https://www.facebook.com/MoroccoTravelAgencySARL

الانتخابات والمسؤولية الجماعية

قبل أيام قليلة، خابرني على الهاتف أحد طلبتي الصحفيين النجباء، و طلب مني أن أدلي بشهادتي كأستاذ باحث في موضوع الخطاب السياسي الذي واكب الحملة الانتخابية الحالية. راقني سؤال الطالب الذي أعتبره واحدا من أبنائي (و هنا أشير إلى البنوة الأكاديمية) و استرسلت معه في الحديث وقتا طويلا لعله قارب بقليل نصف الساعة، و كان حديثنا حماسيا بكل ما تحمله الكلمة من معاني، رغم أنه انعطف بنا بين الفينة و الأخرى في تفاصيل لا علاقة مباشرة لها بالسياسة، و إن كانت كلها تصب في بحرها الفياض المتلاطم الأمواج. و عندما انتهت المحادثة بيننا، اقتعدت كرسيا و انزويت في شرفة البيت، و أخذت رشفتين سريعتين من قهوتي الباردة، و سرحت ببصري بعيدا حيث الأفق. تنهدت من قلب كسير حزين، و أطلقت لأفكاري العنان…

تراقصت أمام ناظري مشاهد من الطفولة و المراهقة و السنوات الأولى من الشباب، و لعل أقوى هذه المشاهد كان بمعية أبي، أطال الله في عمره. تذكرت كيف أن أبي، الذي أوجه له من هذا المنبر أرقى تحية و أسمى معاني الحب…تذكرت أنه لطالما ربانا في البيت أخواتي البنات و أنا على حب الوطن و التفاني في خدمته انطلاقا من منصب سياسي، إداري، أو غيره. و هنا اعتصر الحزن قلبي من جديد و أنا استحضر المشهد السياسي الحالي بالمغرب، بفوضاه و عشوائيته و ضبابيته و عمقه الغارق في زيف الوعود و “قلة المعقول”.

لطالما تمنيت أن يعم الخير وجه الأرض و أن يصير الشر و الخداع هما الاستثناء في عالم اليوم. واقعنا مر و كريه، و لا أزعم بتاتا أني أملك حلولا سحرية. إن ما أملكه، في إطار هذه الكلمات، أفكار و تأملات، لي عظيم الشرف أن أتقاسمها معك، عزيزي القارئ.

هل تعتقد أن السياسي بيده عصا سحرية يوظفها كيفما شاء لأجل إحداث التغيير ؟ هل يكفي معسول الكلام و الوعود و الخطب الرنانة و الشعارات الطنانة لتحقيق الأغراض و بلوغ الأهداف ؟ هل تحتاط كمواطن ذكي من الخطاب السياسي الذي واكب الحملة الانتخابية الحالية ؟ هل تصدق كل ما يقال ؟ هل تعلم أن أكبر حبات الجوز معظمها فارغ، بلا ثمر يؤكل أو فائدة تجنى ؟ و أنك بت تسمع في المشهد السياسي الحالي بالمغرب جعجعة للرحى و لا ترى لها طحينا ؟ لا أريد أن أطيل عليك كثيرا بهذه الأسئلة و اللمحات و الإشارات، فوقتك ثمين، و لعلك، وقت كتابة هذه السطور، تؤدي واجبك الانتخابي المقدس… لكن، أرجوك، اسمعني جيدا : السياسة مسؤولية الجميع، و المواطن متى تخلق بأخلاق المواطنة الحقة دفع بالبلاد إلى الأمام. إني أعجب لمن يلقي باللائمة دائما على السياسيين و يحملهم 100% كل ما يحل بالمغرب من خير أو شر. إن مصير بلادنا مسؤولية الجميع، و الساسة فيهم الصالح و الطالح، مثلك تماما أيها المواطن، لذا فإن لا أحد له الحق أن يدعي الكمال و العصمة من الخطأ.

إننا وصلنا في المغرب إلى ما وصلنا إليه من فساد أخلاقي و دمار للقيم و استهتار بالعمل و المسؤولية و الالتزام، لأن ذلك ليس قضاء و قدرا، فالله لا يريد لعباده الظلم. إن ما نعيشه من تردي و تخلف في جميع المستويات خليق بأن يلقى على أكتاف الجميع. كلنا مسؤولون. عن النجاح، عن الفشل، عن تقدم مغربنا و رفعته بين الأمم، عن تخلفه و قلة شأنه، عن قوته و عن ضعفه، و هلم جرا… لكل شعب الحكومة التي يستحقها، فهل نحن نستحق الآن أو غدا أو بعد غد الحكومة التي تليق بأحلامنا و تطلعاتنا و هويتنا كمغاربة ؟ ماذا فعلنا من أجل أن نكون مواطنين صالحين ؟ إلى أي حد نحن واعون بمنظومة الحقوق و الواجبات ؟ أين نحن من قيم التضامن و الصدق و الاجتهاد و الإخاء ؟ أين نحن من النزاهة و تربية الأبناء على الأخلاق الحميدة ؟ إن أي خطاب سياسي كيفما كان حجمه أو شكله أو لكنته أو صاحبه لا يعدو أن يبقى خطابا سياسيا. إن الفائدة في الفعل، لأن الأقوال طائرة متبخرة و الأفعال وحدها تترك أثرا في المجتمع. هناك من سيدلي بصوته في الانتخابات و هناك من سيمتنع. هناك من يأمل في التغيير، و هناك من أنطفأ في قلبه بصيص الأمل. إن الانتخابات هي وسيلة للتصدي لثعابين الفساد و تماسيح الجهل و الظلام، فهل أحسنت الاختيار ؟

إن الأمل في إصلاح الأرض راود مند بدء الخلق آدم و الأنبياء و الصالحين و العلماء و رجال الدين و كل إنسان حي الضمير. إن ضرب الظلم بيد من حديد و المساهمة في تقدم المغرب و علو شأنه سواء داخل المعترك السياسي أو خارجه… كل ذلك ممكن و ثابت. لكن ما هو أثبت أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

-أستاذ جامعي و كاتب

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.