https://www.facebook.com/MoroccoTravelAgencySARL

النهضة وتعثر الإصلاح أين يكمن الخطأ؟

كنال تطوان / بقلم : محمد السوسي-  أستاذ الفكر الإسلامي

بالأمس عاش المغرب أجواء إحياء الذكرى التاسعة والثلاثين للمسيرة الخضراء وهي مسيرة متميزة وحدث بارز في الثلث الأـخير من القرن العشرين لقد كانت فكرة المسيرة أصيلة وذات جذور عميقة في تاريخ المغرب وتاريخ الإسلام فقد أشار الملك الحسن الثاني رحمه الله إلى حدتين مهمين في تاريخ الإسلام وتاريخ المغرب استوحى منهما تنظيم المسيرة وهما الحديبية وما امتازت به من روح المسالمة واللجوء إلى السلم لحل مشكل عويص اعترض مسيرة الدعوة المحمدية حيث منعه المشركون من دخول مكة وأداء العمرة وقبل مبدأ الصلح والعودة في السنة الموالية لأداء العمرة وهو ما كان بداية لفتح مكة وإنهاء الصراع مع قريش وأهل مكة، أما الحدث الثاني فهو ما عرفته أزقة وشوارع المدن المغربية من التظاهر السلمي ضد المستعمر، وهو ما أفضى إلى إخراج المستعمر وهيأ النفوس لرد الفعل والانتصار على الاستعمار كما انتصر المسلمون على مشركي مكة.

وكان سلاح المسيرة القرآن والذكر والتمسك بالأرض والسعي لصلة الرحم مع الأخوة في الصحراء المغربية.

إنه عمل جبار وإنجاز فريد بأسلوبه ونتائجه وقد كان التفكير في هذا الحدث من بين ما حضر في ذهني وأنا أستعرض الأحداث لاختيار أحدها ليدور حوله حديث الجمعة فرأيت من خلال ذلك أن الإنجازات التي تمت على مستوى العالم الإسلامي ومن بينه المغرب لا يوازي التضحيات التي قدمت ولا هو في مستوى الطموحات والآمال وحتى البرامج فكان العودة إلى محاولة استحضار ما قدم من تقويم لمسيرة النهضة والإصلاح وهو ما سيحاول القيام به من خلال دراسات أجنبية في هذا الصدد مع كتاب أين يكمن الخطأ لبرنارد لويس.

الهدايات:

في سياق استعراض شريط ما قامت به الحركة الوطنية المغربية منذ بداية تحركها في سياق انخراطها في العمل الإصلاحي والتجديدي والتحرري الذي بدأت انطلاقاته الأولية في الشرق كما في الغرب في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، وإذا كانت هذه البوادر والمحاولات قد أجهضت بتفكيك الدولة العثمانية والدولة المغربية ما بين القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وانخرطت الأجيال الجديدة في العالم الإسلامي في عملية الإصلاح الاجتماعي والتجديد الديني، بجانب العمل من أجل التحرر والانعتاق من ربقة الاستعمار الأوروبي.

استهداف المقومات:

لقد قام الجيل الذي نشأ مباشرة مع الاحتلال الأوروبي لكافة أجزاء العالم العربي والإسلامي وإحكام الطوق على الحركات والسكنات في هذه الرقعة مع إدخال ما كان يراود الغربيين ومفكريهم من احتلال وتجزئة العالم العربي والإسلامي وتصفية وجود الحضارة الإسلامية، وقد تم العمل بكيفية علمية مدروسة من لدن الأجهزة التي رصدها الغرب لهذا الغرض ورغم المجهود الذي بذله المخلصون من قادة الرأي والزعماء السياسيون وحتى بعض مسؤولي الشعوب الإسلامية من أجل تفويت الفرصة على الغرب، والوقوف في وجه مشاريعه المتعددة والهادفة كلها إلى إنهاء الدور الإسلامي في السياسة الدولية، مع ما يتحقق في ذلك السياق من القضاء على مقومات الحضارة الإسلامية وعلى رأس هذه المقومات الدين واللغة.

