https://www.facebook.com/MoroccoTravelAgencySARL

نفحات من زمان ”السيدة الحرة” حاكمة تطوان

كنال تطوان / هبة بريس – إسماعيل بويعقوبي

من الصعب جدا الحديث عن مكانة المرأة القيادية إبان القرون الوسطى وقليلة جدا هي المدن التي حكمتها إمرأة خاصة عندما يتعلق الأمر بحالة العالم العربي حيث سادت أفكار ومفاهيم تنتقص من قدرات المرأة ، وبإعتبار البعد الديني والتقاليد التي تحضر هنا بقوة والتي تلتقي كلها عند حصر دور المرأة في مهام كانت بعيدة كل البعد عن تقلد مناصب قيادية والسيطرة على زمام الحكم في مرحلة كانت حساسة جدا بمعطيات سياسية وقبلية جد معقدة إحتاجت لحنكة سياسية ولدهاء قل نظيره في منطقة متعددة الروافد ومتناسلة الأحداث والأزمات ، لقد تحققت مقولة طالما ترددت على مسامع المؤرخين والدارسين للتاريخ وهو أن هذا الأخير عوّدنا على فلتات تبصم بشكل واضح وقوي على صفحات مجيدة كما فعلت ”السيدة الحرة” أميرة الجهاد البحري ” كما لقبتها المصادر المسيحية .

حقيقة أننا نصطدم بشح كبير بخصوص المصادر التي تطرقت لمرحلة حكم ”الست الحرة ” بالرغم من المدة الطويلة التي إعتلت فيها عرش مدن ”كشفشاون” وتطوان على الخصوص إلا أننا نجد فقط إشارات بسيطة هنا وهناك فيما ما يتعلق بنسبها وإسمها أو ما يتعلق بفترة حكمها وماميز هذه المرحلة من أحداث ظلت راسخة في الذاكرة والموروث التاريخي والحضاري لمنطقة شمال المغرب وهو ما ولد لدينا في منبرنا تحديا ورغبة في تسليط الضوء على هكذا شخصية تاريخية ذات ”كاريزما” مميزة جعلتها تنفرد بخصوصية الشخصية النسائية التي فرضت معطى ومفهوم آخر للحكم في مرحلة كما أشرنا قلّ فيها وجود العنصر النسوي في ردهات الحكم .

لقد ولدت (السيدة الحرة) بشفشاون حوالي 1493 م نشأت وربيت في حجر والدها الأمير بن على بن موسى بن راشد بن عبد الوهاب بن علال بن عبد السلام بن مشيش (العلمي) فهي إذن علمية شريفة النسب بالرغم من أن العديد من المؤرخين يختلفون حول إسمها حيث يروي البعض أن إسمها (عائشة ) إلا أن إسم الشهرة (السيدة الحرة) أطلق عليها تشبيها بالطائر الحر وهو ما يحمل دلالات عميقة توحي بالطابع والذكاء والحنكة التي كانت تتمتع بها ، وقد تطرقت المصادر البرتغالية والإسبانية إلى شخصية السيدة الحرة والتي وصفتها بذات الذكاء الخارق والأخلاق السامية التي هيأت لها بأن تأخد بيدها السلطة والحكم خاصة بالتزامن مع التعليم الذي أخدته من أشهر العلماء ورجال الدين في عصرها ،

لقد زُفّت (السيدة الحرة) للقائد المنظري حاكم تطوان في حياة والدها علي إبن راشد حوالي سنة 1510 م وهي فتاة مكتملة النضج في السابعة عشر من العمر حيث إعتبر العديد من المؤرخين أن هذا الزواج بمثابة ”زواج سياسي” وتحالف متين بين إمارة ”شفشاون” وقيادة ”تطوان” بغية تقوية جبهة الدفاع ضد البرتغاليين المحتلين لعديد الثغور بشمال المغرب في إبانه ، وإكتسبت ”الست الحرة” في هذه المرحلة تجربة وخبرة في أمور الحكم والتدبير حيث كان زوجها القائد المنظري يُنيبها عنه في الحكم أثناء غيابه في المعارك ضد البرتغاليين والإسبان مما أهلها بعد وفاته أن تتقلد زمام الحكم وتصبح أميرة ” الجهاد البحري ” والذي أولته ”الست الحرة” أولية بإعتناءها بالموانئ وأوراش بناء السفن لمواجهة البرتغاليين والإسبان .

وإذا كان لوفاة القائدالمنظري الأثر الكبير في حياة السيدة الحرة إلا أن ما أعقبها من حدث أعتبره المؤرخون بمثابة الحدث اللافت للأنظار والعالق بالأذهان وهو زواج(الأرملة الجميلة الحرة) بالسلطان ”أحمد الوطاسي” لتتناسل الأسئلة الكثيرة حول غاية هذا الزواج وما الدافع الذي جعل السلطان بحاشيته وهيبته وجيشه وعدته وعدده ينتقل من فاس إلى تطوان ، لقد تحدثت العديد من المصادر التاريخية عن كون زواح السلطان الوطاسي (بالست الحرة) إنما جاء عن معرفة ومناجاة سابقة فهي أخت وزيره وصهره وهي عاملته على تطوان وإقليمها خاصة أنه من الراجح أن السيدة حاكمة تطوان كانت بينها وبين السلطان الوطاسي مراسلات ومكاتبات في أمور عديدة .

لقد كانت المرحلة التي يعيشها المغرب في هذه المرحلة جد حساسة خاصة أن الناس إنقسموا إلى أتباع للوطاسيين وآخرين موالين للسعديين الذين بدأوا يزحفون من الجنوب ويحققون إنتصارات مما زاد شعبيتهم تزامنت مع تحركات أسرة المنظري الذين كانوا يكيدون للحكم الوطاسي حيث إستطاع الثائر ”محمد المنظري ” أن يستغل ضعف السلطان الوطاسي وأن يستقل بحكم تطوان وطرد (السيدة الحرة )بعد أن جردها من أملاكها .

يمكن الجزم حقيقة أن السيدة الحرة إستطاعت أن تحكم تطوان مدة تزيد عن 30 سنة بعد وفاة زوجها ”القائد المنظري” كما أنها إستطاعت أن تنتصر على الإسبان في العديد من الحروب ومنعتهم من إستعمار مناطق عديدة بشمال المغرب لكن المتغيرات والدسائس والتحالفات في النصف الأول من القرن السادس عشر جعل السيدة الحرة ضحية لها مما جعلها تنسحب للعبادة والتصوف وتتوفى بمدينة شفشاون حيث يوجد ضريحها في قلب الزاوية الريسونية بقلب المدينة .

4 رأي حول “نفحات من زمان ”السيدة الحرة” حاكمة تطوان”

  1. جزاكم الله خيرا على هذه المعلومات القيمة والتوعوية خصوصا بموضوع تاريخ منطقتنا الشمالية ونتمنى أن ﻻ تبخلوا علينا بمثل هذه المواضيع في كل حين وجزاكم الله خيرا مرة أخرى.

    رد
  2. كانت السيدة الحرة بحق مفخرة لنساء المغرب وللمرأة العربية والمسلمة عامة!! فكانت ملكة الجهاد والعدل والعلم و الرقي الحضاري بامتياز.. قلما يجود الزمان بمثيلاتها!! رحمها الله وغفر لها!!

    رد

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.