https://www.facebook.com/MoroccoTravelAgencySARL

المسكوت عنه في قضايا الاغتصاب !

لم تعد أخبار الاعتداء أو الاستغلال الجنسي للأطفال تستحق النشر، لأننا أصبحنا أمام نشاط “تجاري” متكامل ضمن حلقات السياحة الجنسية.

وسيكون من العبث اجترار نفس الكلام الذي يحاول البعض تسويقه كلما انفجرت فضيحة هنا أو هناك، بعد ضبط سائح او أجنبي مقيم بإحدى المدن المغربية وهو “يستغل” أطفالا أو “يعتدي” عليهم، وأضع الكلمتين معا بين مزدوجتين، لأن الاستغلال والاعتداء يفترضان تلقائيا نوعا من الإكراه أو الإجبار، والحالة اننا أصبحنا نكتشف يوما بعض يوم أن الأمر يتعلق بفعل تم التراضي بشأنه، وأحيانا بعلم ولي أمر “الضحية” إذا كان قاصرا، بل إنه ربما المستفيد الأكبر من العائدات المادية لـ”الصفقة”.. ورحم الله زمانا كان البعض يردد فيه حكمة “تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها”.. فقد وصلنا إلى مرحلة أصبح فيها حتى “الأحرار” يأكلون باثدائهم..

إننا إذن، أمام انقلاب خطير في المفاهيم لم ينزل فجأة من السماء ككارثة طبيعية، بل هو نتيجة تراكمات عرفها العقدان الأخيران تحديدا..

لكن قبل النفاذ إلى عمق الموضوع، لابد من التوقف عند أحد محاوره الرئيسية التي تتعلق بأن التطبيع ما جريمة ما هو أخطر من الجريمة نفسها..

فالجريمة ظاهرة إنسانية لم يخل منها زمان ولا مكان، بل قتل قابيل هابيل رغم أن ساكنة الكرة الأرضية لم تكن تتعدى يومها العشرة أنفس.. ولهذا قرر البشر منذ البداية أن كل جريمة تستلزم عقابا، وهو مفهوم تطورت آلياته لكن المبدأ لم يتغير.. وإلا لاختل ميزان العدالة..

ولهذا حين نجد من يبرر الجريمة أو يلتمس الأعذار والمخارج لمرتكبيها، فتلك هي الإشكالية الحقيقية..

فحين تقوم الأجهزة المختصة مثلا بمداهمة ملاهي ليلية أو مطاعم سياحية أو فنادق.. للتحقق -فقط ليس إلا- من سن بعض روادها، تنطلق الأصوات المستنكرة بدعوى تهديد السياحة و”النشاط” السياحي.. وكأن السائح لن يحضر للمغرب إلا إذا سمح له باستغلال القاصرين والقاصرات..

بل إن وزير داخلية سابق نفى في جواب على سؤال شفوي تحت قبة البرلمان، أن تكون بعض المرافق السياحية تعرف تشجيعا للدعارة، ووصف ما تقوم به بأنه مجرد “تنشيط سياحي”..

فهل نستغرب إذا بدا الأمر كما لو أنه “سياسة دولة”، خاصة وأن التحقيقات الصحفية التي أنجزتها صحف وقنوات أجنبية في السنوات الأخيرة أكدت أن الأمر يفوق مجرد التواطؤ الناجم عن فساد مواطنين أو موظفين أو أمنيين.. بل يدخل ضمن “الأنشطة الاقتصادية” الموازية التي تساهم في إدارة “العجلة”، خاصة في بلد يعاني معضلات متداخلة.. بدليل أن تلك التحقيقات كشفت أن الحصول على “قاصرين وقاصرات” أمر يسير جدا وغير مكلف، ولا يحتاج إلى التستر أو “التهريب” بل العرض متوفر بكثرة وبـ”العلالي”..

ولهذا حتى عندما يتدخل القضاء، فإن ذلك يتم بطريقة ملتبسة، حيث غالبا ما يتابع الطرف الأجنبي في حالة سراح وحتى إذا أدين فإن العقوبة تكون رمزية وموقوفة التنفيذ.. بينما يدان الطرف المغربي..

في سياق متصل، لا يقف الامر عند حد التطبيع أو غض الطرف، بل هناك ممارسات قد تبدو في ظاهرها غير مؤثرة، لكنها تساهم في “التشجيع” على الاغتصاب..

من ذلك مثلا.. مراسل “صحفي” يجلس في مقهى وتلتقط أذناه خبر “جريمة” اغتصاب.. فلا ينهي فنجان قهوته حتى يكون قد دبج مقالا حول الموضوع، وأضاف إليه من البهارات ما يجعل الجريدة التي يراسلها أو الموقع الذي ينشر فيها، يضع هذا الخبر في صدر صفحته الأولى مع صور مناسبة..

وبمجرد النشر، تلقط جمعيات أو فعاليات حقوقية رأس الخيط، فتنظم وقفات احتجاجية وندوات صحفية.. وقد يصل الأمر إلى وسائل الإعلام الدولية، فضلا عن زيارات ولقاءات مع “الضحية” لالتقاط صور للذكرى ولتنمية “الرصيد الحقوقي والنضالي” أيضا.. دون تدقيق أو تمحيص، بل اعتمادا على رواية طرف واحد..

ثم يتطوع محامون لخوض المعركة القانونية.. وعندما ينقشع الغبار بصدور حكم قضائي يصاب الجميع بالصدمة.. بضعة شهور فقط، وبتهمة الفساد أو الخيانة الزوجية.. ولا ذكر للاغتصاب أصلا..وإنما لـ”هتك العرض” على أقصى تقدير.. إذا كانت الضحية قاصرا..