الذات:

وإذا كان الاستعمار قد حاول أن يحقق هدفه وغايته مع إضفاء طابع الإصلاح والتحديث أو التجديد أو العصرنة، فإن هذه نفسها ينبغي أن لا توتي أكلها ولا نعطي نتائجها الحقيقية، لأن التحديث الحق والإصلاح المتوخى هو ما كانت تحمله الانطلاقات الإصلاحية والتحررية المنبعثة من ذاتية الشعوب ومن صميم مقومات الحضارة التي نشأت عليها وسعت لبنائها.

توجس مشروع:

وهنا من طبيعة الحال يبرز التعارض بين تحديث وإصلاح يتوخى التمزيق وخلق مناخ التجزئة، والتنكر للأصول والجذور الحضارية التي لا يريد لها الأوروبي أن تستمر، فهو صراع إذن بكل ما تحمله الكلمة من صراع في مستوياته المختلفة.

وهكذا بدا الأمر جليا لقادة الرأي والساعين إلى الإصلاح مما جعلهم يتوجسون خوفا من كل عمل قام ويقوم به الاستعمار رغم ما يمكن أن تحمله من العناصر الايجابية.

الحقد والانتقام:

وما ذلك إلا لأن الغرب في الوقت الذي يقدم فيه هذه المحاولات للتحضر والتمدن كما كان يسميها فإنه يقرن ذلك بكثير من المبادرات والأعمال التي تبرز لدى كل متفحص أن وراء الأمر شيئا آخر غير ما يبدو من مظاهر التعمير والبناء والتقدم.

فسياسة الاستعمار في مجال التعليم وفي الميدان الاقتصادي، وفي حقل السياسة والحريات يفصح أن النية غير صالحة، وأن الأمر ليس كما هو في الظاهر وإنما يخفي ما يخفي من أوج الانتقام والحقد والتعصب الأعمى.

بث الشقاق:

ويعزز هذا الهاجس ما تقوم به الإرساليات التبشيرية أو التنصيرية وهو الصحيح، وما يكتبه خبراء الشؤون الأهلية من تقارير وما يقترحه هؤلاء من سياسات تجاه الحركات الإصلاحية الوطنية، وما يقدمونه من اقتراحات من أجل إحياء النعرات الاثنية والصراعات القبلية والمذهبية، وما يقومون به لمضايقة اللغة العربية التي تعتبر أهم مقومات الوحدة الإسلامية وليس العربية، فكل الشعوب الإسلامية مقتنعة بضرورة الحفاظ على هذه اللغة لأن الصلاة وأداء الكثير من الشعائر وفهم الأصليين للتشريع الإسلامي القرآن والسنة لا يتم إلا بالإلمام الكافي بهذه اللغة، ومن هنا حظيت هذه اللغة، بكثير من مضايقة الاستعمار وعملائه على امتداد رقعة العالم الإسلامي، هذا فضلا عن المحاولة الدائمة للنيل من الإسلام وكتابه القرآن ونبيه محمد عليه السلام.

إنجاز ناقص:

ولذلك فإن النجاح الذي حققته الحركات التحررية والاستقلالية في العالم الإسلامي لم يواكبه ما يجب أن يواكبه من انجاز الإصلاح الاجتماعي والتجديد الديني وبناء أنظمة للحكم ديمقراطية شورية تحقق للشعوب ما تريد وما قدمت من أجله تضحيات كبرى، من أن تملك إرادتها في اختيار من يدبر أمر شؤونها مع محاسبته محاسبة عادلة، فما ظفرت هذه الشعوب والى الآن بنظام يحقق المشاركة النزيهة والفاعلة للشعوب، حتى لا تضيع ثرواتها كما تضيع وتبذر اليوم، وحتى تتمكن من تقرير سياسة اجتماعية تحقق العدل الاجتماعي وتوزيع الثروات توزيعا عادلا بين الناس، وان تتمكن من فرض سياسة خارجية تدرأ عن الأمة مكائد الأعداء ومؤامراتهم لتفتيت الأوطان وتجزئتها وهو أمر لم يتمكن الاستعمار من فرضه عندما كان يحكم هذه الشعوب حكما مباشرا.

