https://www.facebook.com/MoroccoTravelAgencySARL

يوم الأرض.. وعرب الخراب

كنال تطوان / بقلم : عبد الله الدامون 

مرّ يوم 30 مارس ولم ننتبه إليه.. مرّ كما تمر باقي أيام الله مع أنه، في زمن مضى، كان يوقظ في النفس الكثير من المواجع.

30 مارس هو يوم الأرض، ويوم الأرض هو يوم فلسطين، ويوم فلسطين كان خاصا بأحلام كثيرة تبدأ بتحرير القدس وتنتهي بتحرير الشعوب العربية، وكأن فلسطين ليست فقط تلك الرقعة الضيقة ما بين البحر الميت والبحر الأبيض.
مرّت السنون ونسي الناس يوم الأرض وانتبهوا أكثر إلى يوم الحب، ودخلت فلسطين غياهب النسيان وجار الزمان على أهلها فتحولوا من شعب يكافح من أجل التحرر من قبضة الصهيونية إلى شعب يقاوم من أجل ألا يُفنيه إخوته العرب.

يوم الأرض لم يعد كما كان ولن يعود كذلك أبدا، ففلسطين ليست هي فلسطين والقدس ليست هي القدس. المقاومة صارت إرهابا، وبندقية في يد فلسطيني مشرد من أرضه تخيف العالم أكثر مما تخيفه مائة قنبلة ذرية في يد صهيوني متطرف.

في الماضي، كان استشهاد بضعة فلسطينيين يشعل الشارع العربي من الماء إلى الماء؛ اليوم، يموت آلاف الفلسطينيين في عربدات متواصلة لجيش إسرائيل، فتشتعل تلفزيونات العرب من الماء إلى الماء. العرب يتفرجون على شلالات الدم الفلسطيني بينما يتناولون عصيرا باردا أو يجتمعون على مائدة عشاء شهية، ونادرا ما تنسد شهيتهم.
في الماضي، كانت الجامعات تشتعل غضبا من أجل فلسطين، وأحيانا يتقاتل الطلبة وهم يتنابزون بعبارتيْ «فلسطين عربية» أو «فلسطين إسلامية».
فلسطين لم تعد اليوم عربية ولا إسلامية، بل صارت قضية منسية، والذين يتذكرونها ويتحدثون عنها يوصفون بكونهم من أنصار الحنين إلى الماضي.
لم تعد فلسطين حاضرة في أي شيء، لا في المقاومة التي تحولت إلى إرهاب، ولا في الأغاني التي تحولت إلى ابتذال، ولا في الشعر الذي تحول إلى «مسخرة»، ولا في الأناشيد التي تحولت إلى بلادة، ولا في المظاهرات التي تحولت إلى استعراضات. فلسطين بقيت لوحدها يتيمة.

في الماضي، كنا نعيش يوم الأرض، من ندوة إلى ندوة ومن معرض إلى معرض ومن نشيد إلى نشيد، ونحن نلف أعناقنا بالكوفية الشهيرة ونرى في كل ما عدانا خونة، لكننا لم ننتبه إلى أن الزمن سيدور وستتحول قضية فلسطين إلى مجرد كذبة أبريل؛ ودار الزمن أكثر فاكتشفنا أن فلسطين لم تعد وحدها المحتلة، وأنه يلزمنا تحرير أشياء كثيرة جدا، فالعرب لم يبيعوا فلسطين فحسب، بل باعوا بعدها بلدانا وشعوبا كثيرة، والعرب الذين كانوا أبطالا لحروب دموية وعبثية، مثل داحس والغراء، هم أنفسهم عرب اليوم.. لا شيء فيهم تغير غير المظهر، أما العقول فهي نفسها.. عقول غارقة في القبلية والطائفية والجهل والتخلف.

عوض أن يحرر العرب فلسطين فإنهم باعوا العراق. باعوه أولا للأمريكان ثم تباكوا على مصير السـُّنة بعد أن استحوذت عليه إيران. وها هم اليوم يندبون خدهم وينتفون شعرهم على ضياع البلد، وهم الذين تآمروا على صدام حسين وقدموه إلى الأمريكيين أضحية للنحر يوم عيد الأضحى.

عرب «داحس والغبراء» هم أنفسهم عرب اليوم.. لا فرق أبدا. ها هي السعودية تقود اليوم حربا لا هوادة فيها على أعدائها، ليس في فلسطين طبعا، بل على جارها الجنوبي اليمن، فالسعودية لا تحب الحوثيين لأنهم شيعة، ولا تحب شعبها في شرق المملكة لأنهم شيعة، وهي لا تحب حركة «حماس»، لأنهم سنة، وأطاحت بحكم مرسي والإخوان في مصر لأنهم سنة. إنها لا تحب أي شيء، لا سنة ولا شيعة.

عرب داحس والغبراء الذين أفنوا بعضهم البعض بسبب ناقة هم أنفسهم عرب اليوم.. الأجلاف، وها هم ينفقون مئات الملايير من أجل إفناء بعضهم البعض، وها هي الثورات المصنوعة تزدهر والانقلابات المخدومة تينع، والثورة هنا جائزة وهناك حرام، والانقلاب هنا حرام وهناك مشروع، ومال الزفت العربي يدور ويدور ليصنع أرذل حقبة عربية على الإطلاق.. حقبة ستظل في التاريخ رمزا من رموز خراب عقول العرب وبوار سلالتهم.

لم نعد نأبه ليوم الأرض لأن فلسطين انتهت، وانتهت أيضا إسرائيل كعدو، وجاء زمن العداوة الطائفية والحروب القبلية والمذابح المذهبية. ذهب زمن العرب الأحرار وجاء زمن العرب الأنذال.

هل تذكرون محمود درويش يوم قال:

هذه الصحراء تكبر من حولنا
صحراء من كل الجهات
صحراء تأتينا لتلتهم القصيدة والحساما
هل نختفي فيما يفسرُنا ويشبهنا
وهل.. هل نستطيع الموت في ميلادنا الكحلي ّ
أم نحتل مئذنة ونعلن في القبائل أن يثرب أجّرت قرآنها ليهود خيبر؟
سقط القناع :
عرب ٌ أطاعوا رومهم
عربٌ وباعوا روحهم
عرب… وضاعوا

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.