https://www.facebook.com/MoroccoTravelAgencySARL

قصة نادل تحول إلى بارون مخدرات يملك سفنا وضيعات وعقارات بالمغرب وإسبانيا

كنال تطوان / اليوم – عبد الرحمان البصري

نادل في مقهى ومساعد جزار في إسبانيا التي هاجر إليها سنة 2003، أما اليوم فهو عمي، الرأس المدبر لأحدث شبكة للكوكايين يتم تفكيكها، والذي يملك شركة لإنتاج الزيتون في إسبانيا، وضيعة فلاحية تبلغ مساحتها 20 هكتارا تتوسطها فيلا فخمة، وسفينتين للصيد في أعالي البحار، وعمارات. يبدو التحول مفاجئا لكن الدهشة سرعان ما تزول عندما نعلم أن أول عملية نقل مخدرات قام بها جنى من ورائها 10 ملايين، ثم تحولت 10 إلى 200 مليون سنتيم.

 أجواء غير عادية عاشتها المحكمة الابتدائية بمراكش زوال يوم الجمعة المنصرم. الحضور الأمني كان مكثفا في محيط مكتب القاضي إدريس ليمور، نائب وكيل الملك. «المعلم الكبير» يخضع أخيرا للاستنطاق أمام النيّابة العامة بابتدائية مدينة مراكش التي شهدت ،قبل ثلاثة أسابيع، سقوط شبكته المتخصصة في التهريب الدولي للكوكايين والشيرا.

«الرأس المدبر» كما تسميه فرقة مكافحة المخدرات، والمعروف باسمه الحركي «عمّي» أو «الحاج»، بدا مختلفا تماما عن صوره التقريبية والفوتوغرافية التي عرضها المحققون على أفراد الشبكة المعتقلين في سجن «بولمهارز». حلق شاربه الكث، وبالرغم من ذلك بدا الرجل، وهو في التاسعة والأربعين، كما لو أن العمر تقدّم به سنين طويلة. دلف «الزعيم» إلى مكتب نائب وكيل الملك منهكا ومنكسرا، اختفت في لحظة كل ثقته الزائدة في نفسه، فالملف الذي يتصدر قائمة المتهمين فيه أصبح قضية رأي عام، ولم تعد تنفع شبكة العلاقات التي نسجها في طمس معالمه، كما وقع سنة 2001 حين توبع بتهمة»ترويج مخدر الشيرا»،وأفرج عنه بعد أن أمضى بالكاد عشرة أيّام في السجن المدني بالعرائش. وقبلها في سنة 1992 حين تمّت تبرئته من تهمة الضرب والجرح.

الصيد الثمين

لا يزال»المعلم الكبير» يتذكر جيدا تلك الجمعة الأولى من شهر شتنبر الجاري. مرّت عليه ساعات الصباح طويلة عند مدخل مدينة العرائش وهو ينتظر وصول صبيانه محمّلين بصيد أبيض ثمين قادم من أعالي البحار. 226 كيلو غراما من مخدر الكوكايين معبأة بعناية في شاحنة تبريد لنقل الأسماك قادمة من مدينة أكادير، لم تعد تفصلها عن مراكش سوى كيلومترات، وما هي إلا ساعات قليلة وتنجح عملية أخرى لتُضاف إلى سجل «إنجازاته» النوعية في تهريب المخدرات الصلبة والمحلية، والحافل بالعشرات من العمليات الناجحة طيلة تسع سنوات، فشلت خلالها الأجهزة الأمنية في إحباط  ولو عملية تهريب واحدة.

تجربته الواسعة في عالم الاتجار في المخدرات علمته ألا يدع أي شيء للصدفة، وأن يتابع شخصيا أدق التفاصيل. الشاحنة تخفرها سيارة مرسيدس فارهة، وعلى متنها اثنان من أبرز عناصر شبكته، وتنتظرها سيارة أخرى عند مدخل مدينة الرباط.