العودة إلى البداية:

ولذلك عادت الشعوب إلى وضعها القديم وتضع نفس السؤال الذي وضعه الأقدمون وهو لماذا نتأخر ويتقدم غيرنا؟ ولماذا لم ننجز ما كنا نرى أن إنجازه سيتحقق بمجرد ما نتحرر من الاستعمار وها هي ذي الشعوب قد وفت بما التزمت به ولكن أين وفاء المسؤولين وأين التقدم السياسي والعلمي والاقتصادي وأين الديمقراطية؟ وأين العدالة الاجتماعية؟ ولماذا نحن نعود مرة أخرى إلى الصراع فيما بيننا؟ ولماذا نهدم ما بيننا؟ وغير ذلك من الأسئلة حتى هذه الأسئلة التي ترد على لسان الكثيرين تلقفها هؤلاء المستشرقون ومخططو السياسة الاستعمارية ليجيبوا عنها.

خواطر وهواجس:

هذه الأسئلة والخواطر هي التي وقفت أمامي كما قلت وأنا أفكر في هذه الثمانين سنة وما قبلها عندما بدأت تلك الثلة من الشباب الخطوات الأولى في منتصف العشرينات من القرن الماضي وكان هاجسها الإصلاح والتحرر.

لوم لا نقد:

وإذا كان بعض الباحثين والدارسين والمؤرخين من العرب قد حاولوا دراسة الواقع ومحاولة الإجابة عن السؤال القديم لماذا؟ غير أن إجابتهم لم ترق إلى المستوى المطلوب فكثير منهم لم يخرج عن لوم هذا المفكر أو ذاك أو هذا المصلح أو ذاك وقد استعملت اللوم ولم أستعمل كلمة النقد لأن النقد له مدلوله الخاص الذي يعني الاهتمام بالإيجابي والسلبي في الوقت نفسه وهذا هو أصل الوضع اللغوي للنقد كما هو معروف فهو من (نقد الدرهم إذا ميز …. وصحيحة). أما ما يمارسه من يعتبر نفسه ممارسا لهذا الأمر فلا يخلو من الاستعلاء والأنانية وعدم الإنصاف وآخر كتاب وقع بين يدي في جانب هذه الجوانب كتاب بعنوان “الوعي العربي في قضايا الأمة” للكاتب والمفكر التونسي وهو كاتب ومفكر جاد وقد عالج كثيرا من القضايا المطروحة في الساعة الفكرية العربية والإسلامية، وما يقال ويدور حولها.

وإذا كان الكاتب والمفكر حاول أن يجعل تساءله في مقدمة الكتاب في مجال تخصصه حيث يقول:

تقويم

“في غاية الربع الأول من قرن الهجرة الخامس عشر. وبعد قرنين كاملين من محاولات النهوض يحق لنا أن نسعى إلى تقويم ما تحقق في مجال النهضة الفكرية عامة والفكرية الدينية والفلسفية خاصة، ما تحقق من نتائج وما تحدد من اتجاهات في مجالات القيم بأصنافها (الذوقية والخلقية والمعرفية والتشريعية والوجودية) إحياء للزمان التاريخي ببعدي ماضيه (الحدث المتقدم والمعنى اللاحق) وببعدي مستقبله (المعنى المتقدم والحدث اللاحق) كما تتعين جميعا في بؤرته الحية أعني في الحاضر الذي هو دائما قلب التاريخ النابض”.

الوجه السلبي:

والكاتب بدل السعي إلى تقويم متوازن فإنه بداية يسعى إلى إبراز السلبي وهو ما عاتبه نفسه على آخرين وعلى أي حال فهو يرى أنه:

“ويمكن وصف مميزات الوجه السلبي من هذه النهضة في المجال الفكري بداية وغاية بالإشارة إلى أحداث جدل عام ذي دلالة تكررت مرتين، فدامت كلتاهما ربع قرن ودارت كلها حول ابن رشد ومنزلة الفلسفة العربية في الحضارة العربية خاصة والحضارة الإنسانية عامة. فأما حدث الجدل الأول ونعتبره بدالية للظرف المحدد للخصائص السلبية من فكر النهضة الفلسفي، فهو الحدث الذي بدأ بمحاضرة رنان حول دور الإسلام والعنصر العربي في الحضارة العربية الإسلامية من خلال منزلة الفلسفة فيها، واكتمل بمقالات فرح أنطون وردود الشيخ محمد عبده عليها حول العلمانية والرشدية”.

