https://www.facebook.com/MoroccoTravelAgencySARL

سخافات كوميدية تفسد إفطار الصائمين!

“الجنازة كبيرة والميت فأر”، هذا المثل الشائع ينطبق على مجموعة من الأعمال الكوميدية وغير الكوميدية التي تُقَدّم خلال رمضان الحالي في المغرب، والتي سبقتها هالة من التطبيل والتزمير والتبشير بالإيقاع بالمشاهد في سحر الفرجة التلفزيونية، ولكن النتيجة في النهاية كانت أعمالا تستحق أن تدخل موسوعة “غينيس” في مجال الرداءة والإسفاف، ويستحق منتجوها أن يحلّوا ضيوفا على برنامج “أخطر المجرمين”، نظرا للخدمات (الجليلة) التي يقدمونها للجمهور المغربي.

ويُلاحَظ أن تلك الأعمال تلتقي في هدف واحد: الضحك على ذقون المشاهدين، إذ تفتقر إلى أفكار جيدة وسيناريوهات محكمة البناء ورؤية فنية واضحة. وفي المقابل، تعجّ بموضوعات سخيفة وحوارات مبتذلة وحركات عشوائية؛ مما يجعل مكانها الأنسب هو مستشفيات الأمراض العقلية وليس شاشات التلفزيون.

ونظرا لكون بثّ السلسلات الهزلية (أو بالأحرى الهزيلة) يرتبط عادة بأوقات تحلّق الصائمين حول مائدة الإفطار الرمضانية، فيُخشى أن تصيب الناس بعسر الهضم وبقرحة المعدة وبما نطلق عليه نحن المغاربة (الفقسة) التي هي رديف للحسرة والغصة؛ وإنْ كانت مؤسسة قياس نسبة المشاهدة التلفزيونية تزعم العكس تماماً، من خلال تقديم أرقام ونسب تحاول إثبات أن المغاربة يحمدون الله صباح مساء، ويشكرون المنتجين الذين يُدخلون جرعات البهجة إلى نفوسهم تباعاً، بعدد اللقمات التي تلج البلعوم، وبعدد الإعلانات التلفزيونية التي تقصف الأبصار والأسماع بلا شفقة أو رحمة. ولكن الثناء كل الثناء على الذين اخترعوا منتديات التواصل الاجتماعي الافتراضية، ففيها يجد كل غاضب متنفساً لتفجير حنقه تجاه تلك التفاهات الدرامية.

أغلب الظن أن تلك الأعمال كُتبت على عجل، ونالت رضى وتزكية لجان الانتقاء التلفزيونية بسرعة ماراثونية، وصُوّرت على عجل أيضا… وبما أن العجلة من الشيطان، فالنتيجة تكون حوادث كارثية؛ مما يتطلب التحقيق بكل جدية ـ أمام هذه الكوارث التلفزيونية ـ في الأهلية الإبداعية لمن كَتب، والأهلية النقدية لمن انتقى، والأهلية التدبيرية لمن أنتج هذه المُنتَجات الممسوخة التي تستخف بذكاء المغاربة وبحسهم الجمالي، ولاسيما حين تُقدم لعب الصبيان والمراهقين على أنه كوميديا، وأيضا حين “تُفبرك” مشاهد تمثيلية متواطأ عليها بين “الأبطال” و”الضحايا”، وتقدمها على أساس أنها “كاميرا خفية”، وكذلك حين تكرّس احتكار ممثلين وممثلات بعينهم لأغلب أدوار البطولة في أكثر من عمل، كما لو أن هذه الأرض الطيبة الشاسعة المسماة المغرب لم تلد سوى الممثل الفلاني والممثلة الفلانية.

هل ثمة، إذنْ، أزمة ممثلين؟ أم أزمة كتاب سيناريو؟ أم أزمة إبداع وإنتاج؟

إنها أعمّ من ذلك وأشمل، هي أزمة استمرار السلطة في احتكار مجال الإعلام السمعي ـ المرئي وبسط هيمنتها عليه وتكريس توجهات معينة في كل المنتجات التلفزيونية. فلو فُتح المجال أمام الخواص لإنشاء قنوات حرة، لأمكن الحديث عن المنافسة الحقيقية والبحث عن الجودة ولأتيحتْ للمشاهد إمكانية الاختيار والتفاضل بين ما يود مشاهدته وبين ما يصرف النظر عنه.

إن الرداءة التي تطبع مجموعة من الأعمال الكوميدية وغير الكوميدية هي إعلان عجز الحكومة عن إصلاح قطاع الإعلام السمعي المرئي في المغرب.

* نائب رئيس الجمعية المغربية لحقوق المشاهد.

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.