ظل «عمّي» يجري اتصالات هاتفية مع شريكه «السالك» الذي كان يستقصي عن مراحل العملية. وفي المقابل، كان يتلقى الاتصالات من دينامو شبكته المشهور بـ» ل كانش »، وهو الذي يتولى استقطاب السائقين والعمال المساعدين (الحمّالة)، ويتعامل معهم بشكل مباشر، ويتكلف أيضا بإحضار الزوارق السريعة التي تنقل المخدرات إلى الساحل وباتجاه السفينة التي كانت تُحمّل بالشيرا وتقايضها في أعالي البحار بمخدر الكوكايين القادم على متن يخوت من دول أمريكا اللاتينية، وتعمد بعد ذلك إلى تفريغها في قوارب بالسواحل الممتدة بين مدينتي أكادير والداخلة، قبل أن يتم نقلها برّا إلى شمال المملكة، حيث يجري تهريبها نحو أوروبا.

بدأت المخاوف تدب في نفس «الزعيم» بعد أن انقطعت فجأة الاتصالات التي كان يجريها معه «الكانيش»، فقد نجح الأمن أخيرا في إحباط عملية تهريب كبيرة للمخدرات من توقيع شبكة «عمّي» للاتجار الدولي في الكوكايين والشيرا، في إطار عملية أمنية نوعية وغير مسبوقة  تمّت بتنسيق بين الإدارة العامة للأمن الوطني، والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني المكللة بتوقيف المصالح الأمنية بمراكش، حوالي الساعة الواحدة من صباح يوم الجمعة 5 شتنبر الحالي، للمجموعة الأولى المكونة من ستة أفراد بمنطقة تامنصوت بمدينة مراكش، وبحوزتهم الصيد الثمين الذي ظل «الحاج» ينتظره طيلة ساعات حارقة، قبل أن يعلم بفشل عملية التهريب ويلوذ بالفرار متواريا عن الأنظار.

محاولة فرار فاشلة

يروي مصدر مطلع على القضية أن «الرأس المدبر للشبكة» لمّا تأكد من أنه أصبح موضوع مذكرة بحث على الصعيد الوطني، حاول الفرار إلى أوروبا، وتحديدا نحو إسبانيا التي يمتلك فيها شركة بضواحي «غراندا» مختصة في بيع الزيتون والزيت، وهي الشركة التي أسسها رفقة مواطن إسباني متزوج من مغربية تنحدر من مدينة بني ملال. رحلة التواري عن الأنظار بدأها «الزعيم الطريد» بالابتعاد عن مقرات إقامته الفاخرة وضيعاته الفلاحية، وهي الأماكن التي توجس من أن تكون المصالح الأمنية قد ضربت عليها طوقا للإيقاع به.

  وحرصا منه على عدم ترك أي خيط تتعقبه من خلاله الشرطة، أصبح «الحاج» يتنقل عبر سيارات الأجرة قبل أن يقرّر التوجه إلى المضيق، حيث منزل أحد أصدقائه الذي سبق له أن تعرّف عليه سنة 2005 بإسبانيا، طالبا منه أن ينقله على متن سيارته إلى الفنيدق للبحث عن طريقة تمكنه من الحصول على جواز مرور إلى مدينة سبتة، ومن هناك إلى الملاذ الآمن المنشود.

استجاب الصديق لطلب «عمّي»، وقام بنقله إلى سوق المسيرة بمدينة الفنيدق حيث اقتنى حذاء رياضيا وملابس وعطور قبل أن يتوجه إلى صالون حلاقة، حيث قام بحلق شاربه لتغيير ملامح وجهه والتمويه للتخفي عن أنظار الأجهزة الأمنية التي كانت تتعقبه، ثم توجه إلى مختبر للصور، إذ أخذت له صور فوتوغرافية كان يحتاجها في الحصول على جواز المرور إلى سبتة، وهي الصور التي ضبطها أمن تطوان بحوزة مرافقه خلال توقيفهما بتاريخ  الثلاثاء 23 شتنبر الجاري، قبل أن يتم ترحليهما إلى مقر ولاية الأمن بمراكش، حيث جرى الاستماع إليهما ليحالا على النيابة العامة بعد انقضاء مدة وضعهما تحت الحراسة النظرية.