غاية الظرف:

وأما حدث الجدل الأخير الذي نعتبره غاية للظرف الذي أعاد نفس الخصائص فهو الحدث الذي بدأ بمحاضرة ارنست بلوخ حول الدور المادي الثوري والتنويري الذي أدته الفلسفة العربية ممثلة لليسار الأرسطي وما انبنى عليها من قراءات ماركسية عربية لتاريخ الفكر العربي وخاصة الرشدي منه وانتهى بالجدل بين الكثير من المتكلمين باسم المدارس الفلسفية الغربية المزعومة معاصرة وبين المتكلمين باسم التيار الديني.

الظاهرتان:

وقد توسط بين حدثي الجدل البداية والغاية هذين ظاهرتان حضاريتان متناظرتان بالتعاكس:

1 – أولاهما تمثلت في تصدر النخب المتغربة على النمط العلماني الليبرالي بين الحربين (منذ تسلم النخب الحديثة الحكم من المستعمر) ثم على النمط العلماني الاشتراكي «منذ حصول ما اعتبر ثورات وطنية» بعد الحرب الثانية القيادة الفكرية الحاكمة بنزعة علمانية لم تتجاوز الشعارات الحديثة» (ص: ).

2 – أما الثانية فتمثلت في فقدان النخب التقليدية القيادة الفكرية والرمزية الحاكمة لتنتقل إلى قيادة المعارضة بمواقف تخلط بين الدفاع عن مزايا مركزها الذي فقدته والقضية التي تدعي الكلام باسمها».

عرض مجمل القضايا:

لقد اقتبسنا هذه الفقرات من مقدمة الكاتب لكتابه المشار إليه أعلاه للإشارة إلى الأسلوب السائد في تقويم مسلك النهضة وما وصل إليه الحال بعد هذه العقود كلها ولعلنا نعود مرة أخرى إلى الكتاب الذي بعد حقيقة كتابا متميزا في بابه واستعرض فيه الكاتب مجمل القضايا التي يرى ضرورة معالجتها في سياق الوضع العربي الراهن.

عناية الاستشراف:

أما المستشرقون والباحثون الغربيون فإنهم كتبوا في هذا الصدد مآت الكتب والمقالات والدراسات لأنهم معنيون بالتطور الذي يمكن أن يحصل في العالم الإسلامي ومن شانه أن يؤثر على مصالحهم ومستقبل سياساتهم التي بنوها خلال مآت السنين من الصراع بينهم وبين المسلمين وإذا كان (جيب) المستشرق الانجليزي المعروف قد لاحظ في الثلاثينات ندوة التحليل للواقع النهضوي في العالم الإسلامي وذلك عندما كان بصدد جمع وتحرير كتاب “وجهة الإسلام” فإن ما حدث بعد ذلك من التحليل والدراسة والرصد كثير وكثير جدا.

ولقد قرأت أخيرا كتابين في موضوع تقويم النهضة الإسلامية احدهما لمستشرق ألماني اسمه (دان دانبر) والكتاب بعنوان “الزمن المحتوم” ترجمة حسام الدين جمال بدر ويقول المؤلف في مقدمة الكتاب وهو يضع السؤال التقليدي:

مدخل

لماذا تأخر المسلمون؟ ولماذا تقدم غيرهم؟

مضت خمسة وسبعون عاما منذ أن ظهر في القاهرة كتاب «لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟» للصحافي والشاعر والسياسي اللبناني شكيب أرسلان (1869 – 1946). مسألة طرحها شكيب أرسلان آنذاك على المجتمعات الإسلامية والعربية والتي لم تفقد شيئا من جديتها ومضمونها، بل ازدادت أهميتها بالنظر إلى الوضع المتردي الذي تعيشه هذه المجتمعات، خصوصا إذا ما قارناه بالوضع السائد في أوروبا أو حتى في دول لا تنتمي إلى الثقافة الغربية كما في الشرق الأقصى.