قد نسمع بعد ذلك تعليقات نارية أو احتجاجات صاخبة، لكن لا أحد يريد أن ينظر إلى الواقع..

فأجهزة التحقيق لا تتعامل مع القضايا اعتمادا على أخبار المقاهي.. والمحكمة لا تبني قناعاتها على مقالات المراسلين.. ومرافعات الفاعلين الجمعويين..

والوقائع تقول إن المراسل التي قام بدور المحقق و”المغرق” والقاضي في أقل من عشر دقائق، لم يدقق ولم يتحر ولم يتتبع تفاصيل الخبر ولم يستمع لأي من الأطراف.. فالقصة في مبتدئها وخبرها قد لا تكون أكثر من خلاف بين عشيقين انقطع حبل الود بينهما، فقرر الطرف الأضعف -الفتاة أو أسرتها- الانتقام بـ”القانون”..

الصورة أمام المحقق والقاضي تكون واضحة.. لكن الذين بنوا آمالا كبيرة على هذه “المعركة” الحقوقية، سرعان ما تنهار الصروح التي بنوها في الهواء..

قد يقول قائل، ما علاقة هذا بما نحن بصدده؟

فأجيب، إنه مدخل من مداخل التطبيع مع الجريمة.. فالرأي العام حين تجتذبه الضجة الإعلامية المواكبة لـ”الاغتصاب” المفترض، ويسمع في النهاية أن كلفة هذه “الجريمة” البشعة لا تتعدى بضعة أشهر حبسا وربما براءة، ما الذي يمكن أن يردع منحرفين آخرين على اقتراف نفس الجريمة وربما بطريقة أبشع؟

الرأي العام لا يبحث عن نسخة من الحكم القضائي للاطلاع على حيثياتها، ولا يهمه ذلك، لأن ما يستقر في الأذهان هو التهويل الإعلامي والحقوقي للجريمة في مقابل الحكم “الرمزي”..

وهناك سيناريو آخر، يكشف حالة التخبط التي يعرفها التعاطي مع موضوع الاغتصاب..

فلو أن دورية أمنية اعتقلت عشيقين (ذكرين أو ذكر وأنثى) كانا يمارسان الجنس في مكان منعزل، أو أن الشرطة القضائية داهمت منزلا يحدث فيه نفس المشهد.. ولو بناء على شكاية من “فاعل خير”، ألن تقوم مندبة كبيرة على حقوق الإنسان وعلى الحريات الشخصية؟

لقد تابعنا أكثر من مرة حملات واسعة تمت الاستعانة خلالها بمنظمات أجنبية للضغط على السلطة القضائية.. في وقائع من هذا النوع..

لكن الغريب، أنه لو أن طرفا في هذه العلاقة قصد إحدى هذه الجهات الحارسة للحقوق والحريات الفردية، وادعى أنه تعرض للاغتصاب أو حتى التحرش، فإن القيامة ستقوم لكن في الاتجاه المعاكس، أي اتهام الأمن بالتقصير، والقضاء بالعجز، والحكومة بالتواطؤ.. والقوانين بالتخلف..

وهذا المشهد يصبح أكثر كاريكاتورية في الحالة التالية..

فلو أن جهة ما تنفيذية أو تشريعية بادرت إلى تقديم مشروع أو مقترح قانون يرفع عقوبة الاغتصاب إلى الإعدام لارتفعت أصوات تستنكر هذا “النكوص”، لأن هذه العقوبة “وحشية” ولا مكان لها في عالمنا “المتحضر” والإنساني”.. غير أن نفس الأصوات الحقوقية -أو بعضها على الأقل- لم تر حرجا حين طالبت بإنزال عقوبة الإخصاء بمغتصبي الأطفال، فقط لأن بعض البرلمانيين الفرنسيين بدأوا التفكير في تقديم مقترحات قانونية من هذا النوع..

وبطبيعة الحال، تتعطل هنا كل الاعتراضات التقليدية على العقوبات الجسدية التي هي من مخلفات “القرون الوسطى”..

إن الأمر ملتبس من دون شك، بل صار الحسم والتدارك أمرا شبه مستحيل.

فبعد أن ارتبطت السياحة في المغرب بالجنس، وبعد أن تداخلت الحدود بين الدعارة والحرية الشخصية، وبعد أن سجن البلد نفسه في دائرة “حقوق الإنسان” دون مراعاة للخصوصيات الاجتماعية، ستكون أية محاولة لإعادة الأمور إلى نصابها محكومة بالفشل المبكر..

فمنذ سنوات صارت مقارنة المغرب بالتايلاند أمرا عاديا في مجال السياحة الجنسية، بل بدأ البعض يفتخر بالمنافسة والتفوق في هذا المضمار.. كما صارت أخبار السياح الأجانب الذين يأتون للمغرب من أجل الدعارة أولا وأخيرا، أمرا طبيعيا بعدما كان الأمر في السابق مقتصرا على أهل الخليج وفي نطاق ضيق.. بل كانت سياحتهم في منطقة ما شبهة يعير بها أهلها..

والنتيجة المباشرة نلمسها الآن في الدراما الآتية من الشرق، حيث المغربية عاهرة إلى ان يثبت أنها عاهرة.. وأول سبة توجه إلى المغرب كدولة أنه بلد الدعارة..

https://www.facebook.com/my.bahtat

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.