بندقيتان وكوكايين وحبوب هلوسة

 في إطار تحرياتها الأولية، قامت المصلحة الولائية للشرطة القضائية بمدينة تطوان بعملية تفتيش في عقارات تعود ملكيتها إلى الموقوف من أجل حجز أية أدوات أو وسائل لها علاقة بالقضية، حيث انتقل أفراد المصلحة رفقة الظنين إلى ضيعة فلاحية تبلغ مساحتها حوالي 20 هكتارا بجماعة العوامرة ضواحي مسقط رأسه بالعرائش، التي تتوسطها فيلا فارهة مكونة من طابقين، إذ حجز الأمن ثلاث لفافات من مخدر الكوكاكيين، و127 خرطوشة خاصة ببنادق الصيد، وعلبة أقراص مهلوسة، ومجموعة من الأكياس البلاستيكية التي تستعمل في تلفيف المخدرات.

وغير بعيد عن الضيعة الأولى، انتقلت الشرطة إلى ضيعة أخرى بالجماعة القروية نفسها، تحوي بدورها فيلا ليست أقل بذخا، تتكون من مسبح وطابقين، حيث تم حجز بندقية صيد من عيار 12 ملم و73 خرطوشة، وثلاثة دفاتر شيكات.

ومن العرائش، انتقلت الشرطة إلى تجزئة إيلاليف بطنجة، التي يمتلك بها «عمّي» منزلا مكونا من طابق أرضي وثلاثة طوابق علوية، حيث حجز الأمن بندقية صيد  إيطالية الصنع، وسيف ساموراي موضوع في غمد، وصاعقة كهربائية، فضلا عن مبلغ مالي قدره 12300 درهم، ودفاتر شيكات، ووثائق تثبت ملكية الظنين لسفينتي صيد في أعالي البحار، واحدة في العرائش يشرف عليها ابن عمّته، وأخرى بمدينة أكادير، وشقة أخرى في شارع أطلس السواني بطنجة، وأراض فلاحية متفاوتة المساحة بمنطقة العوامرة.

وغير بعيد عن تجزئة إيلاليف، انتقلت الشرطة إلى شقة أخرى بحي ايبيريا، حيث الإقامة الجديدة التي يقطن بها «الحاج» رفقة زوجته، إذ عثر بها الأمن على وثيقة شراء الشقة، ووثائق ملكية ثلاث شقق أخرى بأحياء راقية في عاصمة البوغاز.

وبينما تم إيداع البندقيتين والخراطيش بمستودع الأسلحة العسكري بالقاعدة العسكرية بمدينة ابن جرير، لإحالتها على محكمة العدل العسكرية بالرباط، تم إيداع باقي المحجوزات لدى كتابة الضبط بابتدائية مراكش، بما فيها لفافات مخدر الكوكايين التي أرسلت عينة منه إلى المختبر العلمي.

من نادل إلى بارون مخدرات

يؤكد مصدرنا أن  تصريحات «المعلم الكبير» أذهلت المحققين، فالمطلوب رقم واحد لدى فرقة مكافحة المخدرات، كان حتى سنة 2003 مجرد تاجر بسيط في المواد والسلع المهربة من سبتة المحتلة، ثم نسج علاقات مع عناصر الجمارك، ووسع نشاطه التجاري، وصار ينقل البضائع المهربة على متن شاحنات إلى مدينة الدار البيضاء، حيث يوزعها هناك على التجار. وقبلها كان يمارس الفلاحة  إلى جانب والده بدوّار تمزلان بدائرة العرائش، إذ ازداد بوسط عائلي متواضع. لم يلج المدرسة كأقرانه، وقضى سنوات قليلة بـ«مسيد الدوار»، حيث يستطيع بالكاد كتابة اسمه. وأملا في ارتقاء اجتماعي صعب المنال في الوطن الأم، هاجر سنة 2003 إلى إسبانيا، حيث اشتغل نادلا بمطعم يملكه أحد المغاربة، و حارسا لموقف سيارات، ثم مساعدا لجزار مغربي.