ويعد الكاتب واقع العام الإسلامي ود في مقابل تطور المجتمعات الأخرى يقول:

“لزمن في الشرق الأوسط المعاصر يتسم بالجمود، وفي مقابل التطور الذي أخذت بناصيته على مر هذا الزمن مناطق أخرى في العالم فإن هذه المنطقة من هذه الناحية توصف بالقهقري”.

ماذا يمكن أن يكون قد حدث؟ كيف يمكن أن يتأتى مثل هذا الوضع في محيط الإسلام والعالم العربي؟

دور الإشعار

ويتجاهل الكاتب دور الإشعار في الوضع الذي يوجد عليه الشرق الأوسط ويتساءل هل مثل هذه الحالة التي يرثى لها عاقبة للهيمنة الغربية، نتيجة تأثير ما ليس مرغوبا فيه على العالم الإسلامي؟ أم لعله جاء صدفة دون تدخل الغير؟ هل المعضلة تتصل بالنواحي الاقتصادية أم السياسية؟ أيكون السبب في ذلك كامنا في الدين أم في الإرث الحضاري؟ أثمة علاج لهذا؟ ما الذي يجب تغييره وما الذي يجب الاحتفاظ به؟ هذه الأسئلة الملحة لم تجد إجابة شافية كافية ليس في الشرق الأوسط فحسب بل في العالم الإسلامي كله. رغم كون هذه الأسئلة في غاية التعقيد إلا أنه يستهان بها وتطرح لها إجابات مستهترة، ويتم طرحها بصورة مكررة ليست بالضرورة صريحة بل بنوع من التحفظ الذي يشوبه الخجل في بعض الأحيان.

أما الكتاب الآخر فهو للمشرق الإنجليزي الأمريكي المعروف كثيرا “برنارد لويس” وهو باحث ودارس للتاريخ والحضارة الإسلامية وخصائصه ذلك التاريخ وتلك الحضارة حيث يتوفر على مجموعة مهمة من الكتب والدراسات وهو بجانب ذلك يقدم المشورة للإدارة الأمريكية فيما يخص السياسة التي يجب أن تتبع في هذه المنطقة وهو صاحب مشروع التجزئة والتقسيم الجديد الذي قدمه للحكومة الأمريكية في سنة 1983 وله تصريح خطير تجاه ما عرفه الشرق العربي مؤخرا عام2011 حيث صرح:

وفي مقابلة أجرتها وكالة الإعلام مع «برنارد لويس» في 20 أيار /مايو 2005 قال الآتي بالنص:

«إن العرب والمسلمين قوم فاسدون مفسدون فوضويون لا يمكن تحضيرهم، وإذا تركوا لأنفسهم فسوق يفاجئون العالم المتحضر بموجات بشرية إرهابية تدمر الحضارات وتقوض المجتمعات، ولذلك فإن الحل السليم للتعامل معهم هو إعادة احتلالهم واستعمارهم وتدمير ثقافتهم الدينية وتطبيقاتها الاجتماعية. وفي حال قيام أمريكا بهذا الدور فإن عليها أن تستفيد من التجربة البريطانية والفرنسية في استعمار المنطقة لتجنب الأخطاء والمواقف السلبية التي اقترفتها الدولتان. إنه من الضروري إعادة تقسيم الأقطار العربية والإسلامية إلى وحدات عشائرية وطائفية، ولا داعي لمراعاة خواطرهم أو التأثر بانفعالاتهم وردود الأفعال عندهم. ويجب أن يكون شعار أمريكا في ذلك «إما أن نضعهم تحت سيادتهم أو ندعهم ليدمروا حضارتنا». ولا مانع عند إعادة احتلالهم أن تكون مهمتنا المعلنة هي تدريب شعوب المنطقة على الحياة الديمقراطية. وخلال هذا الاستعمار الجديد لا مانع من أن تقدم أمريكا بالضغط على قيادتهم الإسلامية –دون مجاملة ولا لين ولا هوادة –ليخلصوا شعوبهم من المعتقدات الإسلامية الفاسدة، ولذلك يجب تضييق الخناق على هذه الشعوب ومحاصرتها واستثمار التناقضات العرقية والعصبيات القلبية والطائفية فيها قبل أن تغزو أمريكا وأوروبا لتدمر الحضارة فيها».

أين يكمن الخطأ:

هكذا ينظر هذا الباحث المتميز لدى الغرب والولايات المتحدة بصفة خاصة وقد اخترنا كتابه لإلقاء بعض الضوء على نظرته لواقع العالم الإسلامي ولماذا لم ينجز ما كان مؤملا حلال هذه الرحلة الطويلة، ونبدأ بالمقدمة التي يستعرض فيها علاقات الصراع بين الإسلام والغرب يقول: وهو يسأل أين يكمن الخطأ؟ طرح الناس في العالم الإسلامي وخاصة في الشرق الأوسط هذا السؤال. لقد أثار احتكاكهم بالغرب فحوى السؤال وصيغته في المقام الأول، وعلى نحو كبير وفقا للظروف ومدى وفترة احتكاكهم والحوادث التي جعلتهم لأول مرة يدركون، بالمقارنة، أن ما يتعلق بمجتمعهم لم يكن كله على ما يرام. ولكن أيا كان شكل السؤال ونمطه والأجوبة التي يستثيرها، فلا يمكن إساءة فهم الكرب المتنامي والإلحاح المتصاعد والغضب المضطرم حديثا، والتي تعبر عن كل من السؤال والأجوبة المترتبة عليه، وخلص الكاتب بعد هذه الفقرة إلى القول إن هناك اعتزازا وربما غرور لدى المسلمين.

اعتزاز وغرور:

ثمة سبب وجيه بالفعل للتساؤل والقلق، وحتى للغضب. فقد كان العالم الإسلامي لقرون عديدة متصدرا الحضارة البشرية ومنجزاتها. ومن وجهة نظر المسلمين كان الإسلام نفسه يشكل في الواقع تخوم الحضارة، فوراء حدوده لم يكن هنالك إلا البرابرة والكفار. وقد تمتعت بهذا التصور عن الذات غالبية الحضارات، إن لم يكن كلها، اليونانية والرومانية والهندية والصينية. وبمستطاع المرء أن يضيف أمثلة راهنة.

دعاء مبرر:

“في التاريخ الفاصل بين العصور القديمة وفجر الحداثة، أي في القرون المدعوة في التاريخ الأوروبي بالعصور الوسطى، لم يكن الإدعاء الإسلامي يفتقر للتبرير. لقد أدرك المسلمون بالطبع وجود مجتمعات أخرى على سطح الأرض اقل أو أكثر تحضرا، في الصين، في الهند، في العالم المسيحي. لكن الصين كانت بعيدة ومعروفة على نحو محدود؛ والهند طور الإلحاق والأسلمة. أما العالم المسيحي فقد كانت له أهمية خاصة لا ريب فيها، إذ أنه يشكل المنافس الجدي للإسلام كدين عالمي، قوة عالمية. إلا أن الوحي الإسلامي الأخير قد نسخ ذاك الدين السابق من وجهة نظر المسلم، كما أن قوة الإسلام المؤيدة إلهيا بدأت تقهر بثبات تلك القوة”.

الإسلام والغرب:

وعن نظرة العالم الإسلامي إلى العالم المسيحي يقول:

“يعني العالم المسيحي بالنسبة لمعظم مسلمي القرون الوسطى الإمبراطورية البيزنطية في المقام الأول، والتي تضاءلت رقعتها وضعفت بالتدريج حتى اختفائها النهائي مع الفتح التركي للقسطنطينية في العام 1453. أما مناطق أوربا النائية، فقد نظر إليها كمناطق إفريقيا النائية لاعتبارها مجاهل للبربرية والكفر لا يوجد فيها ما يمكن تعلمه والقليل مما يمكن استيراده، باستثناء العبيد والمواد الخام. كان أكثر ما يطمح إليه برابرة الشمال والجنوب الاندماج بإمبراطورية الخلفاء، وهو ما سيحقق منافع الدين والحضارة”.

