https://www.facebook.com/MoroccoTravelAgencySARL

أشم رائحة «سايكس بيكو» في الجهوية الجديدة

كنال تطوان / المساء – محمد امزيان

لن أذهب مذهب السيد محمد بودرا، رئيس جهة الحسيمة تازة تاونات الحالية، الذي اعتبر أن مشروع التقسيم الجهوي المقترح سيؤدي، لا محالة، إلى «انتفاضة» في الريف. السيد بودرا كان متفائلا هذه المرة. أعتقد أن حالة السخط وعدم الارتياح ستوحد معظم الجهات المقترحة، ضد هذا المشروع الذي بني على أسس أقل ما يقال عنها أنها أصابت بديهيات التأسيس الجهوي الحقيقي والدائم في مقتل.

لا يختلف اثنان في أن الهاجس الوحيد الذي يتحكم في السياسات العامة بالمغرب، وفي رسم الخطط ووضع الاستراتيجيات، هو الهاجس الأمني الجاثم على صدور المغاربة كالكابوس. وهؤلاء، الذين يسكنهم هذا الهاجس المقيت ويتحكم في تصرفاتهم وفي تدبيرهم للشأن العام، هم، في الحقيقة، من يهددون الأمن العام.

المغرب في حاجة إلى جهات قابلة للتنفس، قابلة للحياة حياة سليمة، صحية، خالية من علل السكتة القلبية والجلطة الدماغية. أن يتم تقليص عدد الجهات من 16 إلى 12 جهة، فهذه خطوة محمودة من حيث الشكل، ولكنها ملغومة؛ فحينما تـُعجن عناصر لا يربط بينها رابط ثقافي أو جغرافي أو تاريخي أو تراثي، فإنك تخلق جهة مشوهة، عاجزة، عالة على غيرها ومعتمدة، في بقائها على قيد الحياة، على شريان المركز؛ وهذا هو بيت القصيد.. المركز لا يريد خلق جهات تعتمد على نفسها في تسيير نفسها بنفسها.

قد يزايد علينا أحد بالقول: كلنا مغاربة! نعم، نحن مغاربة بالتأكيد ولا جدال في الأمر، وليست مغربية الجهات موضع سؤال أو تساؤل؛ لكن هذا لن يستمر طويلا إذا واصلت سياسة المركزية «الحنبلية» إنتاج «لامركزيات» مشوهة مثل مخلوقات فرانكشتاين؛ فإذا كان لا بد من إخراج «الجهوية المتقدمة»، كما سيقت في الخطابات الرسمية، من حالة الكمون إلى حالة الوجود، فلا بد من أخذ عوامل نجاحها واستمرارها وتطورها بجدية، والتعامل معها على أساس أنها عوامل قوة وليست عوامل «مهددة» للأمن، كما يعتقد المسكونون بهذا الهاجس، وإلا فما الداعي أصلا إلى إحداث مثل هذه الجهات.

وبعيدا عن نية الإنقاص والانتقاص من مدينة أو جهة أو جغرافيا لحساب مدينة أو جغرافيا أخرى، فإن جهة كجهة الريف، على سبيل المثال، كان من الأجدى والأنفع والأسلم أن تتمدد على الساحل المتوسطي نحو الغرب إلى حدود الشاون على أقل تقدير، ونحو الشرق إلى حدود ملوية مع عمق يمتد نحو ورغة وكزناية. وفي تقديري المتواضع، فإن جهة الريف، من هذا المنظور، أقرب إلى التكامل، ولمَ لا الاندماج، مع جهة تطوان طنجة. ليس في هذا انتقاء أو تفاضل، كما قد يظن البعض ربما، ولكن منطق التاريخ هو الذي يفرض هذا التصور.

وهذا ينطبق، أيضا، على الجهات «التاريخية» في المملكة المغربية، سواء في الشرق أو الوسط أو الجنوب؛ فلكل جهة أو إقليم خصوصياته التي يمكن أن تلغى على حساب المنظور الأمني البحت. جيراننا الإسبان حينما نظموا جهاتهم لم يخططوا لزرع عناصر التفتت فيها حتى قبل أن تولد. إقليم الأندلس، مثلا، معروفة ٌحدودهُ جغرافيا وتراثا وتاريخا، وقس على ذلك إقليم كتالونيا والباسك وغيرهما؛ كذلك الشأن في ألمانيا، وفي بلجيكا التي تعرف نظاما فيدراليا قائما بالدرجة الأساس على اللغة والثقافة؛ فلماذا الإصرار في المغرب على «طبخ» جهات تذكرنا، مع الأسف الشديد، بما جرى بداية القرن الماضي مع «سايكس بيكو» الذي أنتج دولا وكيانات لم تستقر على حال حتى يوم الله هذا.

يؤسفني أن أقول هذا الكلام، لأن البعض، ممن أنيطت بهم مسؤولية تسيير الشأن العام في بلادنا، يعيدون إنتاج أسوإ الأمثلة من أسوإ تاريخ. كنا نعتقد صادقين أن النقاش الذي أثير في المغرب خلال السنوات الماضية حول الجهوية وضرورتها في النهوض بالتنمية الحقيقية، كان نقاشا عاقلا ومسؤولا، وظننا بشيء من السذاجة أن ذلك النقاش الهادئ سيؤدي، في النهاية، إلى وضع لبنة متينة لبناء ورش جهوية حقيقية، أليس بعض الظن إثم؟

هل أخطأنا مرة أخرى الموعد لإحداث نقلة واثقة نحو المستقبل، والسير قدما نحو استكمال ما يجمعنا كلنا كمغاربة، ألا وهو بناء وطن موحد في تعدده، غني في تنوعه، ديمقراطي في اختياراته؟

لم يفت الوقت بعد لاستدراك الأمر، فالتقسيم المتداول حاليا ليس سوى مشروع قابل للجرح والتعديل، على رأي الفقهاء. الجميع، من أحزاب سياسية وهيئات المجتمع المدني وناشطين، منتمين وغير منتمين، هم اليوم أمام تحدٍّ حقيقي، فإما التعامل مع موضوع الجهوية بالثقة والتعقل والجدية المطلوبة، وإما الاستمرار في متاهات الترقيع والتجريب وسياسة الهروب إلى الأمام.

أمام المغاربة فرصة تاريخية للتأسيس لجهوية تتكامل، تتآزر، تتضامن، وليس لجهوية تتحاقد وتتغابن، وربما تتناحر. والدعوة إلى مراعاة عناصر التجانس في الجهوية لا تعني تعزيزا لنظرية «المؤامرة» على الوحدة الترابية. لا أحد يتآمر ولا أحد ينوي التآمر على وحدة تجمع كل مكونات المجتمع المغربي؛ والدعوة إلى مراعاة عناصر القوة عند تحديد الجهة لا تعني قطع شرايين التضامن والتكافل والتكامل مع الجهات الأخرى.

 

 

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.