لقاء بمحض الصدفة قلب حياة «الزعيم» رأسا على عقب، فقد تعرّف، في أواخر سنة 2005 خلال زيارته لعائلته في المغرب، (تعرّف) في منطقة القصر الصغير على شخص يدعى «الطنجاوي»، كان معروفا بتجارته في المخدرات، حيث اقترح عليه العمل لفائدته في نقل مخدر الشيرا بحكم معرفته بالمناطق التي يُنتج فيها هذا المخدر المحلي. في شهر فبراير من سنة 2006، قام «الحاج» بأول عملية تهريب للمخدرات، حيث نقل حوالي 600 كلغ من الشيرا من «باب برّد» نحو سواحل منطقة مولاي بوسلهام على متن سيارة، حيث حصل على 10 ملايين سنتيم من «معلمه».

توالي العمليات، أكسبه تجربة وخبرة في عالم تهريب ونقل المخدرات، قبل أن يقرّر الاشتغال لحسابه الخاص، ويشرع في استقطاب النواة الأولى للشبكة التي ستعرف لاحقا باسمه. وفي سنة 2007، ستتسع دائرة نشاطه بعد أن انتقل لاكتشاف أسواق جديدة بالسواحل الممتدة بين أكادير وتاغزوت.

شبكة برأسين

  هناك رجال كثُر تعرّف عليهم «عمّي» وأثّروا في حياته، ولكن رجلا قادما من  قلب الصحراء، سيساهم في تحويل مهرّب مخدر الشيرا إلى بارون وزعيم محلي لشبكة دولية في الاتجار الدولي في المخدرات الصلبة والمحلية. في سنة 2007 بمطعم شهير على شاطئ عين الذئاب بالدار البيضاء، التقى «الحاج» بشخص يدعى «السالك»، وهو موريطاني الجنسية، كان برفقة مواطن جزائري. لم يدم اللقاء طويلا في الزمن، ولكن الطريق، ومنذئذ، أصبحت سالكة أمام «الحاج» الذي عقد مع «السالك» شراكة  في إدارة وزعامة شبكة مخدرات دولية. شبكة برأسين تقايض الحشيش المغربي بالكوكايين في أعالي البحار مع مروجين دوليين. انتقل عدد أفراد الشبكة من مجموعة قليلة من المهربين المبتدئين إلى عشرات من رجال العصابات المحترفين. تكللت  الشراكة بنجاحات باهرة.

وأثمرت أكثر من 12 عملية تهريب ناجحة في أقل من سنتين، حيث ارتفع رقم المعاملات في ظرف قياسي، وانتقل مدخوله من 10 مليون سنتيم إلى أكثر من 200 مليون سنتيم في العملية الواحدة، وهو ما جعله يعيش حالة من اليسر ورغد العيش، قبل أن تسقط شبكته، وهي في عز نشاطها الإجرامي في مدينة الرجال السبعة.

بقلم : عبد الرحمان البصري

7 رأي حول “قصة نادل تحول إلى بارون مخدرات يملك سفنا وضيعات وعقارات بالمغرب وإسبانيا”

  1. المشكل أن تجار المخدرات سيأتي يومهم لا محاله ولا هروب منه ، يتمتعون بالأموال الطائلة لكن في الأخير يقعون في قبضة العدالة

    رد
  2. كم من برونات موجودين في المغرب، بارونات المخدرات و بارونات سرقة المال العام وبارونات وبارونات الدعارة وشراء الضمائر وبارونات الاتجار في البqر لم يسقط إلا بارون الاتجار في المخدرات أما الباقي لم يسأل عليه أحد

    رد

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.