جيوش تتقدم:

“لم يبد ذلك بعيد الاحتمال ففي السنوات الألف الأولى بعيد ظهور الإسلام واصل المسلمون محاولات إنجاز ذلك. في غضون القرن تقدمت جيوش المسلمين من الجزيرة العربية فاتحة سوريا وفلسطين ومصر وشمال أفريقيا وكانت جميعها حتى ذلك الوقت جزءا من العالم المسيحي، وكان معظم المهتدين الجدد إلى الإسلام، من غرب إيران والجزيرة العربية، مرتدين عن المسيحية بالفعل. وفي القرن الثامن ومن قواعدهم في شمال إفريقيا، قامت قوات المسلمين، وقد انضم إليها الآن المهتدون البربر، بفتح اسبانيا والبرتغال وغزت فرنسا، وفي القرن التاسع غوت صقلية والبر الإيطالي. في العام 846م دخلت حملة بحرية انطلقت من صقلية إلى نهر التيبر وقامت القوات العربية بنهب أوستيا وروما. وهو ما دفع لتنظيم المحاولات الأولى لهجوم مسيحي مضاد ومؤثر. وقد آلت سلسلة من الحملات اللاحقة لاستعادة الأراضي المقدسة، عرفت باسم الحملات الصليبية، إلى الإخفاق والطرد”.

رد الفعل:

وعن رد الفعل المسيحي يقول الكاتب:

“في أوربا كانت أسلحة المسيحيين أكثر نجاعة ففي نهاية القرن الحادي عشر، تم طرد المسلمين من صقلية، وفي العام 1492 وبعد حوالي ثمانية قرون من دخول الأراضي الإسبانية، انتهى الكفاح الطويل بالنصر، فاتحا الدرب للغزو المسيحي لأفريقيا وآسيا. لكن وفي غضون ذلك كان ثمة تهديدات إسلامية أخرى للعالم المسيحي في أوربا. ففي الشرق وبين العامين 1238 و 1240، فتح تتار القبيلة الذهبية روسيا وفي العام 1452 اهتدى خان القبيلة الذهبية وقومه إلى الإسلام.خضعت روسيا ومعظم شرق أوربا لحكم لمسلمين، ولم يستطيع الروس أن يحرروا أخيرا بلدهم مما دعوه النير التتاري إلا في نهاية القرن الخامس عشر. في الوقت نفسهن بدأت الموجة الثالثة من هجوم المسلمين، وهي موجة الأتراك العثمانيين الذين فتحوا الأناضول واستولوا على المدينة المسيحية القديمة، القسطنطينية، وغزوا واستعمروا شبه جزيرة البلقان وهددوا قلب الإمبراطورية نفسه بوصولهم إلى مشارف فيينا مرتين”.

هذه القوة التي كانت لدى المسلمين وقدر تهم التوغل في أوربا ما لديهم من إمكانيات ذاتية في الوقت الحاضر ربما هو المحرك لكثير من الأحقاد كما يتضح في الفقرة الأخيرة، وهذه الفقرة نجد فيها صدى لما أنجزه باحث آخر فيما بعد حول صراع الحضارات، وقد كان برنارد لويس من بين من اعتمد عليهم في إنجاز دراسته المعروفة صراع الحضارات وأقصد (صمويل هنتجتون) يقول برنارد لويس:

“في ذروة القوة الإسلامية، لم يكن هنالك إلا حضارة واحدة تصح المقارنة بها سواء من حيث المستوى أو المحتوى وتشكيلة الإنجازات، وهي بالطبع الصين. لكن الحضارة الصينية بقيت محلية بصورة جوهرية، مقتصرة على منطقة واحدة هي شرق آسيا، وعلى مجموعة عرقية واحدة، صحيح أنه تصديرها إلى حد ما، ولكن إلى الأشقاء والجيران وحسب. بخلاف ذلك، أبدع الإسلام حضارة عالمية متعددة الأعراق والأجناس ودولية، يمكن للمرء أن يدعوها عابرة للقارات”.

وفي حديث لاحق سنتوغل في فهم الكتاب لاستكشاف مكمن الخطأ كما يراه برنارد لويس.

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.