذين ارتكبوا أخطاء مهنية أو اتهموا بمراكمة ثروة مشبوهة، فهي مقاربة، تمس في الجوهر بروح القانون وبمبادئ الدستور الذي يربط المسؤولية بالمحاسبة، ويجعل جميع المواطنين سواسية أمام القانون.

كما أن هذه المقاربة، التي أملتها في غالب الأحيان ضرورة الحفاظ على هبة الجهاز الأمني، مقاربة تمييزية وتفضيلية تكرس للإفلات من العقاب

إن ما يحفظ للأمن هبته، هو التطبيق السليم للقانون في حق كل المخالفين لضوابط المهنة وأخلاقياتها التي تحددها مدونة السلوك الشرطية…وليس المقاربة التخييرية التي أن تفتح شهية الآخرين في مراكمة الثروة وعدم احترام الضوابط المهنية بعد أن يأخذوا الاطمئنان بأن يد العدالة لن تطالهم حفاظا على صورة الجهاز الأمني الذي ينتمون إليه

وفيما يخص الشق المتعلق بالقرار المشترك بين وزارة الداخلية ووزارة التعليم العالي والذي يسمح لقوات الأمن بالتدخل في الجامعة، فإن تحليل ومناقشة هذا القرار، يستوجبان منهجيا طرح الأسئلة التالية:

ما موقع النيابة العامة التي يعد وزير العدل والحريات رئيسا لها من الإعراب؟ وهل يمكن إلغاء دور النيابة العامة بدورية مشتركة بين وزير التعليم العالي الحسن الدوادي ووزير الداخلية محمد حصاد؟ متى كانت الدوريات آلية لتجاوز التشريع الذي يعطي للقضاء دور مهم في مكافحة الجريمة وكل مظاهر العنف؟

مسألة العنف الذي يحصد الأرواح ويتسبب في وقوع إصابات دامية لا يمكن مواجهته أو معالجته بمذكرات مشتركة تتأسس على مقاربة أمنية غير تشاركية..فأي قرار لا يراعى فيه الضمانات القانونية والدستورية والتشريع الدولي في مجال حقوق الإنسان، سيكون مما لاشك فيه، قرار متسرع من شأنه أن يصب الزيت على النار ويتسبب في ردود فعل عنيفة يمكن أن تزيد من تعقيد الوضع في الجامعة المغربية

المؤسسات الجامعية لها حرمتها وتقاليدها وأعرافها التي ينبغي أخدها بعين الاعتبار في أي مقاربة لتطويق ظاهرة العنف التي تبقى لها أسبابها البنيوية المترابطة.

تحتاج الجامعة المغربية في المرحلة الحالية إلى قراءة متأنية لواقع العنف فيها. قراءة توازي بين الحق في الأمن وبين الحق في الحرية وحقوق الإنسان. فلا معنى لأي مقاربة لا توازي بين هذين الحقين المترابطين والمتلازمين مع بعضهما البعض…

للأسف الشديد، ما يقع في الجامعة المغربية من أعمال عنيفة وإجرامية، هو نتاج عدة عوامل، ينبغي الوقوف عندها كاملة بغرض تحليلها واستخلاص العبر منها، حتى، نستطيع صياغة الحلول الضرورية لوضع حد لمشكلاتها المعقدة.

التعصب الاديلوجي، الذي تحدث عنه وزير الداخلية السيد محمد حصاد، عامل حاضر بقوة، ولا يمكن لأي عاقل نكران وجوده، لكن، هذا لا يعني، عدم وجود عوامل أخرى لها أثرها ودورها السلبي في تغذية العنف في عدد من المواقع الجامعية.

هناك شحن وتجييش اديلوجي خطير يستهدف طلبة الجامعات من خارج أسوارها، وهناك أيضا، توظيف سياسوي كبير لمشاكلهم ولأوضاعهم الاجتماعية المزرية وآلامهم وأحلامهم البسيطة جدا من قبل أحزاب سياسية تتصارع على السلطة والمواقع.

ما وقع في فاس، حدث مأساوي ومؤلم ينبغي الانطلاق منه لإعادة الاعتبار للجامعة المغربية، عبر آلية وطنية يساهم فيها الجميع، الأمر الذي يستلزم من وجهة نظري المتواضعة، فتح نقاش عمومي نزيه وشفاف في إطار مقاربة تشاركية لا تقصي أي طرف من الأطراف المعنية بأحوال الجامعة المغربية

العنف داخل المؤسسات الجامعية، نتيجة وليس سبب، و مشكلات هذه الأخيرة لا ترتبط بالعنف وحده، بل هناك مشاكل أخرى ينبغي التعامل معها بشكل مسؤول وجدي في السياسات العمومية للدولة، حتى لا تتفاقم ويتحول معها الفضاء الجامعي إلى فضاء لممارسة كل أشكال العنف والإقصاء والتطرف.

ما يقع في الجامعات المغربية ليس استثناء عما يقع في كل جامعات العالم، بما في ذلك جامعات الدول الديمقراطية التي وقعت فيها أحداث مأساوية مؤلمة. لهذا فالحكمة تقتضي الكثير من التريث لوضع الوصفة الملائمة في التعاطي مع ظاهرة العنف في الجامعة المغربية